
تــولّي ولاية تلمسان عناية بالغة بتسوية البنايات “غـير القانونية”، وهو ما تجسد من خلال إصدار القانون 15-08 المتعلق بقواعد مطابقة البنايات، وإتمام إنجازها، وتتعلق أحكام هذا القانون الذي صدر عام 2008، بالبنايات غير المنتهية، وغـير المطابقة لرخصة البناء المسلّمة، فضلا عن البنايات التي لا يملك أصحابها رخصة بناء أساسا، تواصل الولاية في هذا الصدد جهودها قصد تسريع وتيرة عملية تسوية وضعية البنايات غير المكتملة، وتسهيل منح رخص البناء للمواطنين الذين لا يملكون عقود ملكية، كـون أن هذا الملف يكتسي طابعا “حساسا”، باعـتباره لا يمس الوضع القانوني لممتلكات الأفراد فحسب، بل أيضا الحفاظ على العمران، وهويتنا الثقافية والحضارية.
في ذات السياق وعلى ما يتصل بالملف الذي أرادت يومية “الــبـديل” فتحه من خلال سلسلة الروبورتاجات الأسبوعـية وقفت على التزايد المذهل من يوم لآخر في عـدد البنايات الفوضوية المنجزة عبر العديد من بلديات ولاية تلمسان دون تراخيص رسمية من طرف السلطات العمومية ويمثل هذا العدد التجمعات السكانية المتواجدة بالبلديات الكبرى للولاية وفي مقدمتهم بلدية مغنية التي أضحت فيها السكنات غير المكتملة الانجاز ديكورا يشـوّه عمرانها.
ولعل ظاهرة البنايات الفوضوية بمعظم هذه البلديات لم تكن وليدة العهدة الانتخابية الحالية، وإنما هي موروث عن العهدات السابقة بحيث في الوقت الذي تتكتم فيه السلطات المحلية والمؤسسات الرسمية عن العدد الحقيقي للمنجزات الفوضوية، يبقى العدد ذاته مرشحا للزيادة بحكم عدم وجود إستراتيجية واضحة المعالم والأبعاد بإمكانها القضاء النهائي على هذه الظاهرة التي في حال استمرارها ستخرب النسيج العمراني لذات البلديات كبلدية مغنية التي تتطلع لأن تصبح ولاية بعد أن تم ترقيتها إلى مقاطعة إدارية، خصوصا وأنها تتوفر على جميع المؤهلات التي حددتها السلطات العليا في البلاد كأن يتعلق الأمر بعدد السكان الذي تجاوز الـ 120 ألف نسمة، أو بعدها عن مقر الولاية حاليا والتي تفوق المسافة بينهما الـ 65 كلم مربع.
هذه السكنات وأخرى غير المكتملة، أو الغير الجاهزة والأراضي الشاغـرة التي تركت منذ سنوات عدة دون بنائها، والمخالفة للقانون، وكذا المنتهية غير الموثقة بحدة رغم التسهيلات التي تقدمها الجهة المعنية بولاية تلمسان لتسليم رخص البناء والتقيد بها إلا أن الخروقات عديدة ومختلفة تستدعي الدراسة المعمقة لتسوية وضعيتها وإيجاد حل للأسباب التي تحول بينها وبين نتيجة الرفض من لجان الدوائر التي خولت لهم الصلاحية لدراستها.
ولاية تلمسان تشدّد على تسوية وضعية البنايات غير المكتملة
بالموازاة مع ذلك يستصعب في بعض الحالات تنفيذ عملية الهدم الفوري وفقا للأسباب التي تلاحقها أثناء التقصي في الملف المرفوض لدوافع معينة وفي مقدمتها الانعدام الكلي لعقود الملكية سواء كانت خاصة أو عمومية لبناءات تم تشييدها، إذ تعمل مصالح مديرية التعمير والبناء على إيجاد الحلول في ذلك من خلال إعادة دراسة النقاط العالقة لتقديم تقاريرها للوزارة الوصية بهدف التقليص من أسباب الرفض وعدم التوجه نحو الهدم بالنسبة لمن أنجز منزل في غياب العقد، على حدّ تصريحها أن في الوضع الراهن سيخلق أزمة سكن ولا يمكن التعويض ماديا، مما ينبغي التدقيق في كل حالة على حدى باعتبار أن قانون الهدم تواجهه بعض العراقيل، بحيث حالات ذكرتها المادة 16 من القانون 08-15 التي ترفض تماما تشييد السكنات بالأماكن الأثرية والسياحية والأراضي الفلاحية والجهات الخطيرة المحاذية لشبكات الغاز والضغط العالي للكهرباء وقنوات المياه والتي لا يمكن تسويتها، أين نفذ فيها الهدم أما الحالات الأربعة المرتبطة بالعينات التالية كإتمام البناء ولم يتم التقيد بمعايير الرخصة وأقيمت بها إضافات بتصاميم خاصة، وكذا إنجاز بدون رخصة والتغاضي عن تقديم الملف وفقا للقانون 90ـ29 للحصول عليها بالمديرية قبل الشروع في الإنجاز التهرب من شهادة المطابقة للبنايات الجاهزة التي بها رخصة وابتعدت عن احترام مقاييس البناء فجميعها مطالبة بتسوية مشاكلها استنادا على القانون 08ـ15 الذي يعطي الفرصة لإتمام إجراءات السكن الذي لا يزال يشوه العمران بفعل مراحله الأولى أو فوضوي بحاجة لوثائق ترسّم بنيتيه التحتية والفوقية، وهذا قبل تنفيذ محتوى القانون من حيث الغرامة المالية المفروضة على الحالات والعقوبة الجزائية بالقضاء التي تفرض الحبس من 06 أشهر للسنة، مما يستوجب حسب ذات المصالح التعجيل في تسوية الوضعية القائمة مادام القانون ساري المفعول وانتهت المدة سيتحمل أصحاب السكنات مسؤوليهم خصوصا هناك فرق مؤهلة تقوم بمسح شامل لمعاينة وجرد ما لم يوثّق لحد الآن.
البنايات الغير المكتملة مصدر للأمراض المزمنة والاعتداءات
ما تبقى الإشارة إليه أيضا هو أن وجود السكنات الهشة والقديمة بالوسط الحضري للتجمعات السكانية المتواجدة بتلمسان الكبرى شوّه هو الآخر المنظر الجمالي لعاصمة هذه الدوائر، التي كان من المفروض ايلاء الأهمية الكبيرة لها من حيث الجانب الجمالي، بعد أن تحولت إلى مزابل ترمى بها الأوساخ وقاذورات السكان ومرتعا لمختلف الحشرات والزواحف، بسبب وجود مواد البناء المتجمعة فيها والمكان المفضل للكلاب الضالة والقطط، كما وجد المنحرفون واللصوص فيها ملاذا لهم، حيث يقصدونها ليلا لتناول المشروبات الكحولية والتربص بالمارة بالاعتداء عليهم وسرقتهم، وتتفاقم هذه الظاهرة في الأحياء التي تنعدم فيها الإنارة العمومية.
وأوضح معظم سكان هذه الأحياء أن حريتهم أصبحت محدودة، ففي أي وقت هم معرضون لهجومات الكلاب الضالة التي تتوافد بالعشرات خاصة صباحا، فهم مجبرون على مرافقة أبنائهم لحمايتهم، وما زاد من تأزم الأوضاع وانتشار الروائح الكريهة المنبعثة من الأوساخ والقاذورات المرمية بها، بل تحولت هذه البناءات إلى مراحيض عمومية للمارة، مما ساهم الوضع في ظهور الأمراض الجلدية والحساسية للسكان القاطنين بجوارها، خاصة بين الأطفال الذين يفضلون اللعب والاجتماع بالبناءات، وهو الأمر الذي دفع بالسكان إلى مناشدة السلطات المحلية في إجبار أصحابها على بناءها لتفادي هذه المشاكل وتشويه الشوارع، هذا لعدة اعـتبارات خصوصا حينما يتعلق الأمر بمركز الدائرة التي بحاجة إلى نسيج عمراني متناسق، هذا إذا ما استثنينا تلك الأجزاء المتعلقة بالأحياء الجديد، كما أن وجود سكنات غير مكتملة أعطى هو الآخر الانطباع واضحا بأن خروج عاصمة من عواصم هذه الدوائر من وضعيتها الحالية لا يزال بعيدا مثلما هي بعيدة النظرة الحقيقية للمسؤولين الذين لم يولوا أدنى اهتمام للاعتبارات الجمالية.
وفي انتظار أن يحصل هذا الاهتمام الكبير من طرف السلطات المحلية لهذه البلديات بالجانب الجمالي لوسط المدينة ومن ثمة العمل على تحسيس المنظمات والجمعيات بأهمية لعب دور المحافظة على نظافة المحيط والبيئة، تبقى الكرة في مرمى السلطات المحلية للحد من الظواهر التي ما فتئت تؤثر على العقار العمومي واستغلاله العقلاني لفائدة المرافق والإدارات والمؤسسات التي لاتزال في أمس الحاجة إليها.
والي تلمسان يتوعـد بمقاضاة المتواطئين
في البناء الفوضوي والتعـدّي على الأراضي الفلاحية
شـدّد والي ولاية تلمسان السـيـد بـشـلاوي يـوسـف، على هامش انعـقاد الدورة العادية الأولى للمجلس الشعبي الولائي لولاية تلمسان لسنة 2025، على الصرامة في تطبيق القانون الأخـير الصادر في 2024 والذي يتضمن آليات حماية أراضي الدولة والأراضي الفلاحـيـة من الاستيلاء عليها والقواعـد المطبقة في حالة التعدي عليها ويمنع تشييد أية بنايات أو منشآت على أراضي الدولة دون الحصول على الرخص التي تصدرها السلطات الإدارية المختصة وفقا للأحكام المحددة في التشريع والتنظيم الساري المفعول، كما يتضمن عقوبات قاسية لردع التعـدي على الأراضي التي هـي ملك للدولة أو أراضي فلاحية للمعـتدين وتطبيق القوانين اللازمة في حقهم بصرامة بالتنسيق مع السلطات الأمنية والقضائية، ويعاقـب كل مسؤول قـام بتغاضي عن البنايات الفوضوية المشيدة فــوق أراضي ملك للدولة أو أراضي فلاحية، محـذّرا في السياق من هذه الممارسات لاسيما وأن القانون الجديد واضح، على حـدّ قــوله: “حرصنا بعمق على توسيع المساحات المسقـية وتسوية الملفات الخاصة بالعقار الفلاحي دون إغـفال عن حماية الأراضي الفلاحية ومنع التعـدّي عـلـيها”، مـعـبّرا في ذات السياق عن امتعاضه من ظاهرة الاستيلاء على العقار والبناءات الفوضوية المسجلة ببعض بلديات الولاية، وأعطى الوالي تعليمات للمصالح المعنية باستصدار محاضر المخالفات حيال المعـتدين على العقار الذي ينعكس مستقبلا على وضعية إنجاز البرامج السكنية بالبلديات، بسبب الاستيلاء على العقارات العمومية في عدد من الأحياء، معتبرا ذلك تعديا على الملكية العمومية، وتساءل الوالي عن دور البلديات التي نمت فيها هاته الظاهرة، التي دعاها إلى تحمل مسؤوليتها حيال المتواطئين في البناءات الفـوضوية والتعـدّي على الأراضي والعـقار الفلاحـية.
وتعتبر ظاهرة البناءات الفوضوية قـديمة ببلديات ولاية تلمسان وتعود إلى عهدات سابقة، غير أن تردد وغياب الإرادة الحقيقية لمواجهة هذا الوضع المتفاقم على مدار سنوات، جعل من الملف يزداد تعقـيدا يوما بعد يوم، ويتطلب إرادة وحزما لوقـف ما يجـري.
غـياب السلطات المحلية وباقي الجهات المكلفة بمحاربة ظاهرة البنايات غير الشرعية ببلدية مغنية، شجع على تنامي هذه الظاهرة بحي عمر الذي يشهد فوضى عمرانية وإهمالا منقطع النظير تتجلّى مظاهره في تدفق المياه القذرة نتيجة غياب قنوات الصرف الصحي، إذ عـمد العديد من السكان الذين شيّدوا سكنات فوضوية إلى إنجاز حفر العفن التي تتدفق فيها المياه القذرة علما أن عددا من العائلات تقضي هي الأخرى حاجاتها البيولوجية في الحفر بعد أن تعذر عليها إنجاز مراحيض، الوضع هذا أصبح يثير الكثير من الذعـر لدى السكان الذين أبدوا في حديثهم لـ “الـبــديل” تخوفهم من الإصابة بأمراض وبائية ناجمة عن انعدام النظافة خاصة خلال فصل الصيف الذي عادة ما تكثر فيه الأمراض، حيث طالبوا الجهات المسؤولة بالتدخل العاجل لانتشالهم من هذا الواقع قبل حدوث ما لا تحمد عقباه، كما طالبوا بوضع حد للبنايات الفوضوية التي اجتاحت حيهم الذي تحول إلى قبلة لسماسرة مافيا العقار التي لاتزال تنتهكه بهذه المنطقة بغير حق في غياب كلي للسلطات المحلية التي شجعت بصمتها على اتساع رقعة تلك الظاهرة، إلى جانب ذلك يشهد الحي انتشارا لافتا للانتباه لأكوام القاذورات والأوساخ التي زادت من تشويه منظره المتسم بالقصدير، الفوضى وانعدام النظافة وانتشار الآفات الاجتماعـية.
ع. أمــيــر