روبرتاج

العرس التيسمسيلتي يحافظ على ميزته وأصالته

رغم زوبعات التغيير التي تهدد عادات وأعراف المنطقة

كان الزواج في السابق يعتمد على الأعراف المتداولة آنذاك وكانت العادات والتقاليد تفرض نفسها بقوة، والأسرة هي التي تحدد كل شيء والمسؤول الوحيد عن طقوس الزواج، إذ كانت الخطبة تتم عامة في السوق المكان الذي يلتقي به الرجال بحثا عن حاجاتهم على اختلافها وكان الشخص الراغب في تزويج بناته يتردد إلى السوق واضعا أوراق النعناع أعلى أذنه وهناك من كان يحمل علم أخضر ـ أحمر، وكان من يرغب في تزويج ابنته يقصد كبار السن بعبارة “خصني خباز”، والخباز كناية عن المرأة وفي حالة دل على منزل معين يتجه مباشرة رفقة ثلاثة أشخاص أو أربعة إلى بيت الفتاة.

وحسب عمي أحمد البالغ من العمر 70 سنة والقاطن بمنطقة النواصر ببلدية عماري بتيسمسيلت والذي ذكر لنا أنه عندما يتوجهون للخطبة ويسألون عن سبب القدوم عبارة “خير ماجابكم ” فيردون عليهم” جينا ضياف ربي خاطبين “، فيردون عليهم بلفظ “قربوا” “دلنا دلال خير” قال “روحوا عند فلان عندوا بنت ونتوما ناس خير” ، فيرد أب البنت ” الطفلة راها مبروكة عليكم نعطوهالكم بصح خبرونا لمن ترجعوا…” ، وكانوا يولون أهمية كبيرة للأصل الذي تنتمي إليه الفتاة نظرا لانتشار النظام القبلي ولا يعيرون اهتماما للجمال، ويلتقي بعدها مع والدها في السوق ويتفقان على الزواج، يرسل والد العريس عجوزا طاعنة في السن تكنى ب ” الخيالة ” لديها خبرة في اختيار العرائس، حيث تقوم بفحص الفتاة ما إذا كانت ضعيفة أو بدينة وتركز على أسفل الرجل “العرقوب “، فإذا كان ممتلئ فذاك يدل على الخير وأنها فتاة جديرة بالزواج والعكس، إذا كان “عرقوبها” غير ممتلئ فهو فأل شر وغير صالحة للزواج.

عادات الخطوبة

وفي بعض المناطق من ولاية تيسمسيلت، ترتكز بمرفقها على فخذ الفتاة لتعرف مدى استطاعة تحملها لمصاعب الحياة وفي الغالب تكون العروس من نفس العائلة بنت العم، بنت الخال، بنت الخالة أو نفس القبيلة، وفي بعض المناطق تملك الفتاة عند ولادتها فيقال ” فلانة لفلان”، عندما يحصل الاتفاق يجتمع أهل العروسين بمنزل العروس لعقد القران بينهما ودفع الصداق “المهر” المتفق عليه والذي كان بسيطا بساطة ذلك الوقت، وحسب الشيخ عمي أحمد كانت وليمة الغذاء على عاتق أهل العريس ما يسمى بالجهاز والمتكون من مقرون، بختوق، السماشة، المحرمة أو المنديل الكيلو لونه أسود أحمر، صابون، راحة وحنة في صندوق من الحطب، تبدأ العائلة الفيالارية بالتحضير للعرس منذ الأسابيع الأولى من تاريخ الإعلان عن الزفاف، حيث يتم جمع النسوة في جو عائلي من أجل إعداد الكسكس “فتل الطعام” وصنع بعض الحلويات التقليدية، ثم يتم دعوة الأقارب والجيران وهو ما يسمى بالعرضة ويقوم المسؤولين عن العرس بنصب خيمة كبيرة ” قيطون” تهيأ الحنابل والزرابي بغرض استقبال المدعوين من الرجال ليجتمعوا فيها، أما النسوة ففي اليوم الأول من العرس يتم دعوة الأقارب فقط كالعمة والخالة وبعض النسوة الكبيرات في السن لحضور “نهار التسيار”، ففي هذا اليوم يتم تعليق العلام في أعلى المنزل كإعلان على بداية العرس يحمل من طرف عجوز كبيرة توضع به قطع نقدية مع حبات من السكر ويعقد به عقدة والنسوة تزغردن ويحضر في ذلك اليوم طبق التشيشية في الغذاء وفي بعض المناطق، فإن الفتيات يرمين بالقليل من التشيشة على وجوه بعضهن وتقدم في قصعة كبيرة حتى تكون حياة العروسين مليئة بالمتعة والسعادة وسعة الرزق، وفي اليوم الموالي تذبح المواشي ويحضر طبق الطعام “يديروا الفوار باش يروح البوار” لقولهم ويطلق عليه بعشاة الحلال، وكانت أول قصعة تخرج للرجال تسمى بقصعة سيدي عبد القادر.

تقاليد حفل الزفاف

أما في يوم الخميس وهو يوم الرفود، يذهب أهل العريس “الرفادة ” إلى بيت العروس باكرا، وبعد تناول الغذاء المحضر خصيصا لهم وهو عبارة عن مأكولات متنوعة شربة، حميص وحلو ويقدم لهم القهوة مصحوبة بالمسمن والمحروق ويقوم أهل العريس بذبح ماشية وتحضير طبق الطعام ويتم إطعام جميع المدعوين، تهيأ العروس مرتديتا لباس بخنوق، شماسة والحايك أو برنوس وتخرج رفقة والدها “خرجت تحت جناحو” أي ليسلمها إلى أب العريس أو عمه ليحملها وتوضع فوق الخيل مع طلقات البارود وإيقاع البندير والدربوكة، ويجول بها من خيمة إلى أخرى ولما تلحق العروس إلى عتبة الدار يقدم لها الحليب مع التمر لتشربه مع أم العريس كفأل خير لكي تسود المحبة والطيبة بينهما، وفي الليل يتم الاحتفال وبعد العشاء يتم إحضار صينية بها محرمة توضع عند الرجال ليضعوا بها النقود كل على حسب استطاعته وتسمى بـ “النصيفة”، وفي اليوم الموالي يدخل العريس على أقرباء العروس ويقوم بتقبيل رؤوسهم، وهذا ما يسمى “بحب الراس” وإعطائهم نقود “زيارة” وهدايا مختلفة وهو يوم الحزام أو الجفنة، حيث تقوم العروس بتحضير طبق الطعام باللحم ومختلف الخضروات ويوضع في جفنة كبيرة.

وفي بعض المناطق بتيسمسيلت يتم تحضير البغرير والذي جلبت مواده من بيت العريس، وبعد الغذاء تأتي مرحلة الحزام التحزيمة ويقوم بتحزيم العروس أخ العريس “حماها” وعجوز كبيرة عندها أولاد كفأل للعروسة بأن تنجب مثلها وتقوم بلف حزام على خصرها وتقوم هذه الأخيرة بتقطيع أوراق نقدية فوق رأس العروس أو تمنحها إياها كعربون محبة، بعدها تقوم بوضع خمار أم العريس أو ما يسمى “البخنوق”على رأس العروس وتنزعه بعد ذلك لتجمع فيه الحلوى، وفي بعض المناطق عملية “التحزام” تقابلها الرشقة أي إلصاق أوراق نقدية في خصرها ويقوم “حماها” بالرقص معها وبعد الانتهاء تقوم العروس بتحضير القهوة للحاضرات. وفي مناطق أخرى، تقوم بتشويط الزلوف أو صنع الدوارة وتذهب إلى العين حاملة معها القربة يصحب العريس أهل العروس ليوصلهم إلى منزل العروس حاملين معهم مختلف الهدايا “الزورة” تقسم على الجيران، هذا ومن بين المأكولات التقليدية في العرس نذكر “التشيشة المفلقة” وهي حبوب القمح تطحن بالمطحنة اليدوية  “القرويشة” ثم تطبخ بالماء والملح وتقدم بالزبدة ” دهان الحار” وتقدم في قصعة كبيرة حتى تكون حياة العروسين مليئة بالمتعة والسعادة وسعة الرزق ، كذلك ومن بين الأطعمة التي تقدم في وليمة العرس الطعام “الكسكس” ويقدم بالمرق الأحمر ولحم الخروف كذلك يقدم في الوليمة البرزقان والبغرير والكعبوش، وفيما يخص طبيعة العلاقة مع الأشخاص المعنيين بحضور الوليمة العرس المدعوون من الأهل والأقارب والجيران وحتى لا يخلو هذا العرس من طابعه الإنساني يحضره بعض المحتاجين وعابري السبيل.

وكانت الأعراس تقام في فصل الربيع أو الصيف وبالمنزل، أما اليوم فهي تقام على مدار السنة كما أنها تقام عند بعض العائلات في قاعات الحفلات على إيقاعات “الديسك جوكي” ولم تعد أغاني المربوع حاضرة كما في السابق، كان طبق الطعام “الكسكس” الطبق الرئيسي لكن حلت مكانه مختلف الأطباق العصرية “الطواجين “، كانت العائلة هي المسؤول الوحيد على اختيار العروس وتحمل تكاليف العرس، أما اليوم أصبح للرجل كل الحرية  في اختيار زوجته ، حيث أصبح يتعرف عليها في الجامعة أو مكان العمل وبعد الاتفاق يذهب والده لخطبتها، كما كان العريسان يسكنان بمنزل العائلة “الحوانة” وحاليا أصبحا يستقلان منزلا خاصا بهما، ولقت تخلت الكثير من العائلات التيسمسيلتية عن عادة سقي الماء من العين وتنظيف أحشاء الخروف “الدوارة ” وتشويط البوزلوف.

وفي السابق، كانت العروس تسكن مع أهل الزوج، أما اليوم فهي تسكن لوحدها وأصبحت ما يعرف موضة ما يطلق عليه بشهر العسل، لم تعد عادة تعليق العلام والتشيشة المفلقة إلا عند بعض العائلات لكن لايزال الحزام مع الجفنة موجود إلى يومنا هذا، ومع هذا الاختلاف يبقى العرس التيسمسيلتي يحافظ على ميزته وأصالته رغم زوبعات التغيير التي كادت تقضي على معظم عادات وأعراف منطقة فيالار.

جطي عبد القادر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى