
تتواصل ردود الفعل الداخلية والخارجية بعد إصدار الرئيس التونسي قيس سعيّد أمرا يقضي بإعفاء 57 قاضيا من مهامه، باعتباره محاولة لإنهاء استقلالية السلطة القضائية وتطويع القضاة واستكمالًا لتفرّد سعيّد بالحكم وإحكام قبضته على مختلف مرافق البلاد.
وفيما عقدت جمعية القضاة التونسيين اجتماعًا طارئًا وأعلنت الإضراب لمدة أسبوع قابل للتجديد والدخول في اعتصامات مفتوحة، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل أنّه لن يقف مكتوف الأيدي إزاء ما تعرض له القضاة.
من جهتها، أكدت جبهة الخلاص الوطني المعارضة التصعيد في مواجهة مشروع سعيّد، حتى إسقاط ما وصفته بـ”الانقلاب”، مشددة على وجوب استعادة “الديمقراطية التونسية”.
إما مع الانقلاب وإما ضد الانقلاب
وفي تصريحات جديدة أدلى بها خلال اجتماع عام، تعهد رئيس الهيئة التنفيذية لجبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي بالعمل على إسقاط مشروع الاستفتاء الذي يدعو الرئيس قيس سعيّد إليه.
وطالب الشابي، بتشكيل حكومة إنقاذ وطني في البلاد، معتبرا أن شروط إقامتها مكتملة الآن، ونافيا أن تكون مشروع فتنة كما يروّج البعض، وتحدّث رئيس جبهة الخلاص الوطني عن خطين في تونس لا ثالث لهما، فإما مع الانقلاب وإما ضد الانقلاب، وقال سنعمل مع كل الأطياف وفي كل المدن التونسية حتى إسقاط الانقلاب في البلاد.
وأكدت الجبهة، أن الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد كلها باطلة استنادًا للدستور والإرادة الشعبية، وإذ أشارت إلى أن المجاعة تدق أبواب التونسيين، حذرت من أن سلطة الانقلاب تمارس سياسة انعزالية مرفوضة من القوى الوطنية، على حد وصفها.
وجزمت الجبهة، أنها لن تتوقف ولن تتراجع ولن تفاوض حتى استعادة الديمقراطية التونسية، على حد وصف قادتها.
قيس سعيّد تجاوز كل الضوابط
ويرى الأكاديمي والكاتب السياسي مراد اليعقوبي، أن ما قام به سعيّد بحق القضاة يُعتبر استكمالا لسياسته في السيطرة على مختلف السلطات، متجاوزا الدستور رغم ادعائه بالالتزام به.
ويشير، إلى أن سعيّد تجاوز كل الضوابط القانونية وحتى المنطقية، لأنه يقول إنه لا يمكن أن يتم الاعتراض على قراراته أو التعقيب عليها، ويلفت إلى أن غياب أي تغطية قانونية أو إجرائية أو دستورية أصبح أمرًا واضحًا، كاشفًا أنّ أنصار سعيّد نفسه يقرّون بذلك، ولو أنّهم يعتبرون أنّه لا بدّ من إجراءات من هذا النوع.
ويشدد اليعقوبي، على أن سعيد نجح في جعل العديد من الهياكل القضائية تتوحّد كما لم تفعل في السابق، حيث تجاوزت خلافاتها السابقة، رفضًا لـ”تطويع” القضاة والجسم القضائي ككلّ.
ويؤكد، أن من بين القضاة الذين عزلهم الرئيس سعيّد شخصيات معروفة بحرصها على استقلال القضاء والتزامها بالقانون، ولها نوع من المكانة بين المثقفين والسياسيين، وحتى بين عامة الناس.
قضاة تونس يتصدّون لـ“الفضيحة والمذبحة“
أعلن القضاة في تونس الدخول في إضراب واعتصام مفتوح، ابتداء من الإثنين المقبل ولأسبوع كامل قابل للتجديد احتجاجًا على قرار الرئيس قيس سعيّد بعزل عشرات القضاة.
وصرح رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي إثر انعقاد المجلس الوطني للجمعية بشكل طارئ، أول أمس، إن الأمر الرئاسي المتعلّق بإعفاء 57 قاضيًا هو فضيحة تاريخية ومذبحة في حق القضاة.
في غضون ذلك، انطلق “حوار” الرئيس قيس سعيّد بمن حضر، وسط مقاطعة واسعة من ألوان الطيف السياسي والمدني في تونس.
وبحسب المصادر، فإن أغلب الملفات الخلافية بين الرئيس ومعارضيه فُتِحت على مواجهة شاملة، وينقل عن الكثير من المتابعين قولهم إنّ الرئيس يستخدم أجهزة الدولة الناعمة منها والخشنة لتحقيق مشروعه، بينما يلجأ معارضوه إلى الشارع للتصدّي له، ما يجعل من المدة الزمنية المتبقية حتى موعد الاستفتاء منعرجًا مهمًّا في مسار الأحداث.
حضور صوري لـ“حوار الرئيس“
ويشير المصدر، إلى أن صدى الغائبين عن “حوار الرئيس” كان أكثر جلبة من أصوات المشاركين، وينقل عن بعض من حضروا الحوار أنّ وجودهم لن يكون صوريًا، وسيتقدّمون بمقترحاتهم للجنة لإقراء مخرجاتها.
وفي هذا السياق، ينفي رئيس حزب تونس إلى الأمام سرحان الناصري، وجود مشروع جاهز، مضيفا كانت لي لقاءات قبل الحوار، ولم نرَ شيئًا جاهزًا، بل هنالك طلب لتقديم المقترحات ووضع النقاط التي ستكون في صلب أعمال اللجنة الاستشارية ولجنة الحوار الوطني.
المعارضة تصعّد الموقف في وجه سعيّد
وعلى ضفة المعارضة، قررت 5 أحزاب تونسية تصعيد معارضتها للرئيس من خلال تحرك نظّموه أمام هيئة الانتخابات التي عيّنها الرئيس سعيّد مؤخرًا، وقمعته قوات الأمن.
وينقل المصدر عن المتظاهرين، قولهم إن الهيئة جاءت لتزكية مشروع الرئيس سعيّد، مؤكدين نية السلطة تزوير الاستفتاء والاستحقاقات المقبلة.
ويوضح الأمين العام لحزب التكتل خليل الزاوية، أن هذه الهيئة مبوّبة لتزييف الانتخابات، مشيرًا إلى أن القيّمين عليها يقولون إن الإجابة على كل الاستفتاءات تكون بطبيعة الحال بنعم.
تونس ستدخل في أزمة جديدة
من جهته، يعتبر الكاتب الصحافي سعيد الزواري أن ما يصفه بالاستفاقة للجسم القضائي، بعد صدور مرسوم عزل عشرات القضاة، هي هبّة جماعية من أجل الحفاظ على سلك القضاء، ورفضًا لتطويعه من جانب الرئيس قيس سعيّد.
ويشير، إلى أن المرسوم الأخير ليس الأول من نوعه، إذ سبق للرئيس قيس سعيّد أن اتخذ خطوات عدّة في حق الجهاز القضائي، على غرار تجميد المجلس الأعلى ومن ثم حله، فضلًا عن تصريحاته التي كانت تصنَّف معادية للقضاء، إلا أن الزواري يعتبر أن قراراته الأخيرة هي الأخطر، وهو ما يدفع القضاة إلى التحرك، لافتًا إلى أن كل المؤشرات تدل على أنّ قائمة القضاة الذين عزلهم الرئيس لن تكون الأخيرة، كما أن هناك من يعتقد بأن الرئيس يريد تمرير بعض القرارات في الفترة الأخيرة، ويريد أن يكون القضاة الباقون ممن يرضخون لقراراته.