
يُخطئ من يعتقدُ بأنّ الكتابة الإبداعيّة شيئًا من العبث أو ضربًا من العبث أو التّرف الفكري، وأنّ المُبدع هو الذي يصطادُ في البُحيرات المعروفة لديه فقط ويُمارسُ لثعبة التّخفّي تارةً والسّرد الخيالي تارةً أخرى أو الموضوعيّة والواقعيّة والمثاليّة أحايين أخرى، وفي بعض الأحيان الشّاذ نجدُه يصطنعُ الكذب المُباح لحظة يُحاولُ إقناع نفسه بأنّه فعلاً يصنغُ إبداعًا أدبيّا مُتجدّدًا.
وانطلاقًا من الحديث النّبويّ الشّريف (السّاكتُ عن الحق شيطانٌ أخرس)، ومن باب الغيرة على شرف الكتابة الإبداعيّة البحثة، أجدُني مُرغمًا على طرح قضية جوهرية أصبحت ظاهرةً عاديةً لدى العديد من الكتّاب والمُبدعين على حدّ سواء. وأعني هنا القرصنة الأدبية العلنيّة في وضح النّهار، أو بمعنى آخر الجُرأة على السّرقة الأدبية والأحتيال على النّصوص أو القصائد لكُتّاب وشُعراء آخرين، حتى أنّ مسألة الإقتباس أصبحت مُمارسة تُخلّ بمصداقية الكاتب والشاعر، لأنّه في الغالب لا يذر حتى المراجع فيُخيّلُ للقارئ أنّهث من إنتاجه وإبداعه. وإنّ المُتتبّع للنُصوص الشعريّة عبر المجلّات الإكترونيّة وبشكل خاص الصفحات الأدبية الفايسبوكيّة، يرى العجب العُجاب، فالكُلّ يدّعي النُّبوغ في الشّعر تحديدا على أنقاض صاحب القصيدة، فكم من نص تمّ نسخهُ حرفيّا أو أخذُهُ بأخطائه من مواقع أخرى دون أن يُكلّف الناشر نفسهُ حتى تغيير العنوان، ولعلّ مازاد الظاهرة إستفحالا وانتشارًا كالنّار في الهشيم، إستعمال الأسماء المُستعارة من باب التخفّي حتى لا يتمّ اكتشافُه وبالتّالي فضحه.
إن هذا النّمط من المُبدعين المُزيّفين موجودون في كل المُجتمعات وفي كلّ الأزمنة مثل المُجاهدون المُزيّفون والمُثقّفون المُزيفون والمسؤولون المزيّفون وهلمّ جرا، وهؤلاء المُبدعين المُزيّفين، لديهم عُقدة حُب الظهور الدّنكيشوتي، والحُلُم في الواقع والغُرور الزائد وفُقدان الثّقة في أنفسهم وضعف ٌ شديدٌ في شخصيّتهم، وخاصّة البحثُ عن الشّهرة الكاذبة والنُّجومية الوهمية ولو دوسًا على رقاب صُنّاع الكلمة وعلى حساب أبسط أخلاقيات الكتابة، ويُريدون أن يُصبحوا أدباء وشُعراء بين عشيّة وضُحاها.
إنّ السّرقة الأدبية جريمة لا تُغتفر في حقّ الأدب والإبداع، ومن هُنا يتأكّدُ لدينا جقيقة هيمنة الضُّعف المعرفي الأدبي وطُغيان التّفكير المُعطّل (في غياب القراءة والمُطالعة والبحث) ومُحاولة الوُصول إلى عُروش المُؤسّسات الثّقافية وسرقة الأضواء بشتى الوسائل، لأنّهم ببساطة من المُتطفّلين على الأدب والإبداع، ولعلّ إستفحال الظاهرة والإجرام الحاصل الآن في حقّ الكتابة الأدبية هو الذي دفع بالكثير من الدباء والشعراء الحقيقيين والصّادقين بوهج الحرف، يُؤثرون الخفاء والإبتعاد عن هذا الزخم مما يتمُّ تناقله عبر الوسائط الإجتماعية وبشكل خاص الفضاء الأزرق، ويُفضّلون العمل في صمت والبقاء في الظل لأنّهم يُدركون جيّدًا بأنّهم غير مُستعدين من تعرُّض إنتاجهم الأدبي إلى السّرقة ومُعظمهم يُفضّل النّشر مُباشرة على طرح باكورة أفكاره الإبداعية على الفايسبوك على سبيل المثال.
إنّ هذه الجريمة في حقّ الأدب والإبداع، تؤدّي إلى تحطيم كل ما هو إبداعي وثقافي أصيل، ويُؤدّي بالضرورة إلى إنتاج السّراب وقتل المواهب في مهدها وخلط كلّ الأوراق على المُبدعين الحقيقيين والقرّاء معًا، وبالتّالي الخُروج عن كلّ ما هو عادي وفطري ومألوف. ونصرُخُ في وُجوه هؤلاء، إرحلُوا واتركوا الإبداع الأدبي واختاروا لكُم حرفة أخرى، إتركوا الحرف والكلمة لأصحابها قصد تأصيل إبداع أدبي واعي يحترمُ نفسه بتأكيده لمبدا الإختصاص أولا. إرحلوا لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
بقلم: هــشــام رمــزي