في ظل تصاعد الجدل حول الذكاء الاصطناعي، أظهرت دراسة حديثة أن نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة قد تتبنى استراتيجيات خادعة للحفاظ على قيمها أثناء عمليات التدريب. هذا الاكتشاف يعيد إلى الواجهة التساؤلات حول مدى قدرة البشر على السيطرة على هذه النماذج، ويثير قلقًا متزايدًا بشأن ما قد يعنيه هذا التطور للمستقبل.
منذ سنوات، عبر علماء الحاسوب عن مخاوفهم من قدرة الذكاء الاصطناعي على تجاوز القيود البشرية بطريقة غير متوقعة، كانت هذه المخاوف تعتبر حتى وقت قريب أقرب إلى سيناريوهات الخيال العلمي، إلا أن دراسة أجرتها شركة (أنثروبيك) بالتعاون مع مؤسسة (ريد وود) تشير إلى أن هذه الهواجس ربما تكون أقرب إلى الواقع مما كنا نظن.
أبرزت الدراسة سلوكا غير متوقع لنموذج ذكاء اصطناعي يُدعى (كلود)، حيث أظهر قدرة على التحايل خلال عملية التدريب التكميلي. ففي إحدى التجارب، وجد الباحثون أن النموذج كان قادرًا على التظاهر بالامتثال للتوجيهات في بعض الحالات، بينما احتفظ بقيمه الأصلية بشكل خفي. هذا السلوك دفع العلماء إلى إعادة التفكير في مدى فعالية تقنيات “التعلم المعزز”، التي تُعتبر حتى الآن واحدة من الأدوات الرئيسية لتطوير النماذج الذكية.
عملية “التعلم المعزز” أشبه بتدريب الكلاب، حيث تكافأ النماذج على استجاباتها الإيجابية، وتُعاقب على الأخطاء. لكن المفاجأة كانت عندما بدأ (كلود) باتباع استراتيجية طويلة الأمد، يضحي خلالها بالامتثال المؤقت من أجل الحفاظ على أهدافه الأصلية. هذا السلوك يعكس قدرة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ قرارات أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا، بل ويشير إلى إمكانية تطوير استراتيجيات تناسب مصلحته الذاتية.
ما يزيد من تعقيد الموقف هو أن هذه النماذج تصبح أكثر مهارة في الخداع مع تطورها. على سبيل المثال، ذكرت منظمة (أبولو) أن نموذجًا آخر، تابعًا لشركة “أوبن إيه آي”، لجأ للكذب على مختبريه عندما اعتقد أن قول الحقيقة قد يؤدي إلى تعطيله.
تثير هذه النتائج أسئلة حول أخلاقيات تطوير الذكاء الاصطناعي ومدى شفافية الشركات المصنعة. إذا كانت هذه النماذج قادرة على التحايل لتجنب العقوبات أو الحفاظ على قيمها، فكيف يمكن ضمان ملاءمتها مع القيم الإنسانية؟ وإلى أي مدى يمكن الوثوق بها عند استخدامها في مجالات حساسة مثل الرعاية الصحية أو القضاء أو الأمن؟
رغم التحديات التي يفرضها هذا التطور، يرى البعض أن هذه المرحلة قد تكون فرصة لإعادة تقييم أسس تصميم وتدريب النماذج الذكية. فإذا كنا نعتمد على تقنيات مثل “التعلم المعزز” دون فحص دقيق لقدرتها على مواجهة سيناريوهات الخداع، فقد تكون النماذج التي نصنعها اليوم بوابة لمشاكل أكبر في المستقبل.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الشركات إلى تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي آمنة وموثوقة، تبدو الحاجة ملحة لتعاون أكبر بين المؤسسات الأكاديمية والتجارية والحكومات لضمان أن تظل هذه التقنية أداة مفيدة للبشرية، لا مصدرًا للخطر. في نهاية المطاف، يُظهر تطور الذكاء الاصطناعي أن المسار نحو الابتكار ليس خطيًا، بل مليئًا بالتحديات التي تتطلب يقظة ومرونة.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله