تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يحرس الفن من الزيف ويُعيد له الحياة

لم يعد التزييف في عالم اللوحات الفنية يمرّ مرور الكرام كما كان في الماضي، فمع تطور التقنية، وتحديدًا الذكاء الاصطناعي، بات من الممكن تفكيك أسرار اللوحات وتحليل تفاصيلها الدقيقة للكشف عن صدقها أو زيفها. في زمن تسود فيه التجارة الإلكترونية وتنتشر النسخ المقلدة، أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة حارس جديد للفن، يسبر أغوار الخطوط والألوان ويقارنها بتوقيعات الفنانين الأصليين التي لا يمكن تقليدها بدقة.

 

ضربات الفرشاة لا تكذب

تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة في فحص اللوحات على تقنيات دقيقة لتحليل ضربات الفرشاة، فلكل فنان بصمته الخاصة في تحريك يده، واتجاه الشعيرات، وكثافة اللون.

وقد استطاعت فرق بحثية في جامعات مرموقة تطوير برامج تقوم بتفكيك اللوحة إلى آلاف العناصر، وتدريب النظام الذكي على التعرّف إلى نمط كل فنان.وهكذا، يصبح من الممكن كشف اللوحات المزيفة حتى إن كانت تقليدًا دقيقًا يصعب تمييزه بالعين المجردة.

 

منصات البيع تحت الرقابة

من أبرز الأمثلة على تطبيق هذه التقنية، ما حدث على إحدى أكبر منصات التجارة الإلكترونية، حيث اكتشفت خبيرة في توثيق الأعمال الفنية عشرات اللوحات المعروضة للبيع يُشتبه في زيفها، من بينها قطع منسوبة لأسماء مشهورة عالميًا. وبعد إجراء تحليل دقيق باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، تبيّن أن بعض هذه اللوحات غير أصلية، مما دفع المنصة إلى حذفها واتخاذ إجراءات إضافية لحماية المشترين. وتعكس هذه الحالة أهمية الذكاء الاصطناعي في حفظ سمعة الفن ومنع التلاعب بثقة الناس.

ولا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على كشف الزيف، بل يتجاوز ذلك إلى الترميم واستعادة الأعمال الفنية التي أتلفها الزمن. فقد طور طالب هندسة تقنية جديدة تعتمد على تصوير العمل الفني بدقة عالية، وتحليل المناطق المتضررة، ثم إعادة تشكيلها رقميًا بصورة تتناغم مع الأصل. بعد ذلك، يتم طباعة هذه الإضافات على طبقات شفافة تُثبت فوق اللوحة الأصلية دون إتلافها، ما يسمح بإزالتها لاحقًا إذا اقتضت الحاجة، وكل ذلك بدقة مذهلة ووقت قصير مقارنة بالطرق اليدوية التقليدية.

 

الفن والتقنية في تحالف جديد

ما يحدث اليوم هو شراكة جديدة بين الحس الجمالي والذكاء الاصطناعي، هذه الشراكة لا تلغي دور الإنسان، بل تعززه، إذ تمنح المرممين والباحثين أدوات جديدة تساعدهم على فهم أفضل للأعمال الفنية وتاريخها. كما تسمح لمتاحف العالم بالتحقق من مقتنياتها بوسائل علمية، وتمنع مرور التزوير باسم الإبداع. فالفن ليس فقط خطوطًا وألوانًا، بل قصة، هوية وتاريخ، والذكاء الاصطناعي بات جزء من هذه القصة، يدافع عنها ويحافظ على صدقها.

مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة، يبدو أن الفن أيضًا وجد حليفًا لا يُستهان به. لم تعد اللوحات تُقيَّم فقط بالعين أو بالشهادات الورقية، بل صارت تخضع لاختبارات معقدة تنقب في أعماقها بحثًا عن الصدق. وفي عالم تتسارع فيه تقنيات التزييف، يصبح الاعتماد على أنظمة ذكية أداة ضرورية لصون التراث الإبداعي من التلاعب، وضمان وصول الأجيال القادمة إلى فن حقيقي، لم يُزيفه الزمان ولا الطمع.

بن عبد الله ياقوت زهرة القدس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى