
الإعلاميون غالباً عليهم أن يختاروا بين الدقةِ وبين السهولةِ وما يفهمُه الجمهورُ المستهدف، والاختيارُ بين اللغة الجزْلةِ الصحيحةِ وبين ما هو مفهومٌ عادةً يكونُ صعباً، خصوصاً في المجالاتِ المستحدثةِ والعلومِ الحديثة. ويواجهُ المتعاملونَ مع اللغة سواءً بالكتابة، الصحافة، الترجمة أو الأدب، تحدياتٍ كبيرةً خصوصاً في التعامل مع المضامين اليومية، وعبرَ مسيرتي في مجاليْ الإعلامِ والترجمةِ خاصةً تواجهُني عادةً بعضُ المواقفِ أو التعابير الخاصةِ التي تتطلبُ بحثاً ثمَّ اختياراً قلَّما يكونانِ سهليْنِ، بين ما هو صحيحٌ وفصيحٌ وبين ما هو دارجٌ بين الناس ومفهومٌ، وإن كان به عَوَرٌ أو خطأٌ لغويٌ خفيفٌ إن جاز وصفُ الخطأ بالخفة.
فالإعلاميون غالباً عليهم أن يختاروا بين الدقةِ وبين السهولةِ وما يفهمُه الجمهورُ المستهدف، والاختيارُ بين اللغة الجزْلةِ الصحيحةِ وبين ما هو مفهومٌ عادةً يكونُ صعباً، خصوصاً في المجالاتِ المستحدثةِ والعلومِ الحديثة، حيث يتم نحتُ المصطلحاتِ بشكل يكادُ يكونُ يومياً تبعاً لتطور هذه العلوم ومستجداتِها، وهذا يُحتّم علينا سرعةَ التعاطي مع النصوص المترجمَة فقد لا يُسعفنا الوقتُ لاستشارة المعاجم المتخصصة، وحتى لو أسعفنا فلن تُفيدنا فهذه المصطلحاتُ تتجدد باستمرار، وهو ما يقتضي سرعةَ اتخاذ القرار واعتماد المصطلحات خاصةً في مجال الأخبار السريعة ومواكبة الأحداث والدراسات الجديدة. ومن أهم التحديات أو العوائق:
انتشار الأمـيـة
والأُمية المعلوماتية حيث تقدر بعض الدراسات نسبة الأمية في العالم العربي بنحو 40 في المائة أضف إلى ذلك انتشار الأمية المعلوماتية.
ضعف البنية التحتية لشبكات الإنترنت
ضعف المستوى المادي لغالبية شعوبنا، وهذا يمنعها من الاستفادة والحضور في العالم الرقمي الذي يُنظرُ إليه في المستويات الاقتصاديةِ الدنيا على أنه ترفٌ فكري.
غياب دَور الجامعات ومراكز البحث
غياب دَور الجامعات ومراكز البحث في رقمنة المخطوطات مثلاً والدراسات والبحوث التي يُقام بها في هذه المؤسسات، وهذا أيضاً مرتبط بقضية الموارد وشُحِّها. إلى جانب ضعف حركة النشر وغياب شبكات التوزيع.
قضية التدقيق الآلي وشيوع الأخطاء
قضية التدقيق الآلي وشيوع الأخطاء، معظم محركات البحث عندها خوارزميات ثابتة تتعلق بشيوع الاستخدام بغض النظر عن السلامة اللغوية، فكلما كان اللفظ مستخدماً أكثر تعاملت معه على أنه هو الصحيح. تنمية المحتوى العربي الرقمي أدواتٍ معلوماتيةً أساسيةً تعتمدُ على حوسبة اللغة العربية، وتحليلها بشكل عملي دقيق، وأهم هذه الأدوات هي محركات البحث والمعاجم
غياب الموسوعات العربية الموثوقة
غياب الموسوعات العربية الموثوقة والمصادر المفتوحة أو ما يُسمى MOOCs وهو اختصار للعبارة الإنكليزية Online Courses Massive Open وهي مواقع متخصصة في كل فرع من العلوم، وفيها معلومات موثَّقة، وغياب هذه الموسوعات يزيد الفجوة المعرفية ويُتيح المجال لانتشار المعلومات المغلوطة. هذه التحدياتُ أو العقباتُ أثّرت بشكل كبير على المحتوى الرقمي العربي الذي لا يتماشى ولا يُناسب قيمةَ وأهميةَ هذه اللغة الجميلة ولا إشعاعَها الثقافيَّ التاريخي كلغة أولى للعلوم والمعارف، حيث يُقدرُ حجمُ المحتوى العربيِّ الرقميِّ المنشورِ على صفحاتِ شبكة الإنترنت وعلى مختلف الوسائط الإلكترونية حسبَ تقديراتِ أكبر محركاتِ البحث العالمية مثل غوغل وياهو بأكثر قليلاً من واحد في المائة من مجمل المحتوى الرقمي العالمي وكان قبل سنوات قليلة لا يتجاوز 0.3 في المائة وهذه النسبة طبعًا دون المستوى المقبول ولا ترقى لمكانة هذه اللغة. وتنمية المحتوى العربي الرقمي تتطلب حسب (Escwa) اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي سيا:2003) أدواتٍ معلوماتيةً أساسيةً تعتمدُ على حوسبة اللغة العربية، وتحليلها بشكل عملي دقيق، وأهم هذه الأدوات هي محركات البحث والمعاجم.
وما يوجد حاليًا لا يلبي الاحتياجات، ولا يرقى إلى مستوى الأدواتِ المُماثلةِ في لغات أخرى، وخاصة الإنجليزية فنحن بحاجة إلى بحوث في كيفية تصميم وصناعة المعاجم لتوليد المصطلحات وتوحيدها؛ إضافة إلى حوسبة اللغة العربية. وتواجه لغتنا الكثير من المشاكل المعجمية، رغم الجهود الكبيرة التي قامت وتقوم بها مجامع اللغة في عدة أقطار عربية، ومن هذه المشاكل أن أغلب معاجم اللغة العربية هي معاجم تاريخية أو مرتبطة بتاريخ معين وغالبا تنتهي عند عصر الاستشهاد، وذلك لأن واضعي هذه المعاجم كانوا في خلفيتهم يضعونها للحفاظ على لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، وهو لا شك هدفٌ نبيل وفي غاية الأهمية، لكنه من ناحية أخرى قصرَ اللغةَ على تلك العصور، وكأنَّها ماتت هناك، ولن يتطور الإنسان وتُستجدّ له مسائلُ وأشياء تتطلب كلمات وتعابير جديدةً للتعبير عنها ولا مخترعات جديد كالسيارة مثلا وغيرها.
فالدارس للغتنا لديه معاجمُ ضخمة جداً مثلا أكبر معجم ربما (تاج العروس) يقع في 40 جزءاً وكل جزء حوالي 500 صفحةٍ إن لم تخني الذاكرة، لكن هذه المعاجم الضخمة لن تُفيده كثيراً في دراسته للعلوم الحديثة ولا حتى في متابعة الإعلام ولا في لغتنا المتحدَّثة في الشارع.
عدم مسايرتنا للتطورات
الفجوة الكبيرة بيننا وبين العالم المتقدم في العلوم الحديثة، وعدم مسايرتنا لتطوراته وما يُصاحبها من مصطلحات وتعابير.
الثراء الكبير في المفردات
الثراء الكبير في المفردات ما يجعل البحث صعباً خصوصا على غير العرب، من الدارسين والمهتمين، فمثلا إذا كنتُ أبحثُ عن كلمة (عارضة) عليَّ أن أقرأ حوالي خمسين صفحةً هي مادة (ع ر ض) في قاموسٍ مثل (تاج العروس)، وحتى بعد هذا الجهد الجهيد، لن يُفيدني هذا في معناها الحديث عارضة المرمى في كرة القدم! وقس على هذا.
اختلاف طبيعة اللغة العربية
اختلاف طبيعة اللغة العربية عن أغلب اللغات الأجنبية، من حيث كتابتها من اليمين إلى اليسار، ومن حيث اعتمادها على (الجذر) بدل التسلسل الأبجدي. ومن قضايا وإشكاليات الرقمنة التي تواجه اللغة العربية وتعوق إثراء المحتوى الرقمي العربي على الإنترنت إشكاليات الترجمة وتعريب المصطلحات ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي مجال الترجمة لا بد من التأكيد على أهمية التنسيق بين مختلف المجامع اللغوية واتخاذ قرار بتوحيد ترجمات الكلمات الأجنبية. كما أنه من ناحية تقنية، على مترجمينا الابتعاد عن الحرفية والارتباط باللغة المنقول عنها، فلننحت مصطلحاتنا من لغتنا وخلفياتنا الثقافية والحضارية، ولا نكن مرآةً للغات الأخرى واستنساخا لها.