تكنولوجيا

الملخصات الألية في محرك البحث تهدد مستقبل الصحافة الرقمية

وتثير خاصية الملخصات الألية التي يقدمها محرك البحث غوغل الشهير جدلًا متزايدًا في أوساط النشر الإلكتروني. حيث بدأت الكثير من المواقع الإخبارية تشعر بتراجع ملموس في عدد زوارها اليوميين. بعدما أصبح المتصفحون يحصلون على المعلومات الأساسية دون الحاجة للنقر على الروابط أو تصفح المقالات الكاملة. وهي ظاهرة دفعت عددا من الخبراء إلى التحذير من آثارها السلبية على الإعلام الرقمي المستقل.


 

في دراسة حديثة أجراها مركز بحثي معروف. تبين أن ظهور هذه الملخصات الذكية في صدارة نتائج البحث يؤدي إلى انخفاض التفاعل مع باقي النتائج بشكل ملحوظ. إذ كشف التقرير أن نسبة الضغط على الروابط تراجعت إلى ما يقارب النصف. وهو ما يعني تقليص الفرص أمام الناشرين للوصول إلى جماهيرهم عبر محركات البحث. التي كانت في السابق مصدرًا رئيسيًا للترويج للمحتوى الرقمي.

 

تراجع في النقرات وانسحاب مبكر من التصفح

وفقا لما ورد في تفاصيل الدراسة التي نشرت مؤخرًا. فإن المتصفحين الذين عرضت لهم هذه الملخصات الذكية ضغطوا على روابط المواقع بنسبة لم تتجاوز ثمانية بالمئة. مقارنة بنسبة بلغت 15 بالمئة لدى أولئك الذين لم تظهر لهم هذه الميزة. الأمر الذي يعكس تحولًا في سلوك المستخدم يعتمد بشكل متزايد على المعلومة المختصرة السريعة دون التحقق من مصادرها الأصلية.

وأظهرت الدراسة أيضًا أن المستخدمين يميلون إلى إنهاء جلسات التصفح بمجرد قراءة هذه الملخصات. حيث ارتفعت نسبة الانسحاب من الصفحة إلى 26 بالمئة. مقابل 16 بالمئة فقط في الصفحات التي لم تتضمن تلك التلخيصات. وهو ما يشير إلى أن كثيرًا من المتصفحين لم يعودوا يشعرون بالحاجة إلى الغوص في التفاصيل أو الاطلاع على التحليلات المتعمقة التي تقدمها المقالات الصحفية.

واللافت في الدراسة أن نسبة ضئيلة جدًا. لا تتعدى واحدًا بالمئة. من المستخدمين الذين ظهر لهم ملخص من هذه الفئة. قاموا بالنقر على الرابط الذي كان مذكورًا ضمن التلخيص. مما يعني أن الأثر التجاري والإعلامي لهذا التوجه قد يكون كارثيًا على المدى البعيد.

 

الصحافة المستقلة في مهب التلخيصات الآلية

في ظل هذا الواقع الجديد، بدأت المواقع الإخبارية الكبرى تسجّل تراجعًا كبيرًا في أعداد الزائرين القادمين من محركات البحث. وهو ما أكّدته بيانات رقمية موثوقة أشارت إلى انخفاض في الزيارات لمؤسسات إعلامية مرموقة. كانت تعتمد سابقًا على الحضور القوي في نتائج البحث لتثبيت موقعها المهني وضمان استمرارية دخلها الإعلاني.

ويبدو أن التأثير لم يقتصر على المؤسسات الكبرى فقط. بل امتد إلى منصات إعلامية ناشئة وصغيرة، اضطرت إحداها إلى إغلاق أبوابها نهائيًا. بينما لجأت أخرى إلى تغيير نموذجها بالكامل في التوزيع وتقديم المحتوى. محاولة بذلك تفادي تبعات هذه الظاهرة التقنية التي أثرت سلبًا على مستوى الوصول الرقمي والتفاعل مع النصوص الصحفية الكاملة.

من جهتها، تنفي الشركة المطورة لهذه الميزة أي مسؤولية عن هذا التراجع، مؤكدة أن النتائج ليست دالة بما فيه الكفاية. وأن الانخفاضات في عدد الزيارات قد تعود إلى عوامل متعددة لا يمكن حصرها في خاصية واحدة فقط. لكنها لم تقدم أدلة واضحة لدحض ما جاء في الدراسات المتكررة التي تشير إلى علاقة سببية واضحة بين الملخصات الذكية وتراجع الزيارات.

 

الملخصات الألية .. خطر التضليل وانحسار التحقق

وما يزيد الطين بلة أن هذه الملخصات الألية ، رغم سرعتها في عرض المعلومة. ليست دائمًا دقيقة أو موثوقة، حيث سجل في عدة حالات تقديم معلومات غير صحيحة أو مضللة. وهو ما ينذر بتعميق أزمة الثقة بالمحتوى الإلكتروني. في وقت أصبح فيه كثير من المستخدمين يكتفي بما يعرض له في واجهة البحث دون العودة إلى المصدر الأصلي للتحقق من التفاصيل أو فهم السياق الكامل.

هذا الوضع المستجد يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات عميقة تتعلق بمستقبل الصحافة الرقمية. ودورها التثقيفي في مجتمع تزداد فيه وتيرة التلقين الرقمي. على حساب التحقق والقراءة المتأنية، ويبدو أن الناشرين أمام تحدٍّ غير مسبوق في الحفاظ على جودة المحتوى من جهة. وضمان استمراريتهم في عالم يفضّل الاختصار والتلقائية على التصفح والتحليل.

قد تكون هذه المرحلة فرصة لمراجعة الأساليب التقليدية في تقديم المحتوى. وإعادة التفكير في كيفية جذب القارئ بالوسائل الحديثة. دون التفريط بقيم الصحافة الجوهرية التي بنيت على البحث والتقصي والعمق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى