
في مشهد تقني مقلق شهد العالم مساء الخميس اضطرابًا واسع النطاق في العديد من الخدمات الإلكترونية المعروفة نتيجة خلل فني أصاب منظومة التخزين والخدمات السحابية التي توفرها شركة “غوغل”، والتي تعد إحدى أعمدة البنية التحتية الرقمية الحديثة.
الانقطاع الذي بدأ بشكل مفاجئ تسبب في تعطيل منصات ترفيهية وتواصلية شهيرة، مما أحدث حالة من البلبلة والشكوى بين المستخدمين، خصوصًا في الولايات المتحدة وأوروبا امتد أثرها إلى دول عدة.
خلل غير مسبوق في الشبكة السحابية
بدأت أولى إشارات العطل بالظهور عند فئة واسعة من المستخدمين، حيث تعذر عليهم الوصول إلى منصاتهم المفضلة أو استخدامها بشكل طبيعي من بين هذه المنصات برزت خدمات بث الموسيقى والمحادثات الفورية مثل “سبوتيفاي” و”ديسكورد”، كمثالين بارزين على مدى اتساع نطاق المشكلة إذ تعتمد هذه الخدمات على البنية التحتية الرقمية لشركة “غوغل” في استضافة بياناتها وتشغيل خدماتها للمستخدمين ،وقد أظهرت مواقع تتبع أعطال الخدمات الإلكترونية مثل موقع مراقبة الانقطاعات العالمية ارتفاعًا كبيرًا في عدد الشكاوى، حيث بلغت ذروتها بعد الساعة الثامنة مساءً بتوقيت الجزائر. وبينما بدأ بعض المستخدمين لاحقًا بالإبلاغ عن عودة تدريجية للخدمة، فإن الأثر الكلي للأزمة لم يحدد بعد بدقة.
وفي خضم هذا الانقطاع، سارعت شركة “غوغل” إلى طمأنة مستخدميها عبر صفحة متابعة حالة خدماتها السحابية حيث أكدت أن مهندسيها نجحوا في تحديد السبب الجذري للعطل، وبدأوا بالفعل في تنفيذ إجراءات تخفيفية للحد من آثاره على المستخدمين، وأوضحت الشركة أنها لا تملك في الوقت الحالي تقديرًا دقيقًا لموعد الانتهاء الكامل من عمليات الإصلاح ما يعكس حجم وتعقيد الخلل.
واكتفت “غوغل” بالإشارة إلى أن المشكل نابع من “خلل داخلي في النظام”، دون توضيح فني مفصل لطبيعة الخلل أو ظروف نشأته، الأمر الذي فتح باب التكهنات حول مدى استقرار الخدمات السحابية التي باتت تشكّل العمود الفقري لعشرات الآلاف من التطبيقات الإلكترونية حول العالم.
اعتماد عالمي مفرط يطرح تساؤلات حيوية
يثير هذا الانقطاع المفاجئ تساؤلات واسعة حول مدى الاعتماد المتزايد للمؤسسات، سواء كانت ترفيهية أو تجارية أو حتى حكومية، على البنى التحتية الرقمية المملوكة من طرف شركات عملاقة محدودة ومع تزايد الاعتماد على ما يسمى بـ”الحوسبة السحابية” تبرز مخاطر المركزية التقنية، إذ يصبح خلل واحد في مركز بيانات أو برمجية تشغيلية كفيلًا بتعطيل خدمات ملايين المستخدمين دفعة واحدة.
من الناحية الاقتصادية يشير حجم الأضرار غير المباشرة إلى أهمية إعادة النظر في خطط الطوارئ التي تعتمدها هذه المنصات، والتي يبدو أن الكثير منها لا يملك بدائل حقيقية عندما تتعطل خدمات الشركاء الأساسيين. كما أن المستخدم العادي وهو الطرف الأضعف في هذه السلسلة غالبًا ما يترك دون معلومات كافية أو وسائل واضحة لتقييم المخاطر التقنية التي يتعرض لها.
وسط كل هذا ارتفعت أصوات من جهات حقوقية وتكنولوجية تطالب بضرورة فرض رقابة أكثر صرامة على شركات التقنية الكبرى، ومطالبتها بتقارير شفافة ودقيقة عند حدوث مثل هذه الأعطال، كما دعت بعض الجمعيات إلى تعزيز حق المستخدم في الحصول على معلومات واضحة حول مصير بياناته في حال حدوث أعطال أو انقطاعات كبرى.
ما حدث مساء الخميس ليس مجرد حادث تقني عابر، بل هو إنذار فعلي حول هشاشة البنية الرقمية العالمية، حين تتركز بأيدي عدد محدود من الشركات ومع ازدياد توجه الحكومات والمؤسسات نحو الرقمنة الشاملة تزداد أهمية تطوير بدائل وطنية ومستقلة للبنى التحتية التكنولوجية، أو على الأقل تعزيز استراتيجيات التعددية في الاعتماد على مزودي الخدمات.