
حاوره سلطاني مختار
تزامنا مع الاحتفال بذكرى أول نوفمبر، التقينا بالكاتب “رميل الحبيب” من منطقة الثوار الحشم التابعة إقليميا لولاية معسكر، الذي عايش الثورة في صباه وشهد أحداث أنداك، خط بقلمه مشاهد من واقع الثورة بصيغة أخرى بين أمل الرحلة في طيات الاضطهاد ومرارة النهاية للأحداث.
كتاباته ليست مجرد حكاية، ولكن واقع معاش وهي لوحة تنبض بالحياة وتكشف النقاب عن ماسي مخفية خلف الستار، وتسلط الضوء على مجاهدين عانوا ويلات الاستعمار، حيث حولت الأحلام إلى صرخات يختلط فيها الأمل بالخوف من مصير غير منتظر وكان لنا معه هذا الحوار.
في بداية الحديث، هلا عرفتنا بنفسك للقراء.
مواطن جزائري فخور بوطني، منحدر من بلدية الحشم المنطقة المعروفة بالشهداء والتي كانت ممرا للمجاهدين للعبور والتوجه نحو غابة التمكسي بوادي الأبطال، من مواليد 1949 عندما اندلعت الثورة التحريرية، كان عمري 05 سنوات ويوم الاستقلال 13 سنة، ترعرعت في الثورة من عائلة ثورية وكل المشاهد التي عشتها دونتها في كتب مختلفة، وكتب أخرى ما زالت لم تطبع متقاعد كنت أستاذا في العلوم الطبيعية حتى 1981، وبعدها في 1982 التحقت بجامعة مستغانم تخصص بيولوجيا، بعدها أستاذ بيولوجيا بثانوية مكيوي المأمون بمعسكر حتى 1991، والتجأت إلى عالم المقاولات وبعدها تفرغت للكتابة.
متى بدأت الكتابة؟
بدأت الكتابة منذ الصغر، يعني منذ أيام الثانوية بجمال الدين الأفغاني من 1965 إلى 1971، عشت بطش المستعمر الفرنسي في منطقتي وأنا صغير، وتأثرت كثيرا عندها جاءت في تخيلاتي تلك العنصرية، وفكرت عندها بتدوينها في كتب لتبقى ذكرى لمن يأتي بعدي.
ما هي أهم المؤلفات التي كتبتها وهي الآن صادرة في المكتبات؟
ذاكرتي الموشومة بأحداث عنف وقصص وحكايات كثيرة أستحضرها في عدة عناوين، وتشكل شهادة مؤثرة على أهوال تلك الفترة الأخيرة من حرب الجزائر من بينها الصفعة وأبناء الأمس، وحرب وغرغانة والامتحان القاتل وصرخة في الليل، والتي تمت كتابتها باللغة الفرنسية.
أما كتاب “الصفعة” الذي يعتبر قصة قصيرة تروي أحداثها عن المجاهدين والحركي، بحيث هذا الأخير استغل طفل بالشكولاتة ليدله على مكان اختباء المجاهدين، لكن الولد نصحته جدته، وقالت له لو تكلمت سينزع المجاهدون أسنانك مما أثار غضب الحركي وصفعه، لكنه صرخ بعد خروج الجندي، حاولوا الانتقام من الحركي. أما الأسباب فنقرؤها في أماكن متفرقة من الكتاب، كتصرف الفرنسيين ومعاملتهم للشعب باحتقار وعنصرية، وبالتالي رفضهم التعايش معهم والاختلاط بهم على رغم التضحيات الكبيرة.
أما الكتاب الثاني فعنوانه “أبناء الأمس” يحكي قصة 03 أولاد، تلاميذ في مدرسة وفي جو الحرب كانت تصرفاتهم لا تجلب الانتباه للمستعمر، ووالدهم كان مجاهدا وأمهم شريفة تعمل كمنظفة بالمدرسة وأختها زوجها “حركي”، ذات يوم طلب من المنظفة الزواج وقرر الطفل إخبار والده الذي كان في الجبل، وبعدها بعد غياب طويل وجدوه في مقام الولي “سيدي عبد القادر” وأخبروه بأنهم قتلوا “الحركي”، وحملوا السلاح للمجاهدين ويوم 14 جويلية وقع انقلاب، أين قتل رئيس البلدية الفرنسي والسلاح هو الذي استعمل في قتله.
بالنسبة لكتاب “حرب وغرغانة”، تدور قصته حول أحداث الحرب الممتدة من 1957 إلى 1958، حيث حاول المجاهدين اختبارهم واستعملوا جميع الحيل للوصول للأخبار الصحيحة عن الاستعمار وأعماله ومخططاته، لكن جُهد في هذا النص لا يقتصر على عرض حقائق تاريخية مأساوية اختبرها وأنا صغير في منطقتي، بل أتوقف أيضا بشعرية مؤثرة عند تلك اللحظات الأخرى الجميلة التي عشتها قبل الحرب، كحياتي في “الحوش”، “بيت العائلة المفتوح” وتسكعي في البساتين. تتمتع كتاباتي بقوة استعادية مدهشة للتاريخ ناتجة عن تصويري لتلك المرحلة السوداء من تاريخ المنطقة بصفة خاصة، وتاريخ الجزائر بصفة عامة من أقرب مسافة ممكنة، وعن جهدي التوثيقي الكبير وعملية حبكي البارعة والدقيقة لمعطيات غزيرة تمنح كتاباتي كل كثافتي الملموسة وعمقي التاريخي، وتجعلني قادرا على الإمساك بخصوصيات حرب التحرير بالجزائر وأحداثها المفجعة بفعالية كبيرة.
بما أنك عشت فترة الاستعمار والاستقلال، ما هو قولك عن الشعب الجزائري؟
الظروف التي عشتها في تلك الفترة جعلتني أعبر عن مكبوتات في كتب يقرؤها الجيل، ويعرف مدى قيمة هذا التاريخ. إذن “فخامة شعب الجزائر.. مدرسة العظمة”، فقد صنع الشعب الجزائري نموذجا ملهما في القرن الـ20 عبر الثورة التحريرية المجيدة في الفاتح من نوفمبر من سنة 1954، تلك الملحمة التاريخية التي غيرت مجرى العالم الإنساني بإسقاط فرنسا أكبر قوة إمبريالية في القرن الـ20، وإعادتها لحجمها الجغرافي المحدود رغم بقاء نفوذها الجيوسياسية في المنطقة، ثورة عظيمة بقدر عظمة شعب أظهر للعالم أجمع ما يمكن أن يقوم به شعب لاستعادة الوطن المسلوب من المستدمر. شعب رسم دربا للعظمة بدماء الشهداء وعبده بأشلاء المليون ونصف المليون شهيد، شعب كتب تاريخا جديدا بتضحياته الجسيمة وروحه القويمة وأهدافه العظيمة، فكان بحق القدوة للشعوب المضطهدة القابعة تحت وطأة المستدمر، لاسيما عندما شق الشعب الجزائري طريقه نحو الاستقلال بأدواته البسيطة ولكن بروحه الوطنية ووعيه الثوري المجيد جاعلا أعظم قوة إمبريالية في القرن الـ20 تركع وتستجيب لمطلب الشعب، مخلدا تلك الصورة البهية في التاريخ البشري عبر قانون بشري ذهبي مفاده بطل واحد، هو الشعب.
هل الكتب التي طبعتها كان لها صدى في أوساط القراء؟
صراحة أنا لم أكتب وأطبع للشهرة، ولكن هي هواية جعلتني أنشغل في عالم الكتابة للراحة النفسية من جهة والتعبير عما بداخلي. من جهة أخرى، لقد قمت بطبع عدة كتب منها “الصفعة” “أبناء الأمس” “حرب وغرغانة” “الامتحان القاتل” “صرخة في الليل”، وهي الآن موجودة في مختلف المكتبات العمومية للمطالعة والجامعات وحتى وزارة الثقافة والفنون ساعدتني لطبع كتاب “صرخات في الليل”، كما شاركت بها في معرض الكتاب بالجزائر سنة 2022 وبمكتبة المطالعة العمومية بمعسكر والتي يشرف عليها السيد “جزيري كريم” والذي أكن له كل الشكر سنة 2022 وفي معرض الكتاب بالشلف سنة 2023 ومعرض الكتاب ببجاية. أما الكتابات المتبقية مكتوبة باللغة العربية كـ “حب الكرسي”، “الصدفة”، “بدون عنوان” و”تغيرات”، فهي جاهزة لكنها لم تطبع يعني عن قريب سترى النور وبعد مرور كل هذه السنين، لم تفقد هذه الكتابات من أهميتها كما عبر عن أمنيته بأن تترجم للغة العربية، كي تتمكن الأجيال الجديدة في الجزائر من التعرف على تفاصيل موضوعية تتعلق بفصول غير بعيدة من التاريخ.
هل من كلمة أخيرة؟
كلامي عن الثورة والاستعمار لا ينتهي حتى و لو دونت ألف كتاب، وهذا لكونها ثورة عظيمة بقدر عظمة شعب أظهر للعالم أجمع ما يمكن أن يقوم به شعب لاستعادة الوطن المسلوب من المستدمر، شعب رسم دربا للعظمة بدماء الشهداء وعبده بأشلاء المليون ونصف المليون شهيد، شعب كتب تاريخا جديدا بتضحياته الجسيمة وروحه القويمة وأهدافه العظيمة، فكان بحق القدوة للشعوب المضطهدة القابعة تحت وطأة المستدمر، لاسيما عندما شق الشعب الجزائري طريقه نحو الاستقلال بأدواته البسيطة ولكن بروحه الوطنية ووعيه الثوري المجيد جاعلا أعظم قوة إمبريالية في القرن الـ20 تركع وتستجيب لمطلب الشعب، مخلدا تلك الصورة البهية في التاريخ البشري عبر قانون بشري ذهبي مفاده “بطل واحد، الشعب”.
لم ينزل الشعب الجزائري العظيم من السماء، بل هو منحوتة جميلة نحت أركانها وتفاصيلها الإسلام وحب الوطن المغروس في المساجد والكتاتيب والمدارس وزين تلك المنحوتة موروث تجربة اجتماعية متراكمة للشعب الجزائري تحكيها الأجيال المتتالية، التجربة المريرة في مقاومة الاستعمار بشتى الوسائل السلمية. أشكر جريدة “البديل” على هذه الالتفاتة وفقني الله وإياكم لما فيه الخير للبلاد والعباد.