الحدث

الذكاء الاصطناعي يُحسّن سلامة الغذاء ويطوّر أساليب التغذية

في ظل التسارع المتواصل في تطور التقنيات الرقمية برز الذكاء الاصطناعي كقوة دافعة لإحداث تحول نوعي في قطاعات عديدة وكان من أبرزها قطاع الغذاء الذي يمسّ حياة البشر بشكل يومي حيث تجاوز استخدامه المهام الحسابية والتقنية التقليدية ليصبح جزءًا أساسيًا في تحسين سلامة الغذاء وجودته وتطوير أنماط التغذية بصورة أكثر تخصيصًا وفعالية.

 نقلة في مواجهة الأمراض المرتبطة بالغذاء

من أبرز التحديات التي يواجهها العالم المعاصر انتشار الأمراض المنقولة عن طريق الطعام والتي تؤثر على مئات الملايين من الأشخاص سنويًا حيث تشير التقديرات الدولية إلى إصابة شخص واحد من كل عشرة أفراد حول العالم بسبب تناول طعام ملوث وتصل الوفيات الناجمة عن هذه الأمراض إلى مئات الآلاف سنويًا وهو ما يجعل الحاجة ملحة إلى أدوات أكثر كفاءة واستجابة لحماية صحة الناس.

يعتمد النظام التقليدي للرقابة على الغذاء على وسائل بطيئة ودقيقة لكنها غير قادرة على مواكبة متطلبات السرعة والحجم في سلاسل الإمداد الحديثة لذلك جاء الذكاء الاصطناعي ليقدم بديلاً مرنًا ودقيقًا يساعد على تحليل المخاطر وتوقع احتمالات التلوث في الأغذية قبل أن تصل إلى المستهلكين حيث تعمل أنظمة ذكية على تحليل تركيبة المنتجات وظروف التخزين مثل درجة الحموضة ونسبة الرطوبة ونسبة الأملاح لتحديد ما إذا كانت البيئة مهيأة لنمو بكتيريا خطيرة مثل الليستيريا التي تشكل خطرًا كبيرًا على صحة الفئات الضعيفة من السكان.

كما تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراحل الزراعة الأساسية عبر استخدام مجسات دقيقة تقوم بقياس خصائص التربة ومتابعة درجة الحرارة والرطوبة ومن ثم توظيف هذه البيانات في نماذج تحليلية تتوقع أفضل توقيت للري أو التسميد مما يقلل من فرص نمو الجراثيم ويوفر المياه ويحسّن جودة المحاصيل بشكل عام ويقلل من التأثيرات البيئية السلبية للممارسات الزراعية التقليدية.

ولا يتوقف دور الذكاء الاصطناعي عند الحقول فقط بل يتعدى ذلك إلى مراحل ما بعد الحصاد حيث تُراقب أنظمة ذكية ظروف النقل والتخزين في الوقت الفعلي بما يتيح التحكم بدرجات الحرارة المناسبة وتقليل نسب التلف الناتج عن الظروف غير المثالية وهو ما يسهم في تقليل نسبة الهدر الغذائي ويحسن استدامة سلاسل التوريد الغذائية.

 نحو أطعمة صحية وفعّالة: تطور في التصنيع الغذائي

إضافة إلى دوره في حماية الأغذية من التلوث فإن الذكاء الاصطناعي يُستخدم اليوم في تطوير نوع خاص من المنتجات الغذائية المعروفة بفوائدها الصحية والتي أصبحت مطلوبة على نطاق واسع نتيجة التغيرات في أساليب الحياة وتزايد أمراض العصر مثل السمنة والسكري والضغط وأمراض القلب حيث تسعى شركات التغذية إلى تصنيع أطعمة تحمل قيمة علاجية إلى جانب فائدتها الغذائية.

يسهم الذكاء الاصطناعي في هذا المجال من خلال تقليص الوقت اللازم لاكتشاف المركّبات الغذائية ذات الفاعلية في دعم صحة الإنسان حيث تُستخدم أدوات تحليلية قادرة على فحص آلاف المركبات النباتية وتحديد الأنواع التي تملك خصائص علاجية مثل دعم التمثيل الغذائي أو مقاومة الالتهابات أو تحسين الصحة الذهنية ومن ثم إدماجها في تركيبات غذائية مبتكرة.

كما تُستخدم النماذج الحاسوبية لتوقع تفاعل هذه المركّبات مع مكونات أخرى داخل المنتجات وتحديد ما إذا كانت ستحافظ على استقرارها الغذائي والذوقي بمرور الوقت وهو ما يساعد في تجنّب التجارب الطويلة والمكلفة في المختبرات التقليدية وبالتالي تسريع إنتاج أطعمة فعالة تتوافق مع أذواق المستهلكين واحتياجاتهم الصحية المتعددة.

وقد ساهم هذا التقدم في ارتفاع التوقعات لنمو سوق الأغذية المدعّمة بشكل كبير خلال السنوات القادمة مدفوعًا بطلب متزايد من فئات عمرية مختلفة تسعى إلى نمط حياة صحي دون التضحية بالطعم أو الراحة في التحضير وهو ما يجعل من الذكاء الاصطناعي أداة حاسمة في هذا التحول.

 تغذية شخصية بتقنيات ذكية

 مع إدراك الأطباء والعلماء أن التغذية المثالية تختلف من شخص إلى آخر بدأت الأنظمة الصحية والغذائية تتوجه نحو تخصيص الحميات الغذائية وفقًا لاحتياجات كل فرد وذلك من خلال تحليل البيانات الحيوية ونمط الحياة لتقديم توصيات دقيقة بدلًا من النصائح العامة التي قد لا تناسب الجميع وهو توجه يدعمه الذكاء الاصطناعي بقوة متزايدة.

تعتمد أنظمة التغذية الشخصية على جمع وتحليل بيانات مثل نسب السكر في الدم وأنماط النوم والنشاط البدني وحتى التكوين الوراثي من أجل صياغة خطط غذائية مخصصة تساعد الفرد في الوصول إلى صحته المثالية أو الوقاية من أمراض مزمنة قد يكون عرضة لها في المستقبل مثل السكري وأمراض القلب.

وفي هذا الإطار تعمل التطبيقات الذكية على مراقبة تأثير كل وجبة يتناولها الشخص من خلال أدوات غير تداخلية مثل تحليل صور الطعام أو تتبع عادات الأكل وتقوم هذه الأنظمة بتقديم تنبيهات وتوجيهات مبنية على التفاعل الفوري بين الطعام والجسم مما يجعل الفرد أكثر وعيًا بتأثير اختياراته اليومية ويمنحه فرصة اتخاذ قرارات غذائية مدروسة دون الحاجة إلى استشارات متكررة.

كما أن هذه الأدوات الذكية قد تُستخدم في اكتشاف بعض الحالات المرضية المبكرة مثل مرحلة ما قبل السكري من خلال أنماط التغيرات في استجابة الجسم للوجبات وهو ما يُعد إنجازًا طبيًا يساعد في تقليل الحاجة إلى تدخلات علاجية لاحقة من خلال الاعتماد على التغذية الوقائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى