
في إطار الحركة الدورية التي أجراها رئيس الجمهورية، القاضي الأول في البلاد، “عبد المجيد تبون”، في سلك القضاء، تمت ترقية عدد معتبر من القضاة، لاسيما من فئة الشباب الذين أثبتوا كفاءتهم في مختلف التخصصات القضائية، في خطوة تهدف إلى تجديد دماء القطاع القضائي، وتحقيق قفزة نوعية في الأداء وتحسين الخدمة العمومية في قطاع العدالة.
أزيد من 600 قاض مشمول بالحركة السنوية
الحركة التي مست أكثر من 600 قاض على مستوى أبرز المحاكم والمجالس، تندرج في إطار تجسيد التزامات رئيس الجمهورية ببناء عدالة فعالة، نزيهة، وغير منحازة، كما تنسجم مع مشروع بناء الجزائر الجديدة التي ترتكز على سلطة قضائية قوية، يكفل لها الدستور حماية الحقوق والحريات.
وتُعد ترقية الكفاءات القضائية إحدى ركائز هذه الرؤية، عبر منح الفرصة للقضاة الذين أثبتوا جدارتهم، لتحمّل مسؤوليات أكبر وتقلد مناصب أعلى، خاصة في الملفات المعقدة التي تهم الرأي العام.
“نور الدين تريعة”… من قاضي مكافحة الإرهاب إلى وكيل جمهورية
ومن أبرز المستفيدين من هذه الحركة، القاضي “نور الدين تريعة”، الذي تمت ترقيته إلى منصب وكيل الجمهورية الرئيسي بمحكمة حسين داي. وقد بدأ مسيرته كوكيل جمهورية مساعد بمحكمة برج بوعريريج، ثم تولى لاحقًا عدة مناصب بمحاكم الحراش وسيدي أمحمد، حيث عُرف بتوليه ملفات الإرهاب والجرائم الاقتصادية المعقدة.
“تريعة”، الذي كان قاضي تحقيق بالغرفة الثامنة لدى القطب الاقتصادي والمالي، تخصص في قضايا الفساد الكبرى، وبرز كممثل للنيابة في محاكمات بارزة منها “محاكمة القرن” ضد رجل الأعمال “علي حداد” والوزيرين الأولين السابقين “أحمد أويحيى” و”عبد المالك سلال”، إضافة إلى ملفات “الماك” و”رشاد” وحرائق الغابات. ومن بين أبرز القضايا التي تولى التحقيق فيها: فضائح مجمع “إيميتال”، ملف جمركة المركبات بـ7 موانئ، وقضية اللوحات الإشهارية التي تورط فيها مسؤولون سابقون وأقارب للرئيس الراحل “عبد العزيز بوتفليقة”.
“عبد المومن مويسي”… صرامة وكفاءة في تفكيك شبكات الفساد
كذلك، نال القاضي “عبد المومن مويسي”، ترقية إلى منصب وكيل الجمهورية الرئيسي بمحكمة سيدي أمحمد، بعد أن كان يشغل منصب قاضي تحقيق بالغرفة الثالثة لدى القطب الاقتصادي والمالي.
يتمتع “مويسي” بخبرة واسعة في قضايا الفساد منذ استحداث القطب في 2021، حيث تولى ملفات تورط فيها وزراء، ولاة ورجال أعمال. من أبرز الملفات التي تولّاها: قضية “نونو منيطا”، ملف وزير العدل الأسبق “الطيب لوح”، قضية الفساد الانتخابي المرتبطة برئاسيات 2024، والملف المعروف بـ”العلبة السوداء” المرتبط بـ “السعيد بوتفليقة”. كما عرف بدقته في التحقيقات، صلابته في مواجهة الضغوط، وقدرته على تفكيك شبكات الفساد المعقدة، وهو ما أهّله لنيل ثقة السلطات العليا.
ترقية وكلاء الجمهورية المساعدين إلى قضاة تحقيق
وشملت الحركة ترقية عدد من وكلاء الجمهورية المساعدين إلى منصب قضاة تحقيق، نظير ما أظهروه من كفاءة ونزاهة والتزام في أداء مهامهم. ومن بين هؤلاء، “بلقاسم صافية”، الذي تمت ترقيته إلى قاضي تحقيق بالغرفة السادسة لدى القطب الاقتصادي والمالي، بعد مسار مهني دام أكثر من 15 سنة.
عرف “صافية” بإشرافه على ملفات معقدة تتعلق بالفساد، وكان في الصفوف الأمامية في تقديم المتهمين أمام العدالة، حيث أظهر ثباتًا في الأداء تحت مختلف الظروف.
كما تم ترقية “حمزة بولاعة”، وكيل الجمهورية المساعد بمحكمة سيدي أمحمد، إلى منصب قاضي تحقيق لدى نفس المحكمة. وكان بولاعة قد بدأ مساره سنة 2015 بنيابات مجلس قضاء غرداية، وساهم خلال فترات التوتر التي شهدتها الولاية في بسط النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات. ولعب دورًا بارزًا في أرشفة 150 ألف حكم قضائي أصدرها القضاء الفرنسي إبان الحقبة الاستعمارية ضد مجاهدين وثوار، وهو عمل وُصف بالمهم على مستوى الذاكرة الوطنية والعدالة الانتقالية.
تؤكد هذه الحركة القضائية الواسعة أن تجديد النخبة القضائية في الجزائر بات يشكل خيارًا استراتيجيًا، من أجل إرساء قواعد الحوكمة القضائية الرشيدة، وترسيخ استقلالية القضاء، وتحقيق العدالة في ملفات حساسة تمس الشأن العام. كما تعكس هذه الترقيات التزام الدولة بإعطاء المكانة المستحقة للكفاءات الشابة، وتمكينهم من قيادة المرحلة المقبلة في محاربة الفساد وتجسيد دولة القانون.
الهوصاوي لحسن