تكنولوجيا

الصين تتجه إلى توحيد بنيتها الحوسبية في سباق الذكاء الاصطناعي

الصين تتجه إلى توحيد بنيتها الحوسبية.. تشهد الصين تحولات عميقة في استراتيجيتها الرقمية، حيث تعمل على إنشاء شبكة وطنية موحدة تجمع مراكز البيانات المتفرقة في مختلف أقاليمها، وذلك في إطار مسعى طموح لتعزيز قدراتها في الذكاء الاصطناعي، وتسريع وتيرة المنافسة العالمية في هذا القطاع، ويأتي هذا التوجه في وقت يشهد فيه العالم صراعا متناميا على الموارد الرقمية، وسباقامحمومالتطوير البنية التحتية القادرة على خدمة النماذج الذكية.

 

نمو غير مسبوق في قدرات الحوسبة

أعلنت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات في الصين أن البلاد تمكنت حتى نهاية شهر يونيو من بناء أكثر من 10 ملايين حزمة حوسبية موجهة للذكاء الاصطناعي، وهو ما يمثل زيادة تفوق 30 بالمائة مقارنة بالعام السابق، ويرجع هذا الارتفاع اللافت إلى الاستثمارات الضخمة التي ضختها شركات الاتصالات الوطنية مثل “تشاينا موبايل”، “تشاينايونيكوم”و”تشاينا تيليكوم”، إضافة إلى مساهمة كبريات الشركات التكنولوجية الخاصة على غرار “علي بابا”و”تينسنتوبايدو”.

حيث أدركت هذه الجهات أن امتلاك قوة حوسبية هائلة، يعد الركيزة الأولى لبناء نماذج متقدمة وقادرة على منافسة ما يُنتج في الدول الأخرى.ورغم حرمانها من الوصول إلى أحدث الرقائق الأمريكية، تمكنت الصين من تعزيز أدائها من خلال مزيج يجمع بين الرقائق المحلية والمستوردة، إذ أسست مختبرات متخصصة لاختبار مستوى التواصل بين هذه الشرائح، في محاولة لتجاوز الفجوات التقنية وتحقيق استقلالية أكبر، الأمر الذي جعل خبراء مراكز البيانات يؤكدون أن البلاد وضعت الأساس لمرحلة جديدة قوامها الاكتفاء النسبي في مجال أشباه الموصلات، وهو عنصر حاسم في تدريب وتشغيل النماذج الذكية.

 

بنية تحتية مرنة ومستدامة

تدرك بكين أن سباق الذكاء الاصطناعي لا يعتمد على الخوادم والرقائق وحدها، بل يرتبط أيضا بقدرة الدولة على توفير مراكز بيانات مصممة وفق معايير الاستدامة، فقد شدد خبراء اللجنة الصينية لمراكز البيانات على ضرورة مراعاة عناصر الأرض والطاقة والمياه والمناخ عند التخطيط لبناء هذه المنشآت، حيث يمثل استهلاك الكهرباء والمصادر المائية تحديا أساسيا في ظل تزايد الطلب العالمي على الحوسبة الضخمة، ولهذا باتت الطاقة الخضراء خيارامركزيا في المشاريع الجديدة، ما يعكس سعي الصين إلى الموازنة بين الطموح الرقمي والحفاظ على بيئة أقل تلوثا.

ومنذ تأسيس لجنة مراكز البيانات المفتوحة عام 2014، توسعت عضويتها لتشمل مئات الشركات والمؤسسات المرتبطة بالبنية الرقمية، وقد تحولت هذه اللجنة إلى منصة لتبادل الخبرات ووضع معايير وطنية موحدة، وهو ما منحها مكانة محورية في رسم مستقبل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في البلاد، ومع الإعلان عن خطة “الذكاء الاصطناعي بلس” في أوت الماضي، ارتفع زخم النقاش حول كيفية تحويل الطموحات النظرية إلى إنجازات عملية، خاصة وأن هذه الخطة تركز على تنسيق الموارد وضمان وصولها إلى مختلف القطاعات.

 

الصين تتجه إلى توحيد بنيتها الحوسبية .. سباق عالمي متصاعد

لا يمكن فصل التحركات الصينية عن السياق الدولي، فالولايات المتحدة بدورها أعلنت عن خطط متقدمة لتوسيع مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، ما يجعل المشهد أقرب إلى سباق محموم بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، إذ يعي الطرفان أن مستقبل الابتكار الرقمي يتوقف على امتلاك قوة حوسبية هائلة، ومن هنا يأتي الاهتمام المكثف بإنشاء شبكات قادرة على استيعاب نماذج ضخمة ومعقدة، مع توفير البنية الداعمة للبحث العلمي والتجاري.

ويرى مراقبون أن الصين تحاول من خلال مشروعها الجديد تجاوز القيود المفروضة عليها في سوق الرقائق المتقدمة، وذلك عبر التركيز على بناء منظومة متكاملة تبدأ من الخادم وتنتهي عند المستخدم، وهو ما قد يسمح لها بفرض نموذجها الخاص في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة.

ويؤكد هؤلاء أن بناء شبكة موحدة لا يعني فقط زيادة القدرة الحوسبية، بل يفتح أيضاالمجال أمام مشاركة البيانات وتوزيع الأعباء التشغيلية بشكل أكثر كفاءة، الأمر الذي سيجعل التطبيقات الذكية أكثر انتشارا في مجالات مثل الصناعة والخدمات والبحث العلمي.

بهذا يمكن القول إن الصين ترسم ملامح مرحلة جديدة من تاريخها الرقمي، مرحلة تتجاوز حدود التجزئة نحو شبكة وطنية موحدة، وتعكس إرادة سياسية واقتصادية لتبوء مكانة الريادة في ميدان الذكاء الاصطناعي، وإذا كانت العقبات التكنولوجية لا تزال قائمة، فإن ما تحقق حتى الآن من نمو يعكس أن البلاد لن تتراجع عن سعيها لبناء قوة حوسبية تضاهي بل وتتحدى ما لدى منافسيها.

 ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى