(الجزء الـثـانـي)
أمـيـر.ع
ما يمكن قوله أن الفنان التقليدي المسيردي يستوحي رسوماته من مشاهد الحياة التي يعيشها من مناظر طبيعية كألوان الضوء، وما هي في حقيقة الأمر إلا تعبير عن خواطر وترجمة للمواضيع الخارجية أو الباطنية التي لها سيطرة اجتماعية أوفي بعض الأحيان تتعلق بالكفاح الثوري، وفي بعض الأحيان ترجمة حقيقية للحالة الانفعالية والنفسية للعائلة، بالإضافة إلى ما يختلج الفنان في نفسيته، وما يلاحظ على الرسومات المسيردية هو تعبير عن الإيقاع الذي يتصف به أسلوب، ويتفق والترتيب اللطيف للمساحات الملونة حتى ترتاح لها النفسية في انسجام لخطوط مائلة وعمودية ومنحنية.
كما أن الفن الخزفي المسيردي فن قديم عبر جميع التسلسلات الزمنية، فالأواني الفخارية والفراش والعتاد الفلاحي والأغراض المنزلية توضح المصدر لهذا الشعب ذو الإحساس الراقي، وتعبّر عن الشعور الذي كان يعيشه الفرد المسيردي في تلك الحقبة.
فالمواد التي يعتمد الفن الخزفي تتمثل في الطين، وهي المادة الأولية المستخلصة من الغضار في العراء، وهي معروفة لدى صانعي الخزف في القرى والجبال والتجمعات البشرية، فصناعة الخزف المسيردي كغيره من الخزف الشعبي في بقية أنحاء الجزائر، حيث تزخرف الأواني الفخارية المصنوعة ثم تكوى في الأفران في الهواء الطلق ثم تدهن، ونجـد أن زخرفة الأواني الفخارية متنوعة ذات أشكال هندسية معينة دوائر، خطوط منحنية ومنكسرة ونقاط موزعة بشكل خطوط على كثير من القطع تعبر عن معان حسب الحالات النفسية للصانعين.
وما يميز الفن الخزفي المسيردي، هو تعدد الأشكال الهندسية وبالأخص الأشكال المثلثية الأشكال الدائرية، مع الاعتماد على الألوان الزاهية وكثرة الخطوط العمودية والأفقية، والمتشابكة، مع الارتكاز على اللون الأسود، لأن الاعـتماد على هذا الأخير يرجع بالضرورة الأولى للظروف القاسية التي يعيشها الفنان والصانع المسيردي، أين يجد ذاته عما يختلج في خواطر نفسه من احتياجات واهتمامات وهذا ما نلمحه من كثرة الخطوط وتعـدد المصنوعات وهذا ينم عن لمسات فنيه للصانع المسيردي، مما جعله يعتلي المكانة المرموقة في مجال الفنون التقليدية.
الزربـيـة.. الطـيـن.. صناعات تقـلـيـديـة مهــدّدة بالـزوال
تعـتبر الزربية التقليدية بتلمسان والتي لازالت تصنع بأنامل نساء ماكثات في البيت في العديد من المناطق الريفية، أحد الموروثات التي تم تناقلها من جيل إلى آخر، حيث أصبحت مهدّدة بالزوال نتيجة المنافسة الصناعية الحادة في مجال صناعة الزربية المتمثل في إنتاج الزربية العصرية التي يتم صناعتها في مصانع متخصصة، فأصبحت تكتسح السوق وتباع بأثمان منخفضة مقارنة بأسعار الزربية التقليدية، حيث أضحت تشد العديد من العائلات بألوانها الزاهية وأشكالها المتنوعة وأحجامها المختلفة سواء كانت مخصصة لفصل الشتاء أو الصيف، كونها تواكب الموضة في طريقة الصنع والشكل والألوان، فضلا عن انخفاض في أسعارها حسب تصريحات أحد الباعة أن الزربية التقليدية قد تفوق 20 ألف دينار، في حين أن الصناعية فأسعارها في متناول الجميع، إذ يتراوح سعر الواحـدة بين 2000 إلى 4500 دينار، ويزداد السعر حسب الحجم وأيضا النوع.
