تكنولوجيا

الروبوتات الذكية تحت المجهر: تضاعف الأخبار المضللة يهدد مستقبل الإعلام الرقمي

الروبوتات الذكية .. شهد العام الجاري ارتفاعا مقلقا في حجم المعلومات المضللة التي تنتشر عبر روبوتات المحادثة، إذ خلص تقرير صادر عن مؤسسة متخصصة في تقييم موثوقية الأخبار على الشبكة إلى أن نسبة الادعاءات الكاذبة التي تولدها هذه الأنظمة تضاعفت مقارنة بالعام الماضي، وبيّن التقرير أن الباحثين اعتمدوا في دراستهم على مقياس خاص يتابع كيفية استجابة الروبوتات لمزاعم غير صحيحة سبق توثيق زيفها، وكانت النتائج واضحة، إذ إن عددا من الروبوتات لم تكتف بعدم التصحيح، بل ساهمت في إعادة إنتاج الأكاذيب ونشرها.


 

الروبوتات الذكية .. هذا الارتفاع ليس مجرد رقم إحصائي بل يعكس تحولا في طريقة تفاعل الذكاء الاصطناعي مع القضايا الحساسة، حيث كان من المعتاد أن ترفض الروبوتات سابقا الإجابة على أسئلة تمس الشؤون السياسية أو الأخبار العاجلة لكنها اليوم باتت أكثر انفتاحا في الردود، بعد أن زودتها الشركات المطورة بقدرات واسعة للوصول إلى مصادر متعددة، وهو ما جعلها أقل تحفظا وأكثر عرضة لنقل روايات غير دقيقة خصوصا في أوقات الأزمات التي يكثر فيها تضارب الأخبار.

 

تفاوت في أداء الروبوتات بين الحذر والاندفاع

أظهرت الدراسة أن هناك تفاوتا لافتا بين الروبوتات في تعاملها مع الأخبار المثيرة للجدل، فبينما سجل بعضها نسبا مرتفعة من إنتاج الادعاءات الزائفة اقتربت من 60 بالمئة في حالات محددة كانت أخرى أكثر حذرا ولم تتجاوز نسبتها 20 بالمئة، هذا التباين يعكس اختلافا في فلسفة التصميم والتدريب بين الشركات، حيث اختارت بعض المؤسسات منح الأولوية للإجابة على جميع الاستفسارات بشكل مباشر بينما فضلت أخرى الالتزام بالتحقق وإعادة صياغة المعلومات.

ويشير الخبراء إلى أن هذا التفاوت قد يؤدي إلى تآكل الثقة لدى المستخدمين الذين يجدون أنفسهم أمام روبوتات تعطيهم معلومات متناقضة حول القضية نفسها، وهو ما يخلق حالة من الارتباك ويصعب على المتلقي تحديد مصدر يمكن الركون إليه، ومع أن بعض الروبوتات تحاول الاستشهاد بمصادر، إلا أن ذلك لا يمنعها أحيانا من تمرير أخبار مضللة، خاصة إذا تعلق الأمر بمواضيع عاجلة لم يتم التحقق منها بشكل كاف.

 

الروبوتات الذكية .. التداعيات على مستقبل الإعلام الرقمي

إن مضاعفة نسبة الأخبار الكاذبة عبر الروبوتات ليست مجرد ظاهرة تقنية، بل هي إشارة إلى أزمة أوسع تتعلق بمستقبل الإعلام في العصر الرقمي، فإذا كان المواطن يعتمد على هذه الأنظمة للحصول على المعلومة بسرعة فإن تسلل التضليل إليها يهدد بترسيخ صور مشوهة عن الواقع، وهذا الأمر له انعكاسات خطيرة على النقاش العام والسياسة والصحة وحتى الاقتصاد، حيث يمكن لحملة مضللة أن تزعزع الأسواق أو تؤثر في الرأي العام في ظرف وجيز.

ويرى متخصصون أن الحل لا يكمن في وقف تطوير الروبوتات بل في وضع معايير دقيقة تحكم طريقة تدريبها وتجبرها على الالتزام بأعلى درجات الشفافية، فكما أن المؤسسات الإعلامية تخضع لرقابة مهنية وقانونية فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي تحتاج بدورها إلى آليات محاسبة تضمن عدم تحوّلها إلى أدوات لنشر التضليل، وهذا يتطلب تعاونا بين الشركات المطورة والهيئات التنظيمية والباحثين المستقلين لبناء فضاء رقمي أكثر أمانا.

في النهاية تبدو القضية أبعد من مجرد سباق بين الروبوتات على تقديم الإجابات فهي ترتبط بمسؤولية مجتمعية أوسع، فإما أن يصبح الذكاء الاصطناعي رافعة للمعرفة، وإما أن يتحول إلى قناة إضافية لتضخيم الأكاذيب، والاختيار مرهون بالقرارات التي ستُتخذ اليوم لضبط هذا المجال الذي يتسارع بوتيرة غير مسبوقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى