الــجــامــعــة

المنيعة تُنقّب في ذاكرة الرمل والحجر:

ملتقى وطني يُعيد رسم ملامح المدينة عبر التاريخ

باحثون ومؤرخون يُعيدون قراءة الإرث المادي والرمزي للجنوب الجزائري الأصيل، في ملتقى “تاريخ وتراث المنيعة عبر العصور” قلب الصحراء الجزائرية، حيث يلتقي عبق التاريخ بأنفاس الحاضر.

 

حيث شهدت ولاية المنيعة صباح يوم الأربعاء الماضي، انطلاق فعاليات الملتقى الوطني حول “تاريخ وتراث مدينة المنيعة عبر العصور”، الذي ينظمه المتحف العمومي الوطني بالمنيعة بالتنسيق مع جامعة تمنراست، في قاعة المحاضرات بالمجلس الشعبي الولائي. ملتقى حضوري وعن بُعد، يُؤسّس لمسار بحثي جديد يستمر ليومين، ويهدف إلى إعادة قراءة هوية المدينة بوصفها ذاكرة حية تختزن روح الجنوب الجزائري الأصيل.

 

الذاكرة الوطنية في خطاب التنمية الثقافية

أشرف والي الولاية، السيد ” مختار بن مالك” على الافتتاح الرسمي للملتقى، إلى جانب رئيس المجلس الشعبي الولائي، السيد “معاد جبريط”، ومديرة المتحف العمومي الوطني، السيدة “أم الخير هامل”، ومدير الثقافة والفنون، السيد “ياسين العابد”، وحضور ممثلين عن الأسرة الثورية، الأجهزة الأمنية الدرك الوطني، الشرطة، الحماية المدينة، المدراء التنفيذيين، الأسرة الإعلامية والمجتمع المدني، إضافة إلى باحثين وأساتذة جامعيين.

في كلمته، شدد السيد الوالي على أن “تاريخ المنيعة ليس مجرد سرد لأحداث ماضية، بل هو ذاكرة مقاومة وصمود تمثل الامتداد الطبيعي للهوية الوطنية في بعدها الصحراوي الأصيل”، مؤكدا أن الحفاظ على هذا الإرث مسؤولية جماعية تتقاطع فيها المعرفة بالانتماء.

 

جلسات علمية تعيد قراءة المكان والزمان

ترأس الأستاذ الدكتور “عبد الجليل ملاخ” أولى الجلسات العلمية، التي جمعت باحثين من جامعات الجزائر، تمنراست، غرداية، بسكرة وأدرار. وقد تنوعت المداخلات بين قراءة في التحولات الثقافية لعصور ما قبل التاريخ  واستعراض  الشواهد الأثرية التي تثبت استقرار الإنسان بالمنطقة، وصولا إلى دراسة العمارة القصرية في قصر القليعة  كرمز للهندسة المحلية الأصيلة، ودور المرأة المنيعية  في الحفاظ على الهوية ونقل القيم التراثية، إلى جانب التراث الجهادي للمدينة، من خلال سيرة المجاهد “حمة بلحاج” ومشاركته في معارك التحرير.

كما طرحت مداخلات أكاديمية أخرى للدكتور “نواصر عبد الرحمان” والدكتورة “وابل بختة” من جامعة تمنراست، حول إشكالية كتابة التاريخ المحلي، من خلال تحليل مقاربات الرحالة والمستكشفين الغربيين الذين وثّقوا للجنوب الجزائري بمنظورات مختلفة، داعين إلى مقاربة وطنية علمية تُنصف الذاكرة المحلية وتستعيد أصالتها.

 

نحو تثمين التراث وبناء “سياحة الذاكرة

أما اليوم الثاني من الملتقى، فخصص لمناقشة سُبل تثمين التراث الثقافي وربطه بالتنمية المحلية، مع التركيز على دور المتحف العمومي الوطني بالمنيعة في توثيق الذاكرة الجماعية والهوية الثورية، ومساهمة المرأة المنيعية المجاهدة “فاطنة مصاطفي” في الكفاح التحريري. كما استعرض تجارب حول رقمنة التراث وتوظيف التكنولوجيا في الترويج للمدينة، كوجهة ثقافية وسياحية فريدة.

في ختام المداولات، أكد مدير الثقافة والفنون، أن هذا الملتقى يمثل “بداية جديدة لتفعيل البحث العلمي وبناء شراكة مؤسساتية تجعل من المنيعة قطبا ثقافيا وطنيا يعكس عمق الجزائر وتنوعها الحضاري”.

 

توصيات تؤسس لمستقبل الذاكرة

من المنتظر، أن تُختتم الأشغال بعدد من التوصيات الجوهرية، أبرزها: إنشاء مركز بحث دائم حول تاريخ وتراث المنيعة – إدراج المدينة ضمن المسارات السياحية التاريخية الوطنية وإطلاق برامج رقمية لتوثيق المخطوطات والمعمار القصري.

هكذا، تُثبت المنيعة مرة أخرى، أن التاريخ ليس ماضيا يُروى فحسب، بل مشروع وطني يُبنى، ومن رمالها التي تحفظ آثار القوافل القديمة، تنبع اليوم قوافل علمية جديدة، تُدون فصلا آخر من فصول الجزائر العميقة.

الهوصاوي لحسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى