
في خطوة جديدة ضمن سباق الشركات الناشئة نحو الهيمنة على مجال الذكاء الاصطناعي. أعلنت شركة “هارمونيك” عن إطلاق نسخة تجريبية من تطبيقها الجديد في الذكاء الرياضي الذي يتيح للمستخدمين التفاعل مع روبوت محادثة ذكي يعتمد على نموذج يدعى “أرسطو”.
حيث تم تطوير هذا النموذج خصيصا للتميّز في مجالات التفكير الرياضي المعقّد. ويأتي هذا الإعلان في وقت تشتد فيه المنافسة بين النماذج الرقمية الحديثة التي غالبا ما تتهم بإنتاج إجابات غير دقيقة أو “هلوسات”. ما يضع تطبيق هارمونيك في اختبار حقيقي أمام مستخدميه.
الذكاء الرياضي الخارق… أم وعود مبالغ فيها؟
تصر الشركة المطوّرة للتطبيق على أن “أرسطو” قادر على تقديم استنتاجات دقيقة دون أي انحرافات معرفية. خاصة في المسائل التي تتطلب معالجة رياضية عميقة.
ويستهدف النموذج جمهورًا واسعًا من المختصين في علوم الإحصاء والحوسبة والفيزياء والرياضيات. إذ تسعى “هارمونيك” إلى تقديم تجربة تفاعلية قائمة على التحليل المنطقي الصارم بدلا من الردود العاطفية أو التوليد العشوائي.
غير أن عددا من المتابعين يشكّكون في هذه الوعود نظرا لتجارب سابقة. أظهرت أن حتى أبرز النماذج العالمية تقع أحيانا في فخ الإجابات المغلوطة رغم إمكانياتها الكبيرة.
وتحاول الشركة الترويج لمفهوم “الذكاء الرياضي الخارق” كحلٍّ لمشكلة الهلوسة المتكررة في برامج الذكاء الاصطناعي. معتبرة أن تطبيقها سيكون الأداة الأولى التي تتحقق اليًا من صحة النتائج التي يقدمها النموذج في مجالات رياضية دقيقة.
وبحسب تصريح مؤسس الشركة، فإن النموذج الجديد ليس مجرّد مجيب تلقائي بل يشبه “مفكّرًا آليًا” يخضع الاستنتاجات لتحليل منطقي قبل إصدار الحكم.
مزايا تقنية لا تغني عن الحذر
التطبيق الجديد سيتوفر على الهواتف المحمولة كما تخطط الشركة لاحقًا. لإطلاق نسخة موجهة لمتصفحي الحواسيب، إضافة إلى واجهة خاصة بالشركات التي ترغب في دمج النموذج داخل أنظمتها التحليلية. ورغم هذا التوسع التقني إلا أن الإشكال الأكبر يبقى مرتبطا بمسألة “الموثوقية”.
فبحسب تقارير محايدة. لا يزال من المبكر الحكم على مصداقية النموذج دون تجريبه على نطاق واسع. خاصة أن مشكلة “الهلوسة” لم تحل بعد حتى لدى النماذج الأكثر تطورا عالميا.
ويأتي إعلان هارمونيك في وقت ظهرت فيه عدة تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لدعم الحياة اليومية، على غرار تطبيق “ريبلكا” الذي يقدّم تفاعلات عاطفية واجتماعية. و”بيبر” الذي يُستخدم في الاستشارات المدرسي.
و”بلو” الذي يعنى بالتحفيز الذهني، حيث تظهر هذه التطبيقات تنوع استخدام الذكاء الاصطناعي بين المجال النفسي والتعليمي والرياضي. لكنها تشترك جميعها في نقطة الضعف ذاتها: محدودية الفهم الحقيقي للمعنى البشري العميق.
اختبار الأولمبياد… تفوّق رقمي أم خدعة لغوية؟
أبرزت الشركة في بيانها الصحفي أن نموذج “أرسطو” حاز على الميدالية الذهبية في المسابقة الدولية للرياضيات لهذا العام. وهو إنجاز اعتبرته دليلا على كفاءته الحسابية. إلا أن متابعين أوضحوا أن هذا النجاح تم وفق “اختبار الي مهيكل” وليس من خلال تفاعل طبيعي أو لغة بشرية.
ما يضعف من مصداقية الإنجاز في نظر البعض. خصوصًا أن مؤسسات كبرى مثل “أوبن اي” و”غوغل”، سبق وأن نالت جوائز مماثلة ولكن عبر نماذج غير رسمية.
ويتفق خبراء أن قدرة أي نموذج ذكي على التميز في اختبار رياضي لا تعني بالضرورة أهليته لتقديم خدمة يومية موثوقة للعموم. فالفجوة بين “الكفاءة الرياضية” و”الذكاء العاطفي” لا تزال واسعة.
ومن المرجّح أن تبقى هذه الفجوة قائمة حتى تصمّم النماذج بطريقة تحاكي التعقيد الإنساني بدلًا من محاكاة منطق المعلومة فقط.
ورغم أن تطبيق “أرسطو” يأتي في وقتٍ تتعاظم فيه الحاجة إلى أدوات تحليل دقيقة. إلا أن الثقة الكاملة به ما تزال مشروطة بتجارب المستخدمين على المدى الطويل.إذ لا يمكن اعتبار أي نموذج آلي متكاملا ما لم يخضع لاختبارات صارمة في بيئات واقعية تتضمّن تنوعا معرفيا وثقافيا وسياقيا، وهو ما يُشكل التحدي الأكبر لهذا التطبيق الواعد.
بن عبد الله ياقوت زهرة القدس