
في ظل التطور الهائل لتقنيات الذكاء الاصطناعي، برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة مزعجة تهدد مصداقية المحتوى الرقمي.
لاحظ مستخدمو تطبيق تيك توك انتشار مقاطع مصورة لمشاهير عالميين وهم يتحدثون العربية بطلاقة، ويقلدون أصواتاً عربية معروفة على المنصة، في مشهد يثير الدهشة والاستغراب.
ما هي تقنية التزييف العميق؟
تقنية التزييف العميق تعتمد على خوارزميات ذكاء اصطناعي متطورة، قادرة على تزوير الصور والفيديوهات بدرجة عالية من الدقة. تعمل هذه التقنية من خلال تحليل آلاف الصور للشخص المستهدف، ثم تركيب وجهه على فيديو لشخص آخر، مع تعديل حركة الشفاه لتتناسب مع الكلام المزيف. كما يمكنها تقليد الأصوات بدقة مذهلة، مما يجعل المشاهد العادي غير قادر على التمييز بين المحتوى الحقيقي والمزيف.
المشاهير العالميون يتحدثون العربية
<p>انتشرت مؤخراً على تيك توك مقاطع لمشاهير مثل لاعب كرة القدم “كريستيانو رونالدو”، والمغنية “بيلي إيليش”، وحتى الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، وهم يتحدثون العربية بلهجات مختلفة. بعض هذه المقاطع يظهرهم وهم يرددون عبارات شهيرة في عالم السوشيال ميديا، أو يقلدون أصوات مؤثرين عرب معروفين. وقد حصدت هذه الفيديوهات ملايين المشاهدات، ما يدل على انتشار الظاهرة بشكل كبير.
كيف يتم صنع هذه الفيديوهات المزيفة؟
يعتمد صناع هذه الفيديوهات على برامج متخصصة في تركيب الوجوه وتقليد الأصوات. تبدأ العملية باختيار فيديو للشخصية المستهدفة، ثم يتم استبدال الوجه الأصلي بوجه المشهور، مع ضبط حركة الشفاه لتتناسب مع الكلام الجديد. أما الصوت فيتم تعديله باستخدام برامج محاكاة الصوت التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يجعل النتيجة النهائية تبدو طبيعية إلى درجة تثير الريبة.
دوافع انتشار الظاهرة
هناك عدة أسباب وراء الانتشار السريع لهذه الفيديوهات المزيفة. أولها الرغبة في جذب المشاهدات والإعجابات، حيث يستغل المنشئون شهرة الشخصيات العالمية لضمان انتشار محتواهم. كما أن عنصر المفاجأة الذي تخلقه رؤية مشهور عالمي يتحدث العربية يزيد من فرصة انتشار الفيديو. ولا ننسى الجانب الترفيهي الذي يجذب الكثير من المستخدمين الذين يتعاملون مع هذه المقاطع على أنها مجرد دعابة.
المخاطر والتداعيات
رغم أن بعض هذه الفيديوهات تبدو بريئة، إلا أن الظاهرة تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، أهمها تهديد مصداقية المحتوى الرقمي، حيث يصبح من الصعب على المستخدم العادي التمييز بين الحقيقي والمزيف.
كما يمكن استخدام هذه التقنية في انتحال الشخصيات لأغراض غير أخلاقية، أو لنشر معلومات مضللة. وهناك خطر حقيقي على سمعة الشخصيات العامة التي يتم استخدام صورتها دون إذن.
كيف نكتشف الفيديوهات المزيفة؟
هناك بعض العلامات التي تساعد في كشف الفيديوهات المزيفة. من أبرزها عدم تناسق حركة الوجه مع الكلام، خاصة حول منطقة العينين والفم، كما أن جودة الصوت قد تكون مختلفة عن الصوت الطبيعي للشخصية.
وأحيانا يكون السياق العام للفيديو غير منطقي، مثل ظهور شخصية عامة معروفة وهي تتحدث بلغة لا تعرفها في الواقع.
موقف المنصات من الظاهرة
<p><p>بدأت بعض منصات التواصل الاجتماعي في اتخاذ إجراءات للحد من انتشار المحتوى المزيف، حيث تعمل على تطوير أدوات للكشف التلقائي عن الفيديوهات المعدلة، وتضع تحذيرات على المحتوى المشكوك في صحته.<p>كما تسمح للمستخدمين بالإبلاغ عن المقاطع المزيفة، لكن المعركة ضد التزييف العميق ما زالت في بدايتها، والتحدي كبير أمام المنصات للسيطرة على هذه الظاهرة.
الحلول والمقترحات
لمواجهة خطر التزييف العميق، لا بد من تضافر الجهود على عدة مستويات. على المستوى الفردي، يجب تنمية الوعي الرقمي لدى المستخدمين وتعليمهم مهارات التحقق من صحة المحتوى.
<p><p>أما على مستوى الحكومات والشركات، فيجب العمل على تطوير تشريعات رقمية تحد من الاستخدام الضار لهذه التقنيات، مع تشجيع الأبحاث التي تطور أدوات للكشف عن المحتوى المزيف.
بين الإبداع والخطر
ظاهرة التزييف العميق في تيك توك تضعنا أمام مفترق طرق. فمن ناحية، تمثل هذه التقنية تقدماً تكنولوجياً مذهلاً في مجال الإبداع الرقمي. ولكن من ناحية أخرى، فإن إساءة استخدامها تهدد أسس الثقة في المحتوى الرقمي.</p>
<p><p>السؤال الذي يطرح نفسه: هل سنتمكن من تحقيق التوازن بين الاستفادة من الإمكانيات الإبداعية لهذه التقنية، والحد من مخاطرها على ال
مجتمع؟ الإجابة عن هذا السؤال ستحدد شكل عالمنا الرقمي في السنوات القادمة.
إعداد: ياقوت زهرة القدس بن عبد الله