
بعد سنة كاملة من الجد والكد والنشاط والعمل، يأتي فصل الصيف بعطله واصطيافه واستجمامه وأسفاره ورحلاته وجولاته وسياحته، فيكون التفكير جديا في قضاء العطلة واستغلالها أحسن استغلال لكن نظرا لغلاء المعيشة وتدني القدرة الشرائية للمواطن والعامل البسيط بشكل خاص، فمهما اقتصد وادخر، فإنه يبقى عاجزا على توقير ما يكفي لقضاء أيام معدودة على الشاطئ، خاصة إذا علمنا أنّ الشواطئ تكتظ بالمصطافين وتمتلئ عن آخرها وتكثر الطلبات على الشاليهات قصد كرائها والإقامة فيها.
لكن في مثل هذه الظروف والحالات، لا يكون بوسع هذا العامل البسيط سوى صرف النظر عن هذا الجانب والتفكير مليا في تخصيص رحلات ما بين الفينة والأخرى إلى الشواطئ وأخذ زاده من البيت وقضاء يوم مع أبنائه، لكن يبقى مشكل النقل يُؤرق الكثير من هؤلاء فرغم توفر الوسائل الخاصة بشكل كبير من حافلات وسيارات الأجرة، إلا أنّ الازدحام وكثرة الطلب على مثل هذه الوسائل يزيد في تعب المواطن المغلوب على أمره وينهك قواه وبالتالي يتسبب في توتر أعصابه وغالبا ما يشعر بالندم على أنه فكّر لحظة واحدة في التوجه إلى الشاطئ.
لكن مع كل هذا وهذه المعاناة وحين يصل الأطفال مع ذويهم إلى الشاطئ تظهر فرحة الأطفال جلية وواضحة وسرورهم بالرمال المنتشرة على طول الساحل لا يفيها وصف، فيهرع الجميع بطريقة عفوية للسباحة وحينها فقط سيشعر الأب في قرار نفسه حتما بارتياح داخلي رغم المعاناة والغبن الذي كابده من أجل الوصول إلى الشاطئ وجلب الفرحة لأولاده، وعليه يغتم بدوره الفرصة كي يقاسمهم الفرحة والمتعة ونكهة البحر، وليس هناك أكبر فرحة من رؤية الأولاد يمرحون ويلعبون ويستمتعون ببراءتهم الرائعة والخروج من الروتين اليومي وقوقعة البيت والملل والسأم.
هذه يوميات البسطاء مع البحر وهذا هو معنى البحر في عيونهم وقاموس حياتهم، أبجديات محدودة وجمة لها معالم معينة وخريطة الصيف لها أيضا نقاط معلومة، كل ذلك حسب إمكانياتهم المادية المتوفرة، لكن المؤكد أنهم ربما الوحيدين الذين يتذوّقون ببراءة وعفوية لامتناهية معنى البحر والاستجمام.
هـشـام رمـزي