بقلم د. سلامي إبراهيم
إنها الشخصية الأكثر إثارة في تاريخ الثورة الجزائرية المجيدة، قاد معارك ساخنة ضد العدو الفرنسي في المنطقة السادسة، وكان دائما مميزا في قيادته للمعارك نحو النصر، فلفت انتباه قادة الجيش الجزائري والفرنسي معا.
أهم معركة شارك فيها وألحق بالعدو الفرنسي خسائر فادحة، تلك المعروفة بالبسباسة، أين أصيب فيها واعتقد الجميع أن الرائد “سليماني سليمان” الذي كان محل بحث وترصد آنذاك من طرف جيش فرنسا وعملائها، أمثال “حركة بلونيس”، قد انتهى إلى الأبد لكن مشيئة الله كانت أكبر وعاد الرائد “سليمان الأكحل” من جديد إلى جو المعارك، وكانت لمسات هذا الرجل في الدفاع عن الجزائر واضحة وملموسة من خلال الفيلق الذي قاده نحو الحدود المغربية إثر أزمة الحدود.
الحنكة العسكرية والقدرة الفائقة في إدارة المعارك
حياة ومسيرة “سليمان الأكحل” كانت حاسمة في تاريخ الجزائر، ويذكر شهود عيان أن الرائد “سليماني سليمان” استطاع لوحده وبفضل قوة قراراته ومكانته وكلمته المسموعة آنذاك. وفي هذا الصدد، يقول الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين “مخلط مختار”، أن تاريخ الولاية السادسة، يشهد للرائد “سليماني سليمان” بالحنكة العسكرية وبقدرته الفائقة في إدارة المعارك ضد قوات العدو الفرنسي وبقهره لأتباع الخائن “بلونيس” بالمنطقة الثانية، فالرجل لم تنقطع معاركه منذ 1956 بالمنطقة، ونذكر منها كشواهد للتاريخ، منها كمين “ضاية الفرس” في 25 جانفي 1957، ومعركة “بودنزير” في 29 مارس 1958، ومعركة “جبل مناعة” في 9 جويلية 1958، ومعركة “قلتة الرمال” في 1 أوت 1958، ومعركة “وجه الباطن” الأولى والثانية في 9 مارس 1959، ومعركة “البسباسة” في 21 جانفي 1960 وعملية مركز “بومهيدي” في نفس الشهر عام 1962.
كمين “وادي حمدي” قرب سيدي عامر
من بين العمليات الحربية التي شارك فيها الرائد “سليماني سليمان” خلال الأشهر الأولى، عملية جدر قرب عين المالح ودرمل قرب الهامل بولاية المسيلة، وبعد ذلك انتقل سليماني إلى الصحراء هذه المنطقة التي كانت تحت قيادة الشهيد “عاشور زيان”، وكان ضمن كتيبته الشهيد بن الحاج، وفي أكتوبر من عام 1956 شارك المجاهد “سليماني سليمان” في كمين “وادي الحمدي” قرب سيدي عامر وتمكن في هذه العملية من الإطاحة بفرقة عسكرية كاملة، وقام بأسر ملازمها الأول الفرنسي رفقة جنوده الفرنسيين وغنم أسلحتها.
في شهر جانفي من عام 1957 بخنق قروز قرب عين غراب ومع نفس الفرقة، نصب كمينا للجيش الفرنسي وغنم يومها جيش التحرير رشاشا من نوع فامبار وفي فيفري من عام 1957، وبالمكان المسمى “ضاية الفرس” قرب أمجدل قامت نفس الفرقة العسكرية التي يترأسها “بن الحاج” بكمين، تم القضاء يومها على فرقة كاملة تابعة للجيش الفرنسي وغنمت أسلحتها المتنوعة.
معركة “فايجة بحرارة” قرب مدينة الجلفة
في يوم 25 ديسمبر من عام 1958 بالمكان المسمى “فايجة بحرارة” قرب مدينة الجلفة، قاد المجاهد “سليماني سليمان” معركة شرسة ضد الجيش الفرنسي، وفي 5 مارس من عام 1959 نصب الشهيد “أحمد زرزي” قائد كومندو المنطقة الثانية كمينا لفرقة الجيش الفرنسي كانت متجهة إلى مدينة بوسعادة للقيام باستعراض بمناسبة زيارة الجنرال ماسيو للمدينة، فأبيدت عن أخرها باستثناء 6 من جنودها لاذوا بالفرار، فقرر الجنرال “ماسيو” الانتقام لجنوده وتوجه يوم 7 مارس من نفس السنة إلى جبل وجه الباطن قرب أمجدل، فكانت في استقباله الكتيبة الأولى.
وفي هذه المعركة والتي بدأت مع طلوع الفجر ودامت حتى غروب الشمس من نفس اليوم، وكانت خسائر العدو فادحة، حيث شارك فيها حسب المجاهد زروال بلقاسم حوالي 190 جندي من الولاية السادسة وكتيبة كومندو من الولاية الرابعة بـ 120 جنديا من الولاية الرابعة
معركة “قعيقع”… “البسباسة”…
قاد هذه المعركة الرائد “سليماني سليمان” بكل بسالة وحنكة، رفقة نائبه “بلقاسم قرادة” في 21 جانفي 1960، حيث بلغ عدد المجاهدين 150 مجاهد بأسلحة فردية، أما قوات العدو الضخمة فقد فاق عددها 5000 جندي مدججة بالطائرات ومدافع وأسلحة فردية، حيث تم استعمال النابلم فيها. وما ميز يوم المعركة مثلما أشار إليه “بلقاسم زروال” في كتابه “فرسان في الخطوط الأولى”، سقوط ثلوج كثيفة وبالرغم من الفارق الموجود، إلا أن رفقاء الرائد “سليماني سليمان” قاوموا بكل بسالة وقتلوا عدد كبير من جنود فرنسا وأسقطوا طائرة، وتم حرق مجموعة من الشاحنات. وفي أواخر سنة 1960 حضر معركة “النسافة” بأولاد سليمان مع العقيد “محمد شعباني” ودامت هذه المعركة يوما كاملا، وفي شهر جانفي 1962، زحف المجاهد “سليماني سليمان” على رأس كتيبة على مركز بومهدي قرب أمجدل وقضى على كثير من الحركة وغنم أسلحتهم.
الرائد “سليماني سليمان” في سطور
ولد الرائد “سليماني سليمان” بن “الدين” بن “سليمان” و”أم الخير بنت الدين حيمور” عام 1931 بالبيوض دائرة المشرية ولاية النعامة، وتربى وسط عائلة بدوية بسيطة كمعظم أبطال الثورة التحريرية، وحين بلوغه سن التجنيد التحق بصفوف الجيش الفرنسي، حيث اكتسب الخبرة القتالية أثناء الحرب الفرنسية بالهند الصينية، وبعد رجوعه إلى الجزائر عام 1956 كانت الثورة قد بدأت في الانتشار بكامل التراث الوطني، فقرر الفرار من مركز الجيش الفرنسي بوادي الشعير دائرة سرور وولاية المسيلة رفقة الشهداء “رويني السعيدي” و”عسوس”، محملين بأسلحتهم متجهين إلى جبل الميمونة بوادي الشعير، حيث كان جيش التحرير متمركزا هناك فاستقبلهم مسؤول الناحية الثالثة لولاية أوراس النمامشة الشهيد “الحسين بن عبد الباقي” وكان ذلك عام 1956.
قاد الرائد “سليماني سليمان” العشرات من المعارك الحاسمة والساخنة، وكان يعرف جيدا كيف يخرج منها منتصرا ويحقق النصر، وتبقى معركة “الثلجة” التي وقعت بتاريخ 21 ديسمبر 1960 بمنطقة البسباسة بولاية الجلفة راسخة في الأذهان، أين جرح الرائد سليمان الأكحل بجروح بليغة بعد إصابته بشظايا قنبلة بظهره وتم نقله إلى مستشفى “بن سرور” بولاية المسيلة، أين استقبله وعالجه طبيب الولاية السادسة “محمد الشريف خير الدين”، ليعود بعد تماثله للشفاء إلى أرض المعارك.
أهم المسؤوليات التي تقلدها:
– قائد الكتيبة الأولى من عام 1957 إلى 1958
– مسؤول الناحية الأولى من 58 إلى 1959
– ضابط أول عسكري ومسؤول المنطقة بالنيابة من عام 1959 إلى 1961.
– عين بعد الاستقلال على رأس فيلق عسكري إثر أزمة الحدود مع المملكة المغربية.
– عين قائد للقطاع العسكري لولاية المدية ثم القطاع العسكري لولاية الشلف.
– أحيل بعدها على التقاعد وفي 28 ديسمبر 1980 توفي إثر حادث مرور ببلدية عين الذهب ولاية تيارت.
تزوج الرائد 4 زوجات الأولى من الأغواط والثانية من بوسعادة والثالثة من الجلفة والرابعة من وهران وأنجب منهن 07 ذكور و10 بنات.