الحدث

رئيس الجمهورية يؤكد في القمة الثالثة لتمويل المنشآت من أجل التنمية في إفريقيا، بلواندا:

يجب الإستجابة لتطلعات الشعوب الإفريقية

أكد رئيس الجمهورية، السيد “عبد المجيد تبون”، في كلمة وُجّهت إلى المشاركين في أشغال القمة الثالثة لتمويل المنشآت من أجل التنمية في إفريقيا، المنعقدة بالعاصمة الأنغولية لواندا، قرأها نيابةً عنه رئيس مجلس الأمة، السيد “عزوز ناصري”، أن الجزائر، التي ظلت مؤمنة بوحدة المصير الإفريقي ومتمسكة بمبادئ التضامن والأخوة، تواصل التزامها الثابت بدعم مسار التنمية الشاملة في القارة، انطلاقًا من قناعتها بأن النهضة الاقتصادية الحقيقية لن تتحقق إلا من خلال إنشاء بنى تحتية متكاملة وعصرية تستجيب لتطلعات الشعوب الإفريقية وتواكب تحديات عالم متحوّل.

 

حيث نقل السيد “عزوز ناصري”، في مستهل كلمته، تحيات رئيس الجمهورية الأخوية وتقديره الكبير لأخيه فخامة الرئيس “جواو لورينسو”، رئيس جمهورية أنغولا ورئس الاتحاد الإفريقي، عرفانًا بمبادرته الكريمة في احتضان هذا الموعد القاري البارز، وبالجهود الصادقة التي يبذلها في سبيل تعزيز وحدة إفريقيا وخدمة قضاياها الحيوية. مؤكدا باسم رئيس الجمهورية، تثمين الجزائر للجهود المتميزة التي تبذلها مفوضية الاتحاد الإفريقي ووكالة “النيباد”، متمنيًا لهما التوفيق في التنظيم المحكم لهذا الحدث القاري الذي يأتي في ظرف دقيق، يعكس الإرادة المشتركة للدول الإفريقية لتعزيز التعاون وتكثيف الجهود لمواجهة التحديات التنموية الراهنة التي تشهدها القارة.

 

ضرورة الانفتاح على شراكات مبتكرة ومتعددة الأطراف

وحول المشاريع الإستراتيجية الكبرى ذات بعد قاري، أبرز رئيس الجمهورية إلى أن الجزائر بادرت بتنفيذها وحرصت كل الحرص على تعبئة الموارد المحلية والانفتاح على شراكات مبتكرة ومتعددة الأطراف، بالتعاون مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية الداعمة، مذكرا في نفس الوقت، بالتزامها عبر مختلف المراحل، القيام بدور فعال في دعم التنمية الإفريقية من خلال إطلاق وتنفيذ مشاريع واعدة تجسد قناعتها الراسخة بأن التعاون والتكامل هما السبيل الأنجع لتحقيق الرفاه المشترك.

وذكّر رئيس الجمهورية، أن من أبرز هذه المشاريع، الطريق العابر للصحراء الذي يربط الجزائر بخمس دول إفريقية، الذي سيساهم  بشكل كبير وفعال في فك العزلة عن دول الساحل وتحويل الممر إلى محور اقتصادي وتجاري حيوي، ناهيك عن ربط الجنوب الجزائري بشبكة السكك الحديدية، من منظور رؤية استراتيجية تهدف بالأساس إلى توسيع هذا الربط مع دول الجوار لدعم التكامل الإقليمي والتنمية المشتركة, وكذا الطريق الرابط بين تندوف والزويرات في موريتانيا، الممول من طرف الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، لتسهيل الربط بين شمال وغرب إفريقيا, إضافة إلى مشروع وصلة الألياف البصرية المحورية العابرة للصحراء, الذي يهدف إلى تعزيز البنية الرقمية ودعم الاقتصاد الرقمي في منطقة الساحل لمواكبة التحولات التكنولوجية  العالمية. مذكرا أيضا بمشروع أنبوب الغاز النيجيري-الجزائري عبر النيجر، الذي يمثل بدوره ركيزة استراتيجية للتعاون القاري في مجال الطاقة وتعزيز الشراكة جنوب-جنوب.

 

النهضة الاقتصادية الحقيقية لا تكتمل إلا بتعزيز البنى التحتية المتكاملة

وحول الاستثمار في البنية التحتية، أك رئيس الجمهورية أنه يمثل أحد أهم محركات النمو الاقتصادي وأبرز عوامل تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات، بما يعزز مناعة الاقتصادات الإفريقية وقدرتها على المنافسة إقليميا ودوليا، وعليه أوضح بأن هذا الاجتماع يجسد لا محالة قناعة راسخة لدى الشعوب الإفريقية بأن البنية التحتية ليست مجرد هياكل مادية وإنما بمثابة شرايين التنمية ومفاتيح التكامل الإفريقي، والركيزة الأساسية لتحقيق أهداف أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 والتنمية المستدامة على الصعيد العالمي. وعليه، دعا إلى ضرورة توفير بيئة مواتية تتيح حركة سلسة للأفراد والبضائع والخدمات، عبر شبكة مترابطة من الطرق والموانئ وخطوط السكك الحديدية والفضاءات الرقمية ومصادر الطاقة، بما يعزز الاندماج الإقليمي ويوحد الأسواق الإفريقية. وانطلاقا من إيمانه بالدور المحوري للبنية التحتية في تحقيق التكامل القاري وتعزيز السيادة الاقتصادية الإفريقية، إغتنم هذه الفرصة إلى تبني رؤية عملية واضحة تتجاوز حدود الالتزامات السياسية نحو آليات تنفيذية ملموسة، تقوم على تسريع استكمال المشاريع القارية الرئيسية المدرجة ضمن مبادرة تطوير البنية التحتية في إفريقيا، ضمن آجال زمنية محددة، مع ضمان المتابعة السياسية والفنية المستمرة من أعلى المستويات.

 

الجزائر تنفذ نحو 50 مشروعا رئيسيا للبنية التحتية

وفي سياق متصل، استطرد رئيس الجمهورية في كلمته، داعيا إلى إنشاء آلية تنسيق دائمة بين الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي والمؤسسات المالية الإقليمية، تضمن حسن تنفيذ المشاريع ذات الأولوية وتبادل الخبرات التقنية والمالية، حيث طالب بإزالة المعوقات التقنية والإجرائية والتمويلية التي تعرقل تقدم المشاريع الكبرى، واعتماد مقاربة مرنة تراعي خصوصيات كل منطقة، مع تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتعبئة الموارد الإفريقية في المقام الأول قبل اللجوء إلى التمويلات الخارجية، وتشجيع الحلول المبتكرة مثل إنشاء الصناديق السيادية الإفريقية المشتركة. مشددا في الوقت ذاته، على ضرورة إعطاء الأولوية للمشاريع ذات الأثر القاري الحقيقي، التي تسهم في خلق فرص عمل، وتربط بين الاقتصادات، وتدعم الأمن الغذائي والطاقوي والرقمي في القارة الإفريقية.

وبشأن المشاريع التي تواصل الجزائر تنفيذها في الجزائر، كشف رئيس الجمهورية، أن ما لا يقل عن 50 مشروعا رئيسيا في مجال البنية التحتية، في إطار استراتيجية وطنية طموحة تهدف إلى تطوير الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته، وهذه المشاريع تشمل قطاعات حيوية عدة، من بينها مشروعان استراتيجيان للسكك الحديدية: الأول يمتد على مسافة 950 كلم لربط منجم غارا جبيلات لخام الحديد بمدينة بشار، والثاني بطول 420 كلم لربط ميناء عنابة بمنطقة جبل العنق (تبسة)، وذلك في إطار مشروع وطني ضخم لتطوير شبكة النقل وتعزيز التكامل الاقتصادي، غلى جانب إنجاز 5 محطات جديدة لتحلية مياه البحر بكل من ولايات وهران، تيبازة، الطارف وبومرداس (رأس جنات) وبجاية، يقول رئيس الجمهورية، مشيرا أيضا إلى توسيع شبكة مترو الجزائر العاصمة لتشمل المطار الدولي وعددا من الأحياء الجديدة، بما يسهم في تحسين النقل الحضري وتقليل الانبعاثات.

أما في قطاع السكن، ذكر رئيس الجمهورية بأن الجزائر تنفذ برنامجا وطنيا طموحا لبناء مليوني وحدة سكنية وتطوير أقطاب حضرية كبرى عبر مختلف الولايات، بهدف تلبية الطلب المتزايد وتعزيز التوازن الجهوي، وذلك انطلاقا من إدراكها لأهمية التحول الرقمي، تعمل على تعزيز بنيتها التكنولوجية وجعلها مركزا إقليميا رائدا في مجال الاتصالات والاقتصاد الرقمي بإفريقيا، بما يسمح بدمج اقتصادها في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية.

 

تحقيق أهداف التنمية لن يتأتى إلا من خلال إرادة جماعية

وعاد رئيس الجمهورية للقارة السمراء، حيث أكد أن تحقيق أهداف التنمية لن يتأتى إلا من خلال إرادة جماعية صلبة تترجم الأقوال إلى أفعال، وتجعل من النوايا إنجازات ملموسة على أرض الواقع، معتبرا أن “البنية التحتية ليست مجرد منشآت هندسية، بل هي أداة للتغيير والتحول، ومرآة لإرادة الدول في بناء إفريقيا جديدة تسير بخطى واثقة نحو الازدهار والسيادة”، مضيفا أن “التكامل القاري لن يكون شعارا نردده، بل واقعا نعيشه، حين تصبح مشاريعنا القارية ثمرة رؤية إفريقية خالصة تجسد طموحات شعوبنا، وتستجيب لتحدياتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بكل واقعية ومسؤولية”. وعليه، دعا إلى تعزيز التنسيق الفعال بين الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء، قصد توحيد الجهود وتفادي الازدواجية وتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع ذات الأولوية، مشددا على ضرورة إرساء آلية تقييم ومتابعة دورية تضمن الشفافية والمساءلة وتحول الخطط إلى نتائج ملموسة تحدث فرقا حقيقيا في حياة الشعوب.

وفي سياق ذي صلة، أعرب رئيس الجمهورية، عن إيمان الجزائر الراسخ بأن بناء المستقبل لا يمكن أن يتم دون إشراك الفاعلين الحقيقيين في مسار التغيير، وفي مقدمتهم الشباب، الذين يمثلون القلب النابض للقارة الإفريقية والعنصر الأكثر قدرة على الإبداع والتجديد، مؤكدا استعداد الجزائر التام لمواصلة العمل جنبا إلى جنب مع أشقائها الأفارقة ومؤسسات الاتحاد الإفريقي، من أجل تحقيق الأهداف الكبرى للتنمية القارية، وترسيخ التكامل الاقتصادي الذي يشكل أحد أعمدة الرؤية الإفريقية المستنيرة، الرامية إلى بناء إفريقيا قوية وموحدة ومزدهرة، تتكلم بصوت واحد وتتحرك بإرادة واحدة نحو المستقبل.

 

للإشارة يشارك رئيس مجلس الأمة، السيد “عزوز ناصري”، رفقة كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلفة بالشؤون الإفريقية، السيدة “سلمى بختة منصوري”،، في أشغال القمة الثالثة لتمويل تنمية البنية التحتية في إفريقيا الجارية بالعاصمة الأنغولية لواندا الذي يدوم أربعة أيام، برئاسة”، رئيس جمهورية أنغولا والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، السيد “جواو مانويل غونسالفيس لورينسو”. كما يشارك في أشغال هذه القمة، المنظمة تحت شعار “رأس المال والممرات والتجارة : الاستثمار في البنية التحتية من أجل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية والازدهار المشترك”، رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، إلى جانب مفوضية الاتحاد الإفريقي ووكالة التنمية التابعة للاتحاد الإفريقي، المنظمتان للحدث بالتعاون مع الحكومة الانغولية وكذا المنظمات الاقتصادية الإقليمية والمؤسسات المالية الإفريقية والدولية وشركاء التنمية وكذا القطاع الخاص.

كما أن هذه القمة، تستقطب أزيد من 2000 مشارك، تهدف بشكل خاص إلى تجنيد الموارد المالية لتسريع تمويل البنية التحتية في إفريقيا وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب تنفيذ برنامج تطوير البنى التحتية الذي يعد أحد أهم ركائز أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي. فيما ستتضمن الأشغالـ سلسلة  من الحوارات الرئاسية والمنتديات للاستثمار القطاعي، بالإضافة إلى فضاءات للابتكار موجهة لإبراز حلول تكنولوجية ومشاريع مهيكلة، كما ستتناول النقاشات أيضا الأمن المائي وتمويل المبادرات المناخية والدور المتنامي للبنى التحتية والذكاء الاصطناعي في التحول الاقتصادي للقارة. كما أنه من المرتقب إختتام هذا المؤتمر القاري بـ”بيان نهائي” و”إعلان لواندا” يؤكد فيهما قادة القارة على التزامهم بتسريع تعبئة الموارد وتعزيز الشراكات من أجل تنفيذ المشاريع القارية ذات الأولوية، بالإضافة إلى تجاوز العوائق الهيكلية التي تعرقل إنجاز المشاريع الكبرى وتفعيل نهج الممرات الاقتصادية باعتباره رافعة للتصنيع وتطوير سلاسل القيمة الإقليمية.

أحمد الشامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى