تكنولوجيا

الرقمنة غير المرخصة

كيف يستخدم الموظفين تقنيات دون علم الإدارة ؟

الرقمنة غير المرخصة….كيف يستخدم الموظفين تقنيات دون علم الإدارة ؟

في ظل تسارع التحول الرقمي داخل المؤسسات الحكومية والخاصة، ظهرت ظاهرة غير متوقعة تهدد سلامة البيانات واستقرار الأنظمة، وهي ما يُعرف باسم الرقمنة الظلية، أي استخدام الموظفين لتطبيقات وأدوات رقمية دون علم أو موافقة الإدارة أو الأقسام التقنية المختصة.

قد تبدو الرقمنة الظلية في ظاهرها سلوكا حميدا، إذ يلجأ الموظف إلى أدوات تسهّل عليه أداء مهامه، كاستخدام برامج تخزين سحابي، أو أدوات لتنظيم المهام، أو حتى تطبيقات خارجية لمعالجة البيانات، وذلك دون الرجوع إلى فريق تقنية المعلومات، إما لتسريع العمل، أو بسبب تعقيد الأنظمة الرسمية، أو بطء الموافقات الداخلية.

لكن هذا السلوك الفردي قد يتحول إلى تهديد حقيقي، لأنه يفتح أبوابًا لاختراقات أمنية خطيرة، ويساهم في تسرب البيانات أو فقدانها، ويجعل المؤسسة عرضة للمساءلة القانونية، خاصة إذا كانت البيانات تتعلق بعملاء أو مستفيدين، كما يُعقّد الرقابة والتحكم في البنية الرقمية للمؤسسة.

تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن نسبة كبيرة من المؤسسات لا تملك صورة واضحة عن حجم الرقمنة الظلية داخلها، بل إن بعض الموظفين قد لا يدركون أنهم يخرقون السياسات التقنية عند استخدامهم أدوات معينة دون تصريح، فهم يرون أنهم “يُنجزون العمل” فقط، دون النظر للعواقب.

ويزداد الأمر تعقيدًا مع الانتشار الواسع للتطبيقات السحابية التي تُستخدم بسهولة وبدون تثبيت مباشر على الأجهزة، مثل تطبيقات تبادل الملفات أو إدارة المشاريع أو تحويل المستندات، حيث يتم استخدامها عبر المتصفح، وغالبًا ما تكون خارج نطاق الرقابة الرسمية.

هذا التوسع غير المنضبط يُضعف من قدرة المؤسسة على حماية بياناتها، كما يؤدي إلى خلق نسخ غير رسمية من ملفات العمل، وقد تُفقد هذه النسخ في حال توقف الخدمة، أو اختراق الحسابات الخاصة بالموظفين، إضافة إلى تضارب المعلومات بين ما هو مُخزن في النظام الرسمي وما هو محفوظ بشكل ظلي.

لمواجهة هذه الظاهرة، على المؤسسات أن تتبنى سياسة واضحة تشمل جانبين، الأول تثقيف الموظفين بشأن مخاطر الرقمنة الظلية، والثاني تقديم بدائل مرنة وعملية داخل النظام المؤسسي، بحيث لا يُضطر الموظف للبحث خارج المنظومة الرسمية، فغياب الحلول العملية يُشجع على اللجوء للطرق غير الرسمية.

كما أن تعزيز التعاون بين الإدارات التشغيلية والأقسام التقنية يُعد خطوة أساسية لضمان بناء بيئة رقمية آمنة ومتوازنة، فبدلاً من فرض القيود الصارمة فقط، يجب أن يُفتح المجال للاستماع لاحتياجات العاملين وتوفير أدوات تلبي تلك الاحتياجات دون المساس بأمن المؤسسة.

الرقمنة الظلية ليست مجرد تصرفات فردية معزولة، بل ظاهرة متنامية تتطلب إدراكًا مؤسسيًا واسعًا، وتوازنًا دقيقًا بين المرونة والأمان، فالمؤسسات الناجحة في المستقبل ستكون هي القادرة على احتواء هذه الظاهرة لا فقط منعها، عبر التوجيه الحكيم والرقابة الذكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى