تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يجتاح الموسيقى ويركّب أغاني

مستنسِخاً أصوات الفنانين ويترك بصمات واضحة

فيروز تغنّي “يا مرايتي” لإليسا… “أمنتك الله” لعبّاس إبراهيم و”إنت معلم” لسعد لمجرّد يؤدّيها الفنان محمد عبده… أصالة تقدّم “أسعد واحدة” بصوتها… نانسي عجرم وإليسا تلتقيان في ديو وتقدّمان مجموعة من أغاني السيدة فيروز… هذا جزء صغير من عناوين لفيديوهات تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها منصة “تيك توك” وموقع “يوتيوب”.

لا شيء حقيقياً في تلك الفيديوهات؛ لم يجتمع الفنانون في ديوهات ولم يستعيروا من أرشيف زملائهم، فالأصوات مركّبة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن خلال مواقع إلكترونية وتطبيقات موجودة بالمئات وبمتناول الجميع لتسهيل المهمة. يسحب هواة التكنولوجيا البصمة الصوتية لفنانٍ معيّن، ويركّبونها على ما يشاءون من أغانٍ لفنانين سواه. حتى إن عدداً من تلك التركيبات الموسيقية المرتكزة إلى الذكاء الاصطناعي أعادت بعض الأصوات إلى الحياة ضمن أعمال جديدة، مثلما حصل مع عبد الحليم حافظ الذي انضمّ “افتراضياً” إلى عمرو دياب فغنّيا معاً “ما يتحكيش عليها”، والأمثلة لا تُحصى لتَكاثرِها خلال الأشهر القليلة الماضية.

صمت مطبق من الفنانين

ذهبت الأمور أبعد من إحياء الفنانين الراحلين صوتاً، فغنّت ريهانا “أبيك جنبي الليلة” لنوال الكويتيّة، فيما أدّت لانا دل راي “ذاك الغبي” لأصالة! يبقى أغرب من كل ما سبق، أن الفنانين لم يعترضوا على استخدام أصواتهم وأغانيهم في غير موضعها ومن دون استئذانهم ولا موافقتهم. يفسّر المؤلّف والمنتج الموسيقي جان ماري رياشي صمت الفنانين حيال الموضوع، قائلاً:” أعتقد أنهم لم يأخذوا موقفاً علنياً بعد، لأن الأمور ما زالت في إطار التجارب، ولأن الأغاني المركّبة من أصواتهم بواسطة الذكاء الاصطناعي نوعيتها سيئة جداً». ويتساءل الفنان اللبناني:” إلى مَن سيعترضون؟ وضدّ مَن سيشتكون؟ الذين يقفون خلف هذه الأعمال غالباً ما يكونون مجهولي الهويّة”. ليست الحالة مختلفة في الغرب ولا أكثر انضباطاً، حيث استولى الذكاء الاصطناعي على أصوات معظم نجوم الأغنية الأميركية مثل مايكل جاكسون، وآريانا غراندي، وكانييه وست وغيرهم. بعد 14 سنة على وفاته، ها هو جاكسون يقدّم إحدى أغاني “ذا ويكند”». أما الـDJ  العالمي دافيد غيتا فقد استحضر صوت مغنّي الراب الشهير إمينيم في إحدى حفلاته بواسطة الذكاء الاصطناعي.

موقف منصات بث الموسيقى

إلا أن الديو الذي أحدث الضجة الأكبر عالمياً، فهو ذاك الذي جمع بين دريك وذا ويكند، تحت اسمٍ وهميّ هو (ghostwriter – كاتب الشبح)، حيث نشر صانع محتوى مجهول أغنية سمّاها (Heart on my Sleeve)، وضمّت المغنيَين العالميين في ديو افتراضي يستنسخ صوتَيهما. جمعت هذه الأغنية المركّبة 15 مليون مشاهدة على (تيك توك) و600 ألف استماع على منصة (سبوتيفايّ) إلى أن نجحت مجموعة (يونيفرسال) للموسيقى في حذفها من على المنصتين. والتزاماً منها بمكافحة هذا النوع من المحتوى، أعلنت منصة البث الموسيقي العالمية (سبوتيفاي) عن التزامها حذف جميع مقاطع الموسيقى المعتمدة على تجارب الذكاء الاصطناعي، والتأكد من عدم حصول أصحابها على مقابل مادي من جانبها، تؤكد مديرة تسويق المحتوى في منصة (أنغامي