روبرتاج

“الـــبـــديـــل” تــسـتـرجــع مــنـاقــب الـمـجـاهــد “الـحــاج أجـــد مــحــمـد” رحــمــه الله

تــــزامـــنــــا مـــع الـــذكـــرى الـــ 62 لـــعــيــدي الاسـتــقـلال والــشـبـاب

كشف جانــبــا من حقائق الثورة التحريرية ولقائه مع قادتها بالحدود الجزائرية المغربـيـة
دفــــع قنــطــارا من الــقمــح نـــظــيـر الــتـــحـاقـــه بالــثــورة

إنّ التاريـخ – بأيامه وشهوره – ديوان وسجــل حافـــل تــدون فـيه مآثر الأمم وأمجادها، تلكم المآثر التي يسجلها الأفــذاذ من الأبطال بمداد قانٍ، وعزيمة شمّاء تناطح السحاب في شموخها وعزّتها وإبائها، وإنّ أعظم المآثر ما كان فدى لحماية الأديان، والذود عن الحرمات والأوطان.

وإنّ الجزائر الحبيبة سجّلت على مدّ العصور والدهور- بمداد من دماء أبنائها الأبرار- كثيرا من المآثر التي تنبئ عن عزّة شعب أبيّ يأبى الظلم، ويأنف من الحيف والجور، ويهبّ – متى طعنت كرامته واستبيحت حرماته – هبّة الأسد المنافح عن عرينه، ومما يصل حاضر الأمة بماضيها، ويجعل خلفها على خطى سلفها، أن تحيي هذه المآثر ـ وخاصة ما بقي منها ماثلا حاضرا-.
ولقـد حاول الاسـتــدمـار من خلال أقلام مغرضة الطعن في رموز هذه الأمة، وسعى سعيا حثيثا لطمس مآثر أبطالها، حتى ينشأ جيل منقطع الصلة عن دينه ووطنه وسلفه وآبائه وأجداده، ولهذا حقّ على كلّ غـيور من أبناء هذه الأمة الجزائرية أن ينهض لتدوين ما بقي من المآثر ـ المتمثلة في ذاكرة هذه الأمة – وهم جيل الصفوة من الثورة التحريرية المباركة الذين ثبتوا على العهد ولم يبدّلوا تبديلا.
وإنّ من أولى اللبنات التي نضعها بين يدي القارئ الأبيّ، غراس من سجل أبطال الجزائر ونسمة من أرض جزائرنا الحبيبة بمنطقة بني بوسعـيد الحدودية عاصمة الزيانيين تلمسان، إنّه أحد الأبطال رحمهم الله من الذين هــبّوا لنداء الحق، ونداء الأوطان، فهجر لذيذ العيش، ونعيم الفرش، وجاد بدمه وأعضاء من جسمه ـ وهو في ريعان شبابه- فـدى لعزّة هذا الوطن، وثمنا لحريّته وكرامته…أعـني بذلك المناضل والمجاهد الكبير من أجل القضية الجزائرية عـمّـي الــحــاج “أجــد محمد” رحمه الله قـدوة في البذل والتضحية والعطاء، وصدق الإخلاص والانتماء، وقد دوّن له رحمه الله أيام قـبل وفاتـه، هذه المذّكرة – التي أوضح فيها بعضا من الأسرار والخـبايا عن جهاده وتضحيته في الحرب التحريرية المباركة – لتكون نبراسا للأجيال المتلاحقة من بعــده.
إنه من موالـيــد 1935 بمنطقة بني بوسعـيد الحدودية من أب الحاج بن عبد الله والأم الحاجة الرازي يامنة، كان والده فلاحا، حيث درس القرآن الكريم سنتين بمسجد (سيدي أمبارك) إحدى القرى التابعة اليوم لبلدية بني بوسعيد، وفي سنة 1945 وهي سنة مولد إحدى أخواته يقول الحاج “أجد محمد” التحقت بالجبل رفقة إخواني للنضال.
وعـند اندلاع الثورة التحريرية اتصلنا بالجماعة سنة 1956 للالتحاق بالثورة، حيث قدم إلينا كل من السي “قادة” والآخر “السي الطيب” كانا مكلفين بقيادة جهة بني بوسعيد، أين قاموا بـعـقـد لنا اجتماع خاص وكنا آنذاك أربعة (ماخوخي أحمد، ماخوخي محمد، دريسي عبد القادر وأجد محمد)، وعقب الاجتماع سجل كل من “ماخوخي أحمد” و”ماخوخي محمد” للالتحاق بالجبل، فيما تم وضع عبد القادر في قائمة الاحتياطيين.
أما أنا شخصيا فبقيت أفكر بين الالتحاق أو عدم الالتحاق، وبعد ذلك شرحت لهم بأني إذا التحقت بالنضال، فإن والدي سيبقى وحيدا ولم يجد من يساعده، خاصة وأنه كان يملك الأرض والأغـنام، خاصة وأن في العائلة كنا فقط أربعة إخوة بنتان وولدان وكنت أنا الابن الأكبر في العائلة، وبعد دراسة وضعيتي اتجاه العائلة والتكفل بها ومساعدة والدي وضعوا لي شرط هو دفع قنطار من القمح بما يعادل 50 دينار شهريا آنذاك.
وبعد إخبار والدي بهذا الشرط قبله، ليتم تعييني بعدها كمسؤول عن الشعب من طرف قادة الجبهة وتم إعفائي من دفع قنطار من القمح شهريا، وأصبحت بعدها أدفع مساهمتي كغيري من الشعب.

مــــسيرة نــضالــية حــافــــلة بالأشـــــــواك
بــيــن الــجــبال والـــوديــان ضـدّ الــــــــــعدو الـــمــســتدمــر

وفي سنة 1956 ، قام والــدي بإقامة لي مراسم العرس مع ابنة عمتي وعـند سماع “السي قـادة” بالخبر، أصروا على الدخول في الجبهة لأن والدي ـ حسبهم ـ تجاوز القانون ولم يصرح بزواجي لدى الجبهة، حيث تم مباشرة نقلي إلى فيلق بمنطقة ربّان ببلدية بني بوسعيد حاليا عند فصيلة لــ “بطيوي محمد”، وبعدها سألوني أي سلاح تعرفه أو تدربت عليه، وبعدها أصبحت متنقلا مع بطيوي في كل مكان من تغانيميت وكذا المغرب.
وكان من ضمننا أحـد المناضلين توفي رحمه الله، سلّـم نفسه إلا أنه لم يخبر العدو علينا، وبعدها تم خلق كتيبة مختصة في المواصلات ونقل السلع كان المتكلف بها يدعى عبد العزيز القسنطيني وبعد دخولنا من المغرب وقطعنا مسافة إلى غاية منطقة دهرة، أين تناولنا العشاء من الخبز واللحم والتين اليابس بعدها خرجنا من دهرة ومررنا بعين لحمار، أين بقينا يومين كان حينها الثلج والبرد القارص، بعدها جاءتنا تعليمة من القيادة بقطع منطقة أولاد رياح بالقرب من منطقة سبدو، حيث وجدنا الواد به فيضان فقمنا بعبور الواد من خلال الاستعانة بحبال، حين تركنا اثنان كانوا معنا بسبب إصابتهم على مستوى موضع العملية الجراحية التي أجروها، حيث تم إرسال لهم أطباء لإسعافهم، ثم توجهنا بعدها إلى مكان يدعى “الرحى” تم بها تقديم لنا الأكل.
وبعد العشاء، انتقلنا إلى منازل مهجورة بها أفرشة من الحصائر وافترقنا في تلك المنازل وكان معنا طبيب، حيث قام في الصبح الـغـد بإسعاف المجاهدين الذين أصيبوا على مستوى أرجلهم، وفي حدود الساعة 11 صباحا حاصرنا المستعمر الفرنسي من طريق سبدو المؤدي إلى منطقة أولاد ميمون، حيث كان ذلك سنة 1957 أين افترق جل المجاهدين، أما أنا فقفزت من النافذة هاربا حيث التقيت بأحد قيادة الجيش بسيدي بلعباس المدعـو “الطاهر عبد الرحمان” فرآني أحد العساكر الفرنسيين فقمت بضربه فبدأ يصرخ وعندما ضربه أحد رفقائي اسمه “بوعـزة” قتله في عين المكان.
كما قام أحد المجاهدين معنا برمي النار على “الشار”، وقد أصيب معنا أحد الجنود برتبة عريف المعروف باسم “الطاهر جلول” من منطقة عين الصفراء وتواصلت المشادات بيننا، حيث نجحنا كون الطائرات المستعمر لم تقم بعملية الضرب خوفا على جنودها من الإصابة، لكن جماعتنا التي كانت بالمسجد ضربوهم واسقطوا عليهم المسجد.
وفي الصباح الباكر عندما عاينا المكان أحصينا 30 جنديا قتل في هذه المشادات، وبعد هذه المعركة قمنا بمغادرة المكان، حيث قضينا الليلة في منطقة واد الشولي وهي منطقة معروفة بمعاركها الشرسة مع الاستعمار الفرنسي، غير أننا لحسن الحظ لم نتصادف ولم نلتقي مع الجنود الفرنسيين، وبعد أن رجعنا إلى منطقة سبدو بالمنزل الذي كنا نأوي فيه أتاه العساكر الفرنسيين للعب كرة القدم، حيث بعث لنا قائد الكتيبة للالتقاء بمنطقة المعروفة بالشعبة، للتخطيط لمهاجمة هؤلاء العساكر الذين قمنا بمحاصرتهم بأسلحتنا أين فـرّ معظمهم إلى المنازل المهجورة تاركين وراءهم أسلحتهم، وبعدها غادرت المكان رفقة أربعة جنود باتجاه بني ورنيد إلى غاية بني هديل كان ذلك سنة 1958، أين قضينا الليلة عـند أحد سكان هذه المنطقة، ثم التقينا مع كتيبة أخرى من جنودنا عند أحد المناضلين الذين كانوا يأوون الجنود المدعو “لـزعـر”.
حيث جاءتنا تعليمة من القيادة بالدخول إلى المغرب، أين انطلقنا من منطقة عين غرابة حيث كنا نجد كل 5 كلم مكلف بالاتصال بالزى المدني، وعند وصولنا إلى أحد الحواجز المائية بمنطقة زهرة، لم نجد أي حارس أو مكلف بالاتصال، في حين امتنع احد مكلفين بالاتصال معنا لمواصلة الطريق بحجة أن رفيقه هو الذي سيتمم لكم الطريق فطلبنا منه لمواصلة السير معنا بضع كيلومترات فقط، غير أننا صادفنا جنود فرنسيين ومرت الأمور بسلام رغم بعض المشادات مع هؤلاء الجنود ولم يتم القبض على أي واحد مـنـا، ثم وصلنا الطريق أين قطعنا رفقة المكلف بالاتصال واد بجانب منطقة سبدو، حيث استقبلنا أحد المواطنين بطلب منا بمنزله داخل مطمورة كبيرة يختبأ فيها الجنود الجزائريين أن قدم لنا الأكل والماء والخبز.
وفي المساء، أخذنا إلى عين غرابة أين التقينا مع رفقاء من جنودنا ورجعنا بعدها إلى منطقة بني هديل حينها أمرونا بالدخول إلى المغرب، حيث اتجهنا على مستوى جبل تنوشفي بمنطقة أولاد نهار مشيا على الأقدام وكان معنا رئيس الفيلق المدعـو “بوراس محمد” من بني عشير، قلت له يوجد معنا جندي فرنسي نسأله إذا كان يعرف قطع السلك، حيث تكلمت معه شخصيا إذا كان بقدرته على قطع السلك فكان رده بنعم ففرحنا كثيرا كوننا أننا سنربح الوقت كثيرا للعبور، وعندنا وصولنا إلى السلك ذهبت أنا شخصيا رفقة بطيوي ولعرج وسي محمد، وبعدها نادينا الجندي الفرنسي الذي كان محجوزا لدينا وأمرناه بقطع السلك الأسفل ومررنا تحت السلك، حيث صادفنا سلك آخر قمنا بقطع السلك السفلي وقطعنا هذه المسافة في ظروف عادية وكان معنا جنديين يعرفان الطريق جيـدا أحدهم توفي والآخر الله أعلم إن كان على قيد الحياة.
حيث اتجهنا بأحد المسالك أين صادفنا الرادار فهربنا وبدأ الرصاص من ورائنا وعند خروجنا إلى جهة أولاد نهار التقينا بإخواننا وقضينا الليلة عندهم، وفي صباح الغــد ومع نهاية سنة 1958 بحوالي شهرين تم ترقيتي إلى رئيس فيلق للإشراف على عملية التدريب.
كما أننا كنا في اتصال دائم مع قادة من الولاية الخامسة ومنهم “طنطانو” رحمه الله، “علي مزيان”، “البشير” و”بوعزة”، وكنا في كل مرة في مشادات مع العدو عند نقلهم، إلى حين وصول في أحد الأيام القادة العقيد فراج ولطفي ومعهم صالح نهاري رحمه الله وعبد الوافي، حيث كنت أشرف على عملية قطعهم للطريق نحو المغرب، إذ قمنا بتمرير “الخياري” ورفيقه “محند صالح “وبعد تم الاستعانة بطاطانو لقطع السلك المكهرب رفقة مجاهد آخر المدعــو “بوطاقة”، أين صادفنا “شار” للجنود الفرنسيين ذهب الجميع.
وعند رجوع المنطقة، صادفت أحد المجاهدين اسمه “مهداوي” بالعريشة وقد قطعت رجله، حيث قمت بنقله على ظهري إلى المغرب بشق الأنفس، وهكذا واصلت مسيراتي النضالية رفـقة المجاهد بطيوي إلى أن جاء الاستقلال أين افترقنا، أيـن واصلت مسيراتي النضالية بالتحاقي بصفوف الجيش الشعبي الوطني وبعـدها إلى غاية سـنة 1985، حيث حضرت في حادثة 1963 ثم واقعة تيندوف سنة 1975 أين مكثت ثلاثة أشهر، وبعدها واقعة 6 أشهر بالبوليزاريو في عـمق الصحراء دافعــت عن وطني بكل فخر وشاركت في معركة أمقالا والساقية الحمراء.
للإشـارة، تأتي تسجل شهادات هذا المجاهد “أجــد مـحــمــد” الـفـذ رحــمــه الله المــدعو “الــجــد” أيام قـبـيل دخوله مستشـفى مغنية، أين لـقي ربـّـه بتاريخ 05 سبتمبر من عـام 2016 عن عـمر ناهـز 81 ســنة، بعد مرض ألزمـه الفراش، ودفــن بمقبرة سيدي أمــبارك بمنطقة ببلدية بني بوسعيد الـحدوديـة.
المجاهـد “أجــد مـحــمــد” الـفـذ رحــمــه الله المــدعـو “الــجــد”، حسب رفــقائه ممن هم على قيد الحياة قدوة في الليل والتضحية والعطاء وصدق الإخلاص يــعــتبر أحــد الأبطال الذين لـبّوا نداء الوطن مبكّـرا، فهجر لذيذ العيش ونعيم الفرش…وجاد بدمه وأعضاء من جسمه، وفي ريعان شبابه ـ فداء لعزة هذا الوطن وثمنا لحريته وكرامته من أجل القضية الجزائرية.
ع. أمــيـــر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى