حوار

الفنان والمؤلف المسرحي “عبد القادر بلكروي” في حواره مع “البديل”:

"مادام الإنسان يفكر، فالمسرح باق..."

يرى المؤلف والمسرحي الفنان “عبد القادر بلكروي” أن المسرح هو ملخص الحياة البشري، فهو يطرح فوق ركحه ما يعيشه الإنسان وما يواجهه، كما يرسل بأفكار توعوية تساعد في تطوير فهمه لأساليب الحياة من خلال مختلف المسرحيات التي تجعل الجمهور ينغمس في الموضوع ويطلق العنان لأفكاره في نسج الرؤى والنظريات التي تعطيه فرصة أكبر للعيش بمتعة، من خلال بعض المسرحيات التي تبكيه وتضحكه على حياته، مما يجعله يرى تصرفاته على الخشبة، فينقد نفسه ويصحح أغلاطه، وهو الأساس الذي يجعل من المسرح يقاوم في زمن طغت فيه التكنولوجيا ومختلف تطورات العصر، لأن المسرح هو نتاج تفكير وتدبر الإنسان….


 

وللغوص في علاقة الفنان “عبد القادر بلكروي” بالمسرح، اقتربت جريدة “البديل” منه، وكان هذا الحوار:  

 

من خلال مسيرتك، ما هو الفرق بين المسرحيين القدامى والحاليين (نصوص، مؤلفين، ممثلين وجمهور)؟

اختلفت الأوضاع التاريخية ولكل مرحلة مؤلفين، الجزائريون تركوا بصمتهم.. هناك من كان رائدا ويقال أنعلالو هو من فتح القائمة والأستاذ الباحث السيد “بوكروح مخلوف” مصدر أول نص مسرحي عربي عنوانه “دانينوس” ثم جاء جيل آخر ممن كتبوا للمسرح “رضا حوحو” باللغة العربية وآخرين كتبوا باللغة الشعبية إبان الاستعمار… أما المؤلفين الذين عايشوا تلك الحقبة، ظهروا بقوة متميزة عند عتبة الاستقلال. ولد عبد الرحمن كاكي، عبد القادر علولة ،كاتب ياسين واخرون كانوا من أثروا ووضعوا ريبرتوارا ثريا للمسرح، يليهم سليمان بن عيسى، بوبكر مخوخ، امحمد بن قطاف،.. والقائمة طويلة.

وهناك أدباء حولت رواياتهم إلى مسرحيات أمثال الطاهر وطار، بن هدوقة، رشيد ميموني، بوجدرة رشيد، نورالدين عبة،مالك حداد… وآخرون.

ومن المسرحيات التي عرفت رواجا كبيرا في الجزائر مسرحية الخالدون، أبناء القصبة، البوابون 132سنة، ديوان القراقوز، كل واحد وحكمه، إبليس لعوار كاين منه الخطبة ذيال سيدنا، العلق، الخبزة، حمام ربي، حمق سليم، اللي اكل يخلص، البئر المسموم، مير وربي كبير، الاجواد، القراب والصالحين، اللثام، غسالة النوادر، يوم الجمعة خرجوا لريام، المحقور، الاقوال، الشهداء يعودون هذا الاسبوع، حافلة تسير قالوا العرب قالوا، السوسة، اختار عودك، البياديق، الجلسة مرفوعة، امرأة من ورق، رجالياحلالف، القطار الاخير،جحا باع حماره، معروض للهوى، أنت وأنا…، فالسو، فوضى الأبواب، لحوينتة، عالم البعوش، أغنية الغابة، نوبة في الأندلس والكثير من العناوين الأخرى.

 

كيف يمكن إعادة الجمهور إلى المسرح برأيك؟

الفنانين القدامى كانوا مثقفين واعين بنبل رسالة الفن، عايشوا أوضاعا صعبة وساهموا في نشر الحس الوطني من خلال عروضهم. التي كانت تحمل رسائل َمشفرة.. كانوا يشاهدون العروض ويدرسون الأشكال المسرحية المختلفة في إقامات تكوينية لبعض المؤطرين الجادين، مثل بلدان أوروبية وفرنسيين يساريين متعاطفين. درسوا وساعدوا شباب للتمكن من خبايا وأسرار الفن المسرحي وعند الاستقلال فتحت مدرسة لإعداد منشطين رياضيين وثقافيين وكانت النتيجة أكثر من جيدة، بالنظر إلى جودة التربص، بعد ذلك جاء معهد برج الكيفان الذي تخرجت منه صفوف الفنانين المتميزين… ثم الدور الذي لعبته دور الشباب والفرق الهاوية.

 

 من هو المؤلف المسرحي الذي تفضل أعماله (وطنيا، عربيا وعالميا)؟

هناك العديد من المؤلفين الذين تركوا بصمات خالدة في عالم التأليف المسرحي، لكنني على المستوى العربي هناك كاتب كبير صنع الحدث وتميز بالاستثناء، حيث أهدى شعبه قراءة مسرحياته بثمن رَمزي المؤلف “سعد الله ونوس”.

 

 هل صادف ووقع حادث على خشبة المسرح وبقي عالقا بذهنك إلى اليوم؟ 

هناك موقفين لازلت أذكرهما، الأول حدث سنة 1982 في مدينة الورود البليدة، حيث عزمنا للسنة الثانية على التوالي للمشاركة في الدورة الثانية للأيام المسرحية للمرحوم “محمد التوري”. بمسرحية البحيرة الشهيرة.

في اليوم الذي وصلنا فيه كان الموعد مساءا مع مسرحية “مير وربي كبير” للمسرح الوطني الجزائري، أما نحن، فكان لنا موعد في الغد صباحا… بينما كنا نستريح من تعب السفر حضر إلى نزل الأنصار أعضاء اللجنة المنظمة وطالبونا استثنائيا بتقديم العرض المخصص للأطفال في تلك السهرة عوض المسرح الوطني، الذي بعث برقية يتأسف فيها لعدم الحضور وكان السبب أن الممثل الرئيسي أصيب بوعكة صحية، لكن كان يجب أن يكون هناك عرضا، لأن الوالي رفقة الوزير الكوبي للشبيبة سيكونان حاضران. وما كان علينا إلا أن نجهز أنفسنا لذلك ونتساءل كيف تكون النتيجة ولا أروع، كانت واحدة من أروع السهرات التي عشناها في مسيرتنا. كنا نتقدم في زمن العرض وردّة فعل الجمهور كانت مثل ما كان يتجاوب الأطفال، هاجمَنا الحضور الهائل على الخشبة بالورود وقبلات التهاني، كانت فعلا سهرة استثنائية فالتة من الزمنكالفن المسرحي ولمسنا على أرض الواقع مقولة كنا نتغنى بها: “مسرح الطفل الجاد هو الذي يستهوى الجمهور الكبير”.

والموقف الثاني، كان مشاركتنا في الملتقى العلمي الأول لعروض المسرح العربي بالقاهرة سنة 1994، بمسرحية الكاتب والمخرج محمد بختي بمسرحية “معروض للهوى”، بعدما تحصلنا على جائزة أحسن عرض متكامل بالمهرجان المحترف بباتنة للمسرح ينفس السنة،قدمنا عرضين بمسرح العتبة الأول أمام لجنة التحكيم والثاني للجمهور، لقينا استحسانا واهتماما كبيرين من طرف النقاد والفنانين كتب علينا أن نعود إلى أرض الوطن ليلة الأربعاء يوم قبل اختتام المهرجانوصلنا إلى مطار وهران بسفرية قادتنا من القاهرة الي الجزائر، عند وصولنا الى وهران كانت الساعة منتصف الليل صممت أن أدخل بيتي بأرزيو على متن طاكسي، أنا والسائق ولا سيارة في الطريق. بقيت في الغد في البيت ونزلت إلى وسط وهران في اليوم الموالي، دخلت للمسرح وإذا أصدقائي يعانقون ويقبلون، كانوا قد علموا عن طريق الوكالة الجزائرية للأبناء عن تتويجنا بجائزة أحسن عرض مسرحي متكامل وجائزة النقاد لأحسن نص، كانت لحظة فريدة حقا.

أما كمتفرج في قاعة المسرح الجهوي عبد القادر علولة، وهران، في سنة 199، بينما كانت لحظات متعة في متابعة مسرحية نوبة في الأندلس، وصل خبر مغلوط خلق هلع كبير، الحمد لله على السلامة.

وفي زمن ومكان آخر في سنة 1980، بالمهرجان الوطني لمسرح الهواة لما كانت تبرمج العروض في القاعة الشهيرة “افريقيا”، التي كانت مكتظة عن آخرها كانت فرقة هاوية من العاصمة تعرض مسرحيتها وطلب أحد المتفرجين من الممثل رفع صوته توقف المؤدي وجلس على الركح رافضا مواصلة العرض، تسبب ذلك في سخط الجمهور فتدخل منشط الفرقة وطلب من ممثله الاعتذار من الجمهور بطريقة السجود في الخشبة، وفي النقاش الذي تبع العرض تدخل الشاعر  “مومو” رحمه الله وعلق على الموقف بمزاح وسخرية قائلا: “عجبتونا  قرقرتوناضحكتونا.. الله ينعل.. “، مواصلا بوبيل من السب.

 

حتى المسرح العربي والعالمي يشهد تصحرا، هل للتكنولوجيا الرقمية دور في هذا؟ 

المسرح أصلا فن للتقاسم بين البشر، هذا هو الدور الأسمى الذي جعل منه صامدا وموجودا وباقيا ومن غير شك سيبقى وفيا لعهده في كل حقبة من الزمن، يربصونه بالزوال والتغيير عن هويته مادام الإنسان يفكر فالمسرح باق من يمارس المسرح يصل إلى سعادة ورفاهية العقل والقلب والذات سعادة لا ثمن لها.

 

هل حققت كل أحلامك من خلال المسرح ؟

من خلال مسيرتي حققت أحلاما، وأسعى إلى تحقيق أخرى تمنيتها، وما يجب ذكره المسرح يبقى فن يسعد ممارسه من خلال تعامله مع الآخر، في التجارب المتنوعة، في بساطة العلاقات وجودتها في آن واحد، كلما تحقق أمنية تتمنى المزيد. لما تعود إلى الوقت الذي قضيته فنانا مسرحيا وتستحضرك الأعمال والعروض وفضاءات التعايش واحترام الناس والسفريات والمهرجانات والنقاشات، تعلم أنك كنت سعيدا وثمن هذه السعادة لا يمكنك تقييمه بالمال بل براحة البال بالحب والجمال.

اليوم نعيش مرحلة استثنائية في خضم التغيرات التي يعرفها العالَم تسطع فيه مشاكل جديدة وتبرز فيها آفاقا جديدة،في كل الأحوال في المسرح سيد الموقف هو الممارس الذي يبحث عن سبل توفير ضمان لمسيرته والمعروف عليه أنه عايش عبر التاريخ مثل هذه المواقف.

 

هل هناك مشاريع مسرحية قادمة، حدثنا عنها؟

نعم هناك مشاريع في الأفق أتمنى أن ترى النور ان شاء الله  بداية بعرض ملحمة استعراضية عنوانها رحلة في تاريخ الجزائرعرض “بالصوت  والإضاءة”، المقترح هو هيكل لمراحل تاريخية مكتوبة نثرا وشعرا. عرض يستدعي كل التقنيات الفنية من غناء ورقص، كوريغرافياوأنفوغرافيا، مشاهد تاريخية عبر الشاشةوزمن القصة احتفال وطني تستعيد فيه الراية الوطنية بريقها بعد فترة عسيرة حاولت تجرد تاريخنا من المقاوماتشباب ثلاثيني فنان في رياض الفتح بعد خروجه متحف المجاهد عارفا. مغنيا مشروع يستحق طاقة بشرية وإمكانيات مادية محترمة كما لي نص مسرحي كتبته في 2021 عنوانه كورونا، نص one man show عنوانه la gare ouine ? واخيرا عرض تنشيطي للأطفال عنوان “زينو البهلوان في ثوب ارلوكان” ومونودرام اولاد حرمة “عرف النور في 2009 وانطفئ مبكرا لظروف خاصة  يبقي ذا جودة.

 

 هل من كلمة أخيرة ؟

لي كتاب طبع في قسم الفنون والأدب بجامعة ابو بكر بلقايدبتلمسان، وهو كتاب ضم جمع من النصوص للأطفال والشباب وذلك بعد أن اشتغل عليها عدد كبير من الطلبة في الماستر والماجيستير والدكتوراةويبقى خاصا بالمكتبة الجامعيةواليوم أكثر من وقت مضى، وأنا أبحت عن فرصة لطباعة كتاب ليتواجد في المكتبات حتى يطلع على مضمونه القراء ويدون في قطاع الثقافة، أملي أن يلقى طلبي هذا صدى من طرف الوزارة الوصية لأنه يكلل مجهودات سنين من العمل.

وفي الأخير أشكركم على منحي هذه المساحة على جريدتكم لأفضفض فيها عن حياتي المسرحية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى