الجهوي‎

بعدما حصدت المزيد من أرواح الشباب

الدراجات النارية بتلمسان...الخطر القاتل الذي يهدد أرواح الجزائريين

تعرف الدراجات النارية إقبالا كبيرا من فئة الشباب والمراهقين بولاية تلمسان، إلا أن الكثير منهم أصبحوا لا يهتمون بقواعد الأمن والسلامة، وفي مقدمتها عدم استعمال الخوذات الواقية، متجاهلين بذلك الأخطار الناتجة عنها، فتراهم يجوبون الشوارع والأحياء ليلا نهارا على شكل ثنائيات أو مواكب صاخبة، مستعرضين مهاراتهم السباقية وحركاتهم البهلوانية، وهم يتسللون بين السيارات والحافلات والمارة، وهو ما لاحظناه ونحن نجوب الأرجاء، قصد استطلاع آراء المواطنين حول هذا الموضوع.

 

تهتم فئة الشباب بمختلف أنواع الدراجات النارية الحديثة، حيث تشهد محلات بيع الدراجات وقاعات العرض الخاصة بأنواع وموديلات جد متطورة من الدراجات إقبالا كبيرا، حيث أن البعض يعتبرها وسيلة للتباهي بها أمام الغير، ونلاحظ أن عدد من الشباب يجوبون مختلف الشوارع والطرق السريعة قاطعين مسافات طويلة سواء باتجاه العمل أو مقاصد أخرى، غير مراعين شروط السلامة التي يجب إتباعها أثناء قيادة مثل هذه المركبات الخطيرة، من بينها ارتداء الخوذة التي تعد أولوية حتمية وواجبة من أجل حفظ سلامة الراكب، إلا أن الغريب في الأمر هو أن بعض راكبي الدراجات يقومون باستعراضات خطيرة في الطرقات متجاهلين مدى حجم الأضرار والأخطار التي تنجم عن هذه الأعمال، حيث وقفت “البديل” على هذه الظاهرة التي تشكّل خطرا كبيرا على حياة السائقين.

 

الحوادث المميتة التي تهدد سائقي الدراجات النارية

وخلال جولتنا في مدينة مغنية المعروفة بكثرة المواطنين الذين يستعملون الدراجات النارية كوسيلة نقل، وقفنا على هذه الظاهرة لدى فئة الشباب بكثرة، حيث لاحظنا أن أغلب سائقي الدراجات الذين رأيناهم لا يضعون الخوذة، بل أن هناك من يحمل معه شخصا آخر، فلا السائق ولا مرافقه يضع الخوذة.

اقتربنا من “رفيق” صاحب الـ 17 ربيعا الذي كان يقود دراجته النارية حديثة الصنع وسألناه عن سبب عدم ارتدائه للخوذة، فقال أنها تعيق حركته وتمنعه من الرؤية وهو في غنى عنها، حيث إن المسافة التي يسلكها من بيته نحو مركز التكوين المهني الذي يتابع فيه تكوينه ليست بالبعيدة، مما يمنعه عن لبسها وأنه لا يملكها أصلا فعندما اشترى دراجته لم يشتر معها الخوذة، كما يقول “يوسف”، وهو يملك بدوره دراجة نارية أن الخوذة تتحكم في حركته، فهو لا يستطيع أن يسوق بحرية.

ونحن نتجول بين أرجاء العـديد من الشوارع هذه المدينة، التقينا بـ “كريم” صاحب الـ 45 سنة، الذي قال إن العديد من الشباب والمراهقين أصبحوا لا يهتمون بالأخطار الناتجة عن سياقة الدراجات ولا يهتمون بقواعد الأمن، فهم ينظرون إلى الدراجات على أنها موضة وأداة للعب والترفيه والتسلية أكثر من كونها وسيلة نقل، وفي ذات السياق، قالت السيدة “رحمـة” التي كانت رفقة ابنها الأكبر: “في الحقيقة، لا أقبل فكرة شراء ابني لدراجة نارية، لأنها تشكّل أكبر خطر على حياة المواطن، خاصة وأن بعض الشباب أصبح يقودها دون واقيات وهو أمر أكثر خطورة، لتضيف قائلة وكما يقولون: (من اشترى موطو…اشترى موتو)”.

 

حملات مكثفة من قبل مصالح الأمن والدرك الوطني

ما زالت حوادث المرور تشكل هاجسا بالنسبة للسلطات العمومية، في ظل ارتفاعها المتزايد نظرا لأسباب متنوعة ومتعددة، وعلى الرغم من المجهودات المبذولة من طرف المصالح الأمنية، وعلى رأسها جهاز الدرك الوطني والأمن الوطني، اللذان يبذلان مجهودات كبيرة في سبيل التقليل من هذه الحوادث المميتة على الطرقات، إلا أن تهوُّر الكثير من السائقين ومستعملي الطريق يبقى من الأسباب الرئيسية في حوادث المرور.

كما أن الدراجات النارية، التي غالبا ما يؤدي استعمالها إلى التسبُّب في حوادث مرور كثيرة، تبقى من النقاط السوداء لدى مستعملي الطريق، خاصة وأن الأرقام المرتفعة التي تسجلها مصالح الدرك الوطني بخصوص عدد ضحايا تلك الحوادث، تؤكد أن الدراجات النارية ومستعمليها يجب أن يخضعوا دائما للمراقبة المستمرة، وهذا ما تقوم به مصالح الدرك الوطني بشكل دائم، ومع ذلك فإن أرقام الضحايا تبقى مرتفعة، حيث يتعـرض سائقو الدراجات النارية لحوادث يومية، نتيجة عدم التزامهم بشروط السلامة واختلفت أنواع الحوادث وخطورتها، فهناك حوادث تؤدي براكبها إلى الموت نتيجة خطورة الحادث الذي تعرض له.

حيث تقول “أم خالد”، الذي توفي ابنها منذ 3 سنوات، وعده أبوه بشراء دراجة نارية فور تحصله على شهادة البكالوريا ومن شدة حبه وولعه بمختلف أنواع الدراجات حصل على معدل جيّد، فوفى والده بوعده ولم نكن نعلم أن حلم “خالد” في شراء دراجة نارية هو الذي سيقضي على حياته وكنت أنا ووالده ننصحه يوميا بتوخي الحيطة والحذر أثناء القيادة، وفي إحدى المرات وهو راجع من الجامعة كعادته، تعرض لحادث حيث صدمت دراجته شاحنة كبيرة لنقل البضائع ولأنه لم يكن يرتدي الخوذة الواقية، تعرض لنزيف في الرأس أدخله العناية المشدّدة لمدة 5 أيام، توفي بعدها نتيجة النزيف الحاد، وتضيف والدة “خالد” أن الكثيرين فارقوا الحياة جراء هذه المركبات الخطيرة وهناك من تعرضوا لإصابات سببت لهم إعاقات دائمة.

هذا، وكانت عـناصر الحماية المدينة لوحدة ندرومة في تلمسان قد تدخلت من أجل حادث مرور مميت بمدخل الخريبة ببلدية ودائرة ندرومة، وتمثل في انحراف دراجة نارية من نوع سكوتر واصطدامها بشاحنة ذات مقطورة، أدى إلى مصرع سائق الدراجة البالغ من العمر 43 سنة وإصابة مرافقه الابن البالغ من العمر 07 سنوات بجروح بليغة، أين تم نقل الضحية المتوفاة إلى مصلحة حفظ الجثث بمستشفى ندرومة وتحويل الضحية المرافق له إلى نفس المستشفى لتلقي العلاج اللازم.

في سياق آخر، تدخلت أيضا عناصر الحماية المدينة وحدة باب العسة من أجل حادث مرور بوسط بلدية سوق الثلاثاء تمثل الأخير في انحراف دراجة نارية تقل شخصين من جنس ذكر، أين تسبب الحادث في وفاة ضحية يبلغ من العمر 17 سنة وإصابة المرافق له البالغ من العمر 23 سنة بإصابات متفاوتة في الخطورة، تم تحويلهم إلى القطاع الصحي بباب العسة.

وفي سياق متصل، سجل حادث آخر مميت على مستوى باب الخميس بوسط مدينة تلمسان تمثل في انحراف دراجة نارية من الحجم الكبير من نوع ياماها، ما نجم عن وفاة شاب يبلغ من العمر 24 سنة وإصابة المرافق له البالغ من العمر 17 سنة، وله جروح متعددة وتم تحويلهم صوب المستشفى الجامعي بتلمسان.

التحسيس بمخاطر السلوكيات السلبية

وأمام الخطر الذي لازال يحدق بالشباب الهاوي بالدراجات النارية، تواصل مصالح أمن ولاية تلمسان بالتنسيق مع قيادة الدرك الوطني، حملتها التحسيسية مستهدفـة سائقي الدراجات النارية بمختلف أصنافها، والتي ترمي إلى التحسيس بمخاطر السلوكيات السلبية وما يتبعها من أضرار لمستعملي الطريق العام والساكنة، على غرار عدم ارتداء الخوذة، السرعة المفرطة، السياقة دون وثائق، المناورات الاستعراضية، قيادة الدراجات النارية من قبل القصر والإزعاج الصوتي الناتج عن إدخال بعض الإضافات على محركات الدراجات.

أين دعت بالمناسبة جميع الفاعلين بما فيهم الأولياء إلى المساهمة في محاربة السلوكيات الخطيرة لسائقي الدراجات النارية عن طريق التبليغ عبر المنصات الرقمية للمديرية العامة للأمن الوطني.

وفي إطار تطبيق قانون المرور، قامت المصلحة الولائية للأمن العمومي بأمن ولاية تلمسان السنة الماضية بتسجيل 2066 مخالفة مرورية ارتكبت من طرف مستعملي الدراجات النارية، مع وضع 1524 دراجة نارية بالمحشر البلدي تنفيذا للقرار الولائي رقم: 4914 المؤرخ في 31 ماي 2015، والقرار الولائي المعدل رقم: 3001 المؤرخ في 22 جوان 2021، كما حجز شرطة تلمسان منذ بداية السنة الجارية مئات الدراجات النارية المخالفة للقرارات والتنظيمات الخاصة بها كعـدم ارتداء الخوذة، إحداث ضوضاء ليلية واستعمال السرعة المفرطة من بين المخالفات المسجلة خلال هذه الحملة التي لازالت مستمرة لتشمل جميع الدوائر التابعة للولاية.

هذا، وقـد ازدادت في الآونـة الأخيـرة حدة الأخطار الناتجة عن سياقة الدراجات النارية وهذا ناتج عن تهاون البعض في لبس الخوذة الواقية، ولكون البعض منها قديمة يعرضونها للكراء مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 800 دج و1000 دج للمراهقين المتعطشين لتقليد أبطال الأفلام متجاهلين الأخطار والحوادث المميتة التي تترصدهم، وهو الأمر الذي أثار استياء العديد من الأولياء.

وفي ذات الصدد، يقول “جمال” صاحب 62 سنة، أب لأربعة أولاد إن الكثير من الشباب والمراهقين يتجاهلون الأخطار الناتجة عن هذه الأخيرة خاصة في ظل عدم الالتزام بقواعد السلامة، وما نراه اليوم في العديد من الأحياء الشعبية أن هناك بعض الشباب يذهبون لكراء دراجات قديمة للتباهي بها ويحدث التنافس مع أبناء العائلات الميسورة بهدف التفاخر والتفنن في إبراز المواهب الاستعراضية، والعامل المشترك بين الجميع هو عدم التفكير والاهتمام بقواعد السلامة وقوانين المرور والاستغناء عن الخوذات الواقية.

وعن الأخطار الناتجة عنها، يضيف “مصطفى” قائلا: إن عدم التفكير والاهتمام بالسلامة المرورية والاستغناء عن الخوذات الواقية يتسبّب في عدة حوادث مميتة، وهو ما يتجاهله الكثير من شباب اليوم، وخلال قصدنا لأحد الشوارع المليئة بمحلات بيع الدراجات النارية على مستوى مدينة مغنية ودخلنا بعض المحلات وما أكثرها، حيث وجدنا تنوع ماركات الدراجات واختلاف أسعارها من نوع لآخر وكل واحدة والتقنيات المتوفرة فيها، حيث يبلغ سعرها من 14 مليون سنتيم ليصل حتى 60 مليون كل وطلبه، وعندما اقتربنا من صاحب محل قال إن الإقبال يكون يوميا ويزيد في فصل الصيف، وعن الفئة التي تشتري بكثرة قال إن الشباب هم الأكثر إقبالا. وعن الخوذة يقول المتحدث، إن نسبة قليلة من المشترين يشترون الخوذة مع الدراجة رغم أن سعرها ليس باهظا، حيث يختلف باختلاف نوع الدراجة ويتراوح بين 25 و04 ملايين سنتيم وهناك من يشتري دراجة مستعملة ويقصد المحل لشراء خوذة خاصة بها لكن قليلون من يشترونها، سألنا أحد الشباب الذين وجدناهم عند أحد المحلات، فقال إنه يملك دراجة وينوي تغييرها وعند سؤالنا عن إن كان يملك خوذة واقية، أجاب بلا متحججا بقوله أن سعرها مرتفع جدا.

ع. أمــيــر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى