
في السنوات الأخيرة، احتدم السباق بين عمالقة التكنولوجيا العالميين لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على تغيير وجه العالم الرقمي، حيث تتصدر شركتا “أوبن أي آي” و”غوغل” هذا المضمار.
وتعد أدواتهما الذكية، “شات جي بي تي” و”جيميني”، الأكثر شهرة وتأثيرا، إذ تحوّلتا إلى مرجعين رئيسيين في هذا القطاع المتطور بوتيرة متسارعة. ورغم أوجه الشبه العديدة بينهما، إلا أن لكل منهما نقاط قوة خاصة تجذب نوعًا مختلفًا من المستخدمين.
الذكاء الفوري: ميزة البحث بين الواقع والتصور
في أكتوبر من العام 2024، أطلقت شركة “أوبن أي آي” ميزة جديدة داخل “شات جي بي تي” تُعرف بـ “البحث الفوري”، وهي خاصية تتيح للمستخدمين الحصول على معلومات آنية حول نتائج المباريات، أخبار العالم والأسعار، بالاعتماد على مصادر إعلامية مرموقة مثل وكالة “رويترز” وصحف اقتصادية عالمية، تسعى هذه الميزة لتقديم محتوى موثوق وسريع دون الحاجة للانتقال إلى مواقع أخرى.
في المقابل، تواصل “غوغل” تطوير محرك بحثها الشهير بإدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي لفهم سياق الأسئلة وتقديم نتائج أكثر دقة وشمولية. وعند اختبار كلا الأداة ين لتغطية مباراة رياضية بين فريقي “دنفر ناغتس” و”أوكلاهوما سيتي ثاندر”، أظهرت نتائج “غوغل” تفوقًا ملحوظًا، إذ وفرت صورًا وفيديوهات وتحليلات متنوعة، بينما اكتفى “شات جي بي تي” بتقرير نصي وافٍ لكنه يفتقر للتجربة البصرية المتكاملة.
تجربة التسوق: شمولية “غوغل” مقابل بساطة “شات جي بي تي”
أضافت “أوبن أي آي” ميزة التسوق إلى “شات جي بي تي” في أبريل 2025، ما مكن المستخدمين من البحث عن منتجات، مقارنة الأسعار، ومعرفة التخفيضات والمواصفات الفنية. إلا أن الميزة بقيت محدودة في نسختها المجانية، حيث غابت الصور عن أغلب النتائج، مما أثّر على تجربة الاستخدام الشاملة.
من جهة أخرى، تمتلك “غوغل” تاريخا طويلا في هذا المجال منذ إطلاقها لخدمة التسوق عام 2002. وقد طورتها لتصبح منصة شاملة تقدم تصنيفات دقيقة، فلاتر متعددة، وتجربة بصرية مريحة، ما يمنح المستخدم حرية واسعة في التصفح واتخاذ القرار. وعلى الرغم من أن “شات جي بي تي” خطى خطوة نحو هذا الاتجاه، إلا أن “غوغل” تظل في موقع الريادة بفضل خبرتها المتراكمة.
تحليل المعلومات: العمق مقابل الخيال
مع نهاية عام 2024، أطلقت “غوغل” أداة جديدة باسم “البحث المتعمق” ضمن خدمات “جيميني المتقدّمة”، وهي خاصية تتيح إجراء تحليلات دقيقة للمواضيع العلمية والاجتماعية، مقدمة تقارير شاملة ومرتبة بأسلوب أكاديمي.
وفي المقابل، قدمت “أوبن أي آي” ميزة مشابهة في فبراير 2025 تحت اسم “البحث العميق”، لتكون متاحة لجميع المستخدمين لاحقًا بشكل مجاني لكن ضمن حدود شهرية. عند اختبار الأداتين في سيناريو افتراضي حول “قضاء خمس دقائق على سطح كوكب الزهرة”، تباين الأسلوب بين المنصتين: قدّم “شات جي بي تي” تصورًا بصريًا خياليًا مثيرًا يشبه القصص القصيرة، فيما اعتمد “جيميني” على أسلوب علمي منظم، مدعوم ببيانات دقيقة وتحليل واقعي.
التفاعل الإبداعي: موهبة “شات جي بي تي“
يمتلك “شات جي بي تي” قدرة استثنائية على التفاعل بأسلوب إبداعي وسردي، ما يجعله المفضل لدى الكتّاب، المصممين، وصنّاع المحتوى الذين يبحثون عن أداة تُلهمهم وتساعدهم على تطوير أفكارهم بأسلوب بشري دافئ. كما يشتهر بتقديم إجابات تحاكي الأسلوب البشري، وتنسج الحكايات، وتبني مقاطع الحوار، بل وحتى نظم الشعر. بينما يميل “جيميني” إلى الجانب التقني والمنظم، ويُستخدم بكثرة في الأبحاث، والدراسات العلمية، وإعداد التقارير المتخصصة، ما يجعله الأنسب للمهنيين في مجالات دقيقة كالهندسة، الطب، والعلوم الطبيعية.
المستخدم هو الحكم النهائي
على الرغم من الجدل المتواصل حول أيّ المنصتين هي الأفضل، إلا أن الجواب يظل نسبيًا ويتعلّق باستخدامات كل فرد. إن كنت تبحث عن الإلهام، والحوار التفاعلي، وصياغة القصص أو المقالات، فإن “شات جي بي تي” هو الخيار الأنسب لك. أما إذا كان هدفك هو التنظيم، والدقة، والتحليل المعمّق، فإن “جيميني” من “غوغل” سيخدمك بشكل أفضل.
إنها منافسة لا تهدف لإلغاء أحد، بل لتوسيع الخيارات أمام المستخدمين، وجعل الذكاء الاصطناعي أكثر تنوعًا وشمولاً، بما يلبّي مختلف الاحتياجات والأذواق.
نظرة مستقبلية
في ظل التسارع التقني الهائل، يبدو أن كلاً من “أوبن أي آي” و”غوغل” لن تتوقفا عند ما وصلت إليه اليوم. فمع استمرار التجارب وتطوير الميزات الجديدة، قد تشهد السنوات القادمة تغييرات جذرية في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث تصبح هذه الأدوات جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، سواء في التعليم، الطب، الإعلام، أو حتى الترفيه.