أما الزرابي التي تباع بالمتر الواحد والمخصصة للأروقة، فهي في حدود 1500 دينار للمتر الواحد، ومن أشهر الزرابي المعروفة في منطقة تلمسان زربية “سبدو” التي تعرف إقبالا كبيرا، بمنطقة سبدو، إذ أن العروس التلمسانية لاتزال تأخذ معها ما لايقل عن أربع زرابي، لما تتميز به تتميز به من رسومات مستنبطة من عمق تاريخ المدينة، حيث تم الحفاظ على وشمات خاصة واستحداث أخرى، إضافة إلى طريقة الصنع التقليدية مائة بالمائة، حيث تصنع من الصوف الذي يغسل ويغزل، ثم يصبغ للحصول على الخيوط المشكلة للزربية التي تتميز بعدم تأثر ألوانها بالماء والاحتكاك بالعوامل الطبيعية، ورغم جودتها إلا أنها بحاجة إلى تسويق أكبر خارج المنطقة من أجل ضمان انتشارها وبالتالي استمرار صناعتها.
وزيادة على اندثار صناعة الزرابي التي كانت رائجة بها، تعدّ حرفة صناعة الطين بسبدو في طريق الاندثار، إذ تعتمد في صناعتها على اليد البسيطة المتكونة من النسوة القاطنات بالمنطقة الريفية، ورغم هذا ما تزال بعض الصناعات تصارع البقاء مثل صناعة الجواهر كالبريم والخرصة واللباس التقليدي الذي يجب أن تتزين به العروس وكذا صناعة الجلود، وأخرى تستحدث مثل السيراميك البوني بدائرة ندرومة، ويتم تطويرها في كل مرة كإدخال عليها الطلاء، ولوضع حد لاندثار الصناعات التقليدية التي ازدهرت بها تلمسان في عقد ما من الزمن، ولحل المشكل عملت الجهات المعنية على استحداث معهد إمامة للصناعات التقليدية الذي من شأنه الحفاظ على آثار حضارة الصناعات التقليدية المعروفة بتلمسان الموجودة أو المنقوشة و التي في طور الانقراض، إذ فتح أبوابه مع فيفري 2003 ويعتبر الأول على المستوى الوطني، وقد تم اختيار منطقة تلمسان لإقامته، لما تمتاز به من أرضية خصبة كوفرة الصناعات بالمنطقة والأماكن السياحية، ورغم أن المعهد يتوفـر على عدة تخصصات تهتم بالصناعة التقليدية وتشجيعها مثل (النقش على الخشب والأثاث، الزجاج، الفخار، الألبسة، النسيج التقليدي، الجلود، الصباغة، النقش على النحاس، البناء، التركيب الحديدي وفن الخط)، إلا أن المعهد يبقى يعاني من نقص التأطير، يعتمد في ذلك على الحرفيين والذي من واجبه تكوين تقنيين سامين وكذا لياقة يدوية ومعلومات تكنولوجية، وهذا يتطلب توفير أساتذة جامعيين في الاختصاص.
غلاء المواد الأولـية يضاعـف من استياء الحرفيـيـن
عـبّر الـعــديـد من أصحاب الحرف التقليدية بولاية تلمسان والذين مازالوا يمارسون هذا النشاط التقليدي، خاصة بلديات جنوب غرب الولاية كبلدية سيدي جيلالي بمختلف قراها ودواويرها البويهي، سبدو، عين غرابة، القور والعريشة إلى جانب بني سنوس المعروفة بصناعة الحصير وكذلك بعض المناطق المجاورة لولاية تلمسان والمعروفة بصناعة الفضة، السيوف، الخناجر والآلات الحديدية المختلفة كالأواني وأدوات الزينة “الخواتم”، عن استيائهم وتذمرهم من المشاكل والعوائق التي أصبحت تواجههم والمتمثلة خاصة في نقص المواد الأولية المستعملة وعزوف الشباب عن مثل هذه الحرف، التي لها ارتباط عميق بمجتمعات هذه الجهة بالخصوص من التشبث بهذا الموروث الصناعي والذي يعتبر بمثابة الركيزة الأساسية للنهوض بالاقتصاد المحلي والوطني وهذا مناصفة مع الفلاحة.
ومن أجل إنقاذ هذه الحرف التقليدية المتوارثة أبا عن جد وبالرغم من تراجع تسويقها خلال السنوات الأخيرة بفعل النقص المسجل في المواد الأولية المستعملة وكذا الأيدي الفنية المتخصصة، إلا أن ذلك لم يكن مانعا إذ تم تشكيل ما يزيد عن 350 تعاونية حسب بعض المصادر، وهو ما أعاد بعث هذا النشاط وبالتالي ارتفع عدد الحرفيين مقارنة بسنوات مضت، حيث أصبح العدد خلال السنة الجارية يفوق 9500 حرفي، لكن هذا الرقم ازدادت معه حدّة المشاكل التي أصبحت تعيق وتشلّ من حين لآخر نشاطهم، خاصة ندرة المواد الأولية وغلائها كما هو حال الفضة، إضافة إلى قلّة توافد السواح على هذه المناطق، يضاف إلى ذلك غزو الصناعات الحديثة الجاهزة، وهو ما انعكس سلبا على أسعار منتوجاتهم والتي أصبحت تستعمل في المعارض الولائية، كما هو الحال في المركز الثقافي بسيدي الجيلالي وسبدو، وكذلك المركز الثقافي بمدينة تلمسان وكذا المعارض الوطنية.
وقصد الحفاظ على هذا الموروث التقليدي الذي يرتبط بالتقاليد العريقة لهذا المجتمع، وكذا صقل المواهب في مجال حماية الصناعات التقليدية، يطالب أهالي المناطق النائية بكل من القور، سيدي الجيلالي، مازر والبويهي وغيرها من الوكالات الجهوية لتشغيل الشباب، بضرورة مساعدتهم بمنحهم قروضا وإعانات مالية للنهوض بهذا النشاط المتوارث، لا سيما وأن هذه الجهات معروفة بصناعة الزرابي والجلابة الوبرية والصوفية والبرنوس، كما يسمّى عند أهل هذه المناطق بالهدون أو السلهام وكذلك “الهدم” الذي يستعمل في صناعة الخيم والأغطية الصوفية المختلفة الألوان والأشكال والوسادة إضافة إلى صنع الحصير والأطباق و”الكساكس” التي تشتهر بها بني سنوس، فهذه الحرف مازالت مفضلة بهذه المناطق.
تراجع في تسويق الصناعة التقليدية
للإشارة، فإن ولاية تلمسان تتوفر على العديد من المعالم الأثرية والسياحية والتي تضاهي 70 بالمائة على المستوى المحلي، ومع ذلك تعرف تراجعا في تسويق الصناعة التقليدية.
مع الإشارة إلى أن أثمان المجبود مرتفعة، إذ تتراوح ما بين 50.000 دج إلى 70.000 دج ويبقى أمل أصحاب الحرف التقليدية معلقا على الجهات المعنية لتقديم المساعدات اللازمة للمحافظة على هذا الموروث، بدء بإنجاز دار للصناعة التقليدية بالولاية وكذا تدعيم المواد الأولية، وهنا نقول إن الإنسان الذي لا يعترف بماضيه ليس له حاضر ولا مستقبل، فالصناعات التقليدية تحتل مكانا ظاهرا في ذاكرة الناس، وقـد اعتبر مسؤولو غرفة الصناعات التقليدية بالمشور أن المادة الأولية باهظة الثمن، إذ يجد الحرفي نفسه ودون دراية يتخلى عن الحرفة، وبالتالي يبتعد تماما عن المجال ولا يقوم بتعليمها للأجيال اللاحقة لنفس السبب، وقـد شرحوا لنا بإسهاب أن هذه الحرف المندثرة وأخرى في طور الاندثار وقليل ما يزال رغم كل شيء متمسكا بالحرفة بداية بالنقش على النحاس الذي اندثر 100 بالمائة، علما أن تلمسان كانت في زمن مضى من المدن المشهورة في صناعته روانيوم يتم جلبها للحاجة من ولاية جيجل، ويعود سبب اندثارها لغلاء المادة الأولية، بالإضافة إلى عدم التشجيع على احترافها من طرف القائمين عليها، فضلا عن زربية الحشايشي التي عبرت لوقت من الزمن عن أصالة تلمسان وجذورها العريقة، بقي منها نوع واحد المعروف بالبطنية فقط، ونفس الوضعية بالنسبة لصناعة الخيزران وصانعها لا يستطيع استرجاع رأس ماله، إذ يتم جلب مادة الخيزران من مدينة القالة، ويوجد حرفي من سبدو الصانع الوحيد لهذه الحرفة.