تكنولوجيا

انفراجة كبرى في عالم الحوسبة الكميّة.. هل هو عصر السيادة الرقمية حقا؟

كشفت شركة التقنية العملاقة عن خوارزمية مبتكرة، تدّعي أنها تظهر وبوضوح جلي قدرة الحواسيب الكميّة على التفوق في بعض المهام على النظم التقليدية، فيما يعرف باسم “الأفضلية الكميّة”، وهي المرحلة التي تبدأ فيها الأنظمة الكميّة بتجاوز حدود الحواسيب التقليدية في معالجة المسائل الحسابية المعقدة.

 

ويأتي هذا الإعلان، تتويجا لسنوات من البحث والتطوير في هذا المجال الواعد، الذي يعد بثورة في عالم المعالجة الرقمية. وتعتبر هذه الخطوة محطة فارقة في مسيرة التطور التكنولوجي، حيث تفتح الباب أمام آفاق غير مسبوقة في مجالات البحث العلمي والتطبيقات الصناعية.

تعتبر الحوسبة الكميّة مجالا حديثا في علم الحاسوب، يعتمد على مبادئ فيزياء الكم لمعالجة البيانات، وتتميز بقدرتها على حل بعض المشكلات المستعصية التي تستغرق أجهزة الحاسوب التقليدية فترات زمنية هائلة للتعامل معها، مثل كسر الشفرات المعقدة وتصميم الأدوية الحديثة وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي وغيرها من التطبيقات.

ولتوضيح الصورة، فإن الحوسبة الكميّة تختلف جوهريا عن الحوسبة التقليدية في آلية معالجة المعلومات، فبينما تستخدم الحواسيب العادية وحدات تسمى “البتات” التي تأخذ قيمة صفر أو واحد، تستخدم الحواسيب الكميّة وحدات تعرف باسم “البتات الكميّة” التي يمكنها أن تكون في حالتي الصفر والواحد في الوقت ذاته بفضل خاصية تدعى التراكب الكمّي، وهذا ما يمكنها نظرياً من معالجة كميات هائلة من الاحتمالات في فترة زمنية قصيرة جدا.

 

خوارزمية “أصداء الكم”.. محاكاة الطبيعة تفتح آفاقا جديدة

ذكرت الشركة في بحث نشر بمجلة علمية مرموقة أن الخوارزمية الجديدة، التي تحمل اسم “أصداء الكم”، تحاكي السلوك الطبيعي للجسيمات متناهية الصغر مثل تفاعلات الذرات داخل الجزيئات. وتوقعت الشركة أن تفتح هذه التقنية آفاقا جديدة في مجالات مثل اكتشاف الأدوية وتصميم المواد المتطورة. وأوضحت الشركة أن تنفيذ هذه الخوارزمية على أحدث رقاقاتها الكميّة، التي تطلق عليها اسم “الصفصاف”، أتاح إنجاز العمليات الحسابية بسرعة تفوق الحواسيب الفائقة التقليدية بنحو 13 ألف مرة، مع إمكانية التحقق من النتائج عبر أجهزة كميّة أخرى، وهو ما يعد خطوة مهمة نحو تحقيق موثوقية أعلى للحوسبة الكميّة.

وصف رئيس مختبر الذكاء الاصطناعي الكمّي في الشركة هذا الإنجاز، بأنه “أول عرض لخوارزمية تحقق أفضلية كميّة قابلة للتحقق”، مشيراً إلى أنه يمهد الطريق أمام الانتقال من الأبحاث النظرية إلى التطبيقات العملية في هذا المجال. وأكد أن هذا التطور يمثل نقلة نوعية في مسيرة الحوسبة الكميّة، حيث يضع الأسس لمرحلة جديدة من التطبيقات العملية التي يمكن أن تغير وجه التقنية في المستقبل القريب.

 

من النظريات إلى التطبيقات العملية

قالت المديرة التنفيذية للعمليات في مختبرات الشركة الكميّة، إن خوارزمية “أصداء الكم” “تمهد الطريق نحو تفوق كمّي يمكن تطبيقه فعلياً في مجالات مثل فيزياء المواد واكتشاف العقاقير”. ونشرت الشركة أيضا ورقة بحثية ثانية توضح إمكانية استخدام التقنية الجديدة في تحليل الرنين المغناطيسي النووي، وهي تقنية تستخدم في دراسة الجزيئات. ومع أن التطبيق لم يتفوق بعد على الحواسيب التقليدية من ناحية السرعة، فإنه يعد مؤشراً على اقتراب التطبيقات العملية من الحوسبة الكميّة.

ويأتي هذا الإعلان في إطار سباق تقني محموم بين الشركات العملاقة للسيطرة على هذا المجال الواعد، حيث تسابق الشركات الزمن لتطوير تقنياتها وتحقيق إنجازات ملموسة في هذا المضمار. وتعمل العديد من الشركات الأخرى على تطوير تقنياتها الخاصة في هذا المجال، مما يشير إلى أهمية هذا التوجه التقني المستقبلي.

 

جدل علمي ومستقبل واعد

تجدر الإشارة إلى أن الشركة سبق لها أن كشفت عام 2019 عن تفوق كمّي مماثل، لكن باحثين أثبتوا لاحقاأن الحواسيب التقليدية يمكنها إنجاز المهمة نفسها بنحو أسرع، مما أثار جدلاً علمياً واسعاً. ومع ذلك، تقول الشركة إن التطورات الأخيرة في معالجاتها الكميّة جعلت أداءها يتحسن بوتيرة أسرع من الحواسيب التقليدية، مضيفة أن “هذا سباق لا يمكن للأنظمة التقليدية الفوز به”. ومع أن النتائج الجديدة لم تخضع بعد لمراجعة مستقلة من فرق بحث خارجية، فقد نشرت بعد “مراجعة الأقران” في المجلة العلمية المرموقة، وأكدت الشركة أنها أجرت تدقيقا داخلياصارما قبل إعلانها.

ويرى باحثون في شركة تقنية منافسة، أن العامين المقبلين قد يشهدان تسارعاً في إعلان شركات التقنية تحقيق “الأفضلية الكميّة”، مما قد يشكل نقطة تحول مهمة في الطريق نحو الاستخدام العملي للحوسبة الكميّة، مع استمرار الجدل حول مدى مصداقية هذه الادعاءات وإمكانية تطبيقها فعلياً. وكان كبير العلماء في قسم العتاد الكمّي في قسم الذكاء الاصطناعي الكمّي بالشركة قد فاز حديثاً بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2025، مناصفة مع القائد السابق لفريق العتاد الكمّي في الشركة، وأستاذ الفيزياء في جامعة كاليفورنيا.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى