المجتمع

الـحـــايـــك التلمسانــي يـنـدثــر

بسـبـب المنافسة التي أحدثتها "الجلابة" و"الملايــة القسنطينية"

لطالما كان الحايك جزء من ديكور عاصمة الزيانيين سترة المرأة من أعلى الرأس إلى أخمس القدمين، زي في طريقه إلى الانقراض وديكور في طريقه إلى الانهيار حايك “المرمى”، رمز الحشمة والوقار والالتزام يندثر ويحل محلّـه “الجلابة” على اختلاف أنواعها ليتم استعمالها في محل هذا اللباس المفتقد.

حيث لم تستطع المرأة في هذا الوقت مقاومة التغير الحاصل على جميع الأصعدة والذي لم يستثن في اجتياحه حتى طريقة اللباس، صحيح أن لكـل جيل منطقه وأناسه ومميزاته لكن جميل كذلك المحافظة على لباس يزيد المرأة كبرا ووقارا، كما أن الأجمل من ذلك كله إيصال البصمات التي كانت تطبع الحياة العادية للسلف لجيل اليوم الذي سينقله بدوره للذي يليه، بيد أنه لم يختف من رفوف المتاجر وبقي إلى الآن قطعة مهمّة وأساسية في جهاز العروس لخروجها مدثرة به من بيت أهلها، وهو ما استشفته لدى ولوجها بعض متاجر بيع لوازم العروس في رحلة البحث عن نساء يرتدين “الحايك” بمختلف أرجاء تلمسان.

أنواع الحايك

أحد كـبار التجار بشوارع تلمسان يتحدث عن أنواع الحايك قائلا “هناك نوعان حايك المرمى العاصمي وحايك العشعاشي التلمساني”، “حايك المرمى” يشرح المتحدث “قطعة قماش واحدة ناصعة البياض من الحرير الخالص وهنالك نصف مرمى الممزوج بالصوف أو الكتان تستر به المرأة جسمها وقد تغطي وجهها بنقاب خفيف”، مضيفا في نفس السياق كثير من العجائز والنساء لاتزلن متمسكات بالحايك باعتباره أحد مقوّمات المنطقة العريقة لكن في خزائن ملابسهن فقط أو ضمن جهاز بناتهن المقبلات على الزواج لارتباطه بخلق الحياء والخجل ولاعتباره زينة العروس في “التصديرة” التي تعـبّر عن احترامها وأصالتها، كما أنه يشترط في مهر العروس في عدد من الأسر المحافظة على التقاليد”، وعن السعر والجودة يضيف “يصل سعر الحايك ذي النوعية الرفيعة إلى 7500 دينار جزائري نستورده غالبا من تونس، وحتى تتبين جودته يكفي إحراق خيط منه فإذا شممت رائحة “بوزلوف” فهو أصلي من حرير الدودة”، وتحدثت الفتيات المقبلة على الزواج هذا الصيف عن الحايك قائلة: “انقرض ولم يعد له أثر لا في المدن ولا في القرى والملفت أنه في وقت ليس بالبعيد نتحدث بذلك عن منتصف الثمانينات وقبل غزو الجلابة والموضة المستوردة كانت النساء قبل خروجهن من البيت تلتحفن بالحايك ولا يرى منهن إلا تلك الكوة الصغيرة المعروفة بالعـوينة”.

الحاجة الزهرة: “من القلائل اللائي لايزلن محافظات على ذلك الزي…إحدى البنات زفّت الصيف الماضي، ولم تخرج عن إطار الأصالة أعربت عن أسفها لزوال هذا الزي بحسرة وتنهيدة كانت كافية بايصال فكرتها، واستذكرت جارتها الحاجة ربيعة 63 سنة زمن السيتينيات والسبعينيات قائلة “كنا نفتخر حين نقبل على شراء حايك جديد كان ثمنه وقتها مابين ألف وألفين دينار جزائري”، أما والدتها صاحبة السبعة عقود التي كانت برفقتها فقد استحضرت أيام الاستعمار الفرنسي حين كان الفدائيون يستعملون الحايك في عملياتهم للتخفي والإفلات من مراقبة العساكر الفرنسيين وللتمكن من تمرير بعض الأسلحة والوثائق في قلب المدن.

تصنيع الخيط الذهبي

وعلى بعد 2 كـلم من مدينة تلمسان وبحي عين الدفلة بشتوان، تقع ورشة العمل الخاصة بتصنيع الخيط الذهبي، وهو نفسه المحل الذي كان ذات يوم مشهورا بصناعة “حايك العشعاشي”، الذي كان يمثل أحد أعرق الصناعات التي ترمز إلى المرأة التلمسانية بصفة خاصة والمرأة الجزائرية بصفة عامة، وأحد الشواهد التاريخية والحضارية التي تدل على إبداع أهل تلمسان في صناعة الحياكة التي تعدّت شهرتها حدود الوطن وأضحت فخرا لكل سكان منطقة المغرب العربي…

يقول أحد الحرفيين الذي اقـترن به اسم صناعة الحايـك: إن هذه الصناعة عرفت في الثلاثينيات ازدهارا بعد أن تم فتح المصنع العشعاشي بتلمسان، وقال إنه بدأ يشتغل في هذه الصناعة منذ 1939 عندما كان عمره آنذاك 13 سنة، بعـد أن ترك الدراسة وامتهن مهنة عمه، وأضاف أنه منذ ذلك الوقت وهو يزاول هذا الحاج المهنة التي قال إنها عرفت نشاطا كبيرا في السبعينيات عندما كان الإقبال كبيرا على الحايك الذي كان يستر مفاتن المرأة، و الذي ينظر إليه على أنه رمز العفة والحياء…لكن الآن، هذه المهنة تصارع الموت بعد أن وجـدت منافسة شديدة من الجلابة المغربية التي غزت أسواق المدينة بالنظر إلى الموقع الجغرافي للولاية، وكذا جمال هذه الجلابة التي تحمل بصمات العصرنة “الشيء الذي أجبرنا، يقول: نوقف صناعة الحايك بعد أن قل عليه الطلب رغم أن العروس مازالت تستعمله ليلة زفافها، حيث تلف جسدها عند مغادرتها بيت والدها”، مضيفا أن الحـايـك في القديم كان يسمى بــ “خافي الفقر”، لأن المرأة التي ترتديه لا يعرف إن كانت فقيرة أو غنية مادام جسدها مغطى بالتلحيفة، وقد تغنى به الشعراء في القديم حيث قال أحدهم : تلمسان ماءها وهواها وتلحيفة نساها… وهنا يقول: تبرز القـيمة الحضارية والخلقية للحايك، الذي مازال يحتل مكانة مرموقة في ليبيا وتونس، وعـقب اخـتـفاء الحايك أيضا من جل المناطق التلمسانية لحقته “الملاية القسنطينية”، فـبعد مدينة الصخر العتيق قسنطينة وحكايتها مع الملاية السوداء حزنا على موت صالح باي سنة 1792 وبعـد مدينة سطيف وارتداء نسائها هذا الزي مضاهاة لنظيراتهن القسنطينيات تم ارتداء الملاية السوداء حزنا عقب مجازر الثامن من ماي 1945 لتنتشر الملاية بالمدن الغربية للوطن كتلمسان وغـيرها، ولــ “الملايـة السوداء” طريقة خاصة لارتدائها لاتفقهها إلا نساؤها اللائي تسترن ملامح وجوههن بنقاب مطرز يعـرف بــ “العـجـار”.

أمـير.ع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى