بكل صراحة

العالم العربي والثقوب السوداء

بـكل صـراحـة

سجلت نهاية الألفية الثانية متغيرات جذرية وحركية وسياسية سريعة أفقيا وعموديا، بحيث اعتبرها “فوكوياما” بمثابة نهاية للتاريخ نظرا للحلقات المترابطة التي عجلت بانهيار المعسكر الإشتراكي الذي أصبح أثرا بعد عين بسقوط جدار برلين، هذه الصورة السياسية ذكرتني بالثقوب  السوداء التي عرفها علماء الفلك والفيزياء على أنها إسم للفراغ الذي يحدث جراء تحطم الأجرام السماوية حين تصل إلى نهاية حياتها بحيث أن هذا الفراغ الهائل يصبح بدوره فضاء لا يعرف مداه إلا الله، والتالي فإن هذه الكواكب التي فريسة للثقوب السوداء تتحول بدورها إلى مجرات من حطام لتتلاشى بدورها. هكذا هي نهاية الكواكب، وهكذا أيضا بإمكان الدول والأمم أن تزول وتصبح بدورها ثقوبا سوداء، لكن الفرق بين الكواكب والدول، هو أن هذه الأخيرة قد تصبح لا شيء بفعل دولة أكبر منها قوة في شتى المجالات، وهكذا أصبحت الدولة العثمانية وقبلها إمبراطورية الصين العظيمة أثناء حكم أسرة “شو” وقرطاجة والإمبراطورية الرومانية وفارس وغيرها، لكن هناك أيضا دول مثل العجائز لا تموت بل تغيب عن البصر من بينها الإمبراطورية النمساوية، كما قد تدخل الدول في خانة الثقوب السوداء بفعل فاعل خارجي مثل الغزو الأجنبي مثل ما فعل التتار والمغول، وهناك أيضا النعرات العرقية والطائفية وعلى سبيل المثال ما كانت تسمى بيوغوسلافيا سابقا. الجزائر خلال العشرية السوداء كادت أن تصبح ثقبا أسودا بفعل تكالب الأعداء في الداخل والخارج، لكنها تمكنت من الصمود والوقوف على رجليها لتؤكد للعالم بأنها لن تموت أو يقتلها من يكن لها الحقد والضغينة، بل أثبتت أيضا بأنها تاريخ متجدد لا يقبل الإنصهار أو الإندثار، وكل الخوف أن ما يحدث اليوم في العالم العربي وبشكل خاص منطقة الشرق الأوسط، أن تتحول الكثير من دولها حسب ما تم تخطيطه بما سمي منذ عهد الرئيس الأمريكي بوش بمشروع الشرق الأوسط الجديد، فهل قدر العالم العربي أن تصبح العديد من بلدانه مجرد ثقوب سوداء؟. إنّ العدوان الصهيوني على قطاع غزة أكد هذه الأطروحة فيما ظلت الدول العربية خاصة المُطبّعة في غفلة من أمرها وانخرطت في السيناريو الصهيوني وأصبحت حليفة لها وهي لا تدري بأنها أمام أنياب ضبع شرس سينهشها عاجلا أم آجلا. إن غدا لناظره قريب.

بقلم: رامـي الـحاج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى