
ردًا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايبيه، أعلنت الصين يوم أمس، تعليق استيراد بعض أنواع الفاكهة والأسماك من تايوان وتصدير الرمال الطبيعية إلى الجزيرة.
وإثر هذه الزيارة، نشبت في الأيام الأخيرة حرب تصريحات بين واشنطن وبكين التي عبرت عن غضبها بسبب هذه الخطوة، وردت بإدانة وصولها لتايبيه وإطلاق مناورات عسكرية في المياه المحيطة بتايوان التي تعتبرها جزءًا من الصين.
وكانت بيلوسي قد أوضحت أن زيارتها، التي انتهت يوم أمس، تأتي في إطار تكريس التزام واشنطن الثابت في دعم الديمقراطية في تايوان وتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين.
عقوبات صينية
وقررت إدارة الجمارك الصينية، تعليق استيراد الحمضيات وبعض الأسماك من تايوان، مشيرة إلى أنها رصدت مرارا نوعا من الطفيليات الضارة على ثمار الحمضيات وسجلت مستويات مفرطة من المبيدات الحشرية.
كما أعلنت وزارة التجارة من جانبها، تعليق تصدير الرمال الطبيعية إلى تايوان اعتبارا من يوم أمس، دون إبداء أي تفسير، وعادةً ما يستخدم الرمل الطبيعي في صناعة البيتون والإسفلت، وتعتمد تايوان بشكل كبير على الصين في توريدها.
واعتبرت المحللة المتخصصة في مجال الزراعة، لدى شركة “تريفيوم تشاينا” للاستشارات إيفين باي أن القرار الصيني نمط كلاسيكي لبكين، وأضافت عندما تكون التوترات الدبلوماسية والتجارية مرتفعة، تتبنى الهيئات الناظمة الصينية عمومًا موقفًا صارمًا للغاية فيما يتعلق بالامتثال للقواعد…بحثًا عن أي سبب يبرر الحظر التجاري.
وقال مجلس الزراعة التايواني، إن الصين تذرعت بانتهاكات تنظيمية لتعليق استيراد سلع مختلفة من الجزيرة مثل منتجات الأسماك والشاي والعسل، وتعد الصين أكبر شريك تجاري لتايوان، وقد سجل التبادل التجاري ارتفاعًا بنسبة 26 بالمائة عام 2021، لتصل إلى 328 مليار دولار.
التوتر مستمر
وقال مدير وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، د. مروان قبلان: إن ما حدث هو حلقة جديدة في مسار التوتر المتصاعد بين واشنطن وبكين منذ عدة سنوات، خاصة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، لكن في عهد الرئيس جو بايدن لم تتحسن كثيرًا لا سيما أن أميركا لديها مخاوف من الصعود السريع للصين على الصعيد الاقتصادي والعسكري وأيضًا الدبلوماسي.
وتوقع قبلان، احتدام التوتر بين البلدين في الفترة المقبلة دون الانزلاق نحو تصعيد عسكري، مؤكدًا أن لا مصلحة لهما في ذلك، وأضاف أن الولايات المتحدة منشغلة بملفات عدة على الصعيد الدولي أبرزها الحرب في أوكرانيا والاتفاق النووي لذا ليس لديها رغبة في فتح جبهة مع الصين بسبب تايوان، كما أن بكين تدرك أن ثمن أي مواجهة عسكرية مع واشنطن سيكون غاليًا، فضلًا عن معاناتها من صعوبات اقتصادية في الوقت الحالي.
وأوضح بالمقابل، أن الصين رفعت السقف عاليًا في محاولة لمنع زيارة بيلوسي، لكن إدارة بايدن أكدت أنها لا تملك أي سلطة على المجلس التشريعي لإثناء بيلوسي عن الذهاب إلى تايوان.
ويحاول الطرفان بحسب قبلان، أن يزعم تحقيق نصر ما، حيث تقول إدارة بايدن: إنها لم ترضخ للضغوط الصينية لإلغاء الزيارة، فيما ترغب الصين بالإقدام على خطوة ما أمام الرأي العام الداخلي لتؤكد أنها ردت على هذه الزيارة.
استبعاد حدوث رد فعل عسكري صيني على زيارة بيلوسي لتايوان
أبلغت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي رئيسة تايوان تساي إينغ وين، يوم أمس، بأن زيارتها للجزيرة توضح بشكل لا لبس فيه أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن تايوان.
وأكدت بيلوسي لتساي، إن تضامن الولايات المتحدة مع تايوان أمر بالغ الأهمية الآن أكثر من أيّ وقت مضى، مضيفة أن عزم واشنطن على الحفاظ على الديمقراطية في تايوان وبقية العالم لا يزال صلبًا “لا يلين”.
وفي أول زيارة لمسؤول بهذا المستوى منذ عام 1997، وصلت بيلوسي إلى تايبيه أول أمس، رغم التحذيرات الصينية، حيث تعتبر بكين أن تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها ويجب أن تعود للأرض الأم.
وفور وصولها، أكدت أن هذه الزيارة لا تتعارض مع سياسة الصين الواحدة أو التفاهمات السابقة بين واشنطن وبكين، ووصفت الخارجية الصينية بدورها هذه الزيارة بالاستفزاز السياسي، مشيرة إلى أنه يجب على الولايات المتحدة أن تكون مسؤولة عن أي عواقب خطيرة.
لا تصعيد
من جانبه، قال الكاتب الصحفي عزيز فهمي، إن الصين تخشى من محاولة تايوان إعلان استقلالها عن الأراضي الصينية الأم، رغم أن الإدارة الأميركية تؤكد أن هذه الزيارة لا تعني ذلك وأن تتمسك بسياسة الصين الواحدة.
ووفق حديث فهمي، فإن الصين لا تعتبر هذه التصريحات مقنعة خاصة أن بيلوسي تُعتبر الرقم الثالث في السلطة الأميركية، مشددًا على أن تايبيه تعد مشكلة أساسية وإستراتيجية بالنسبة إلى بكين.
ولفت في ذات السياق، إلى أن واشنطن وبكين تتبادلان التصريحات الاستفزازية لكنهما تحرصان على عدم التصعيد والوصول إلى مواجهة عسكرية، والدليل على ذلك هو إجراء مكالمة هاتفية بين الرئيسين الأميركي والصيني واتفاقهما على الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة، مستبعدًا حدوث ردّ فعل عسكري صيني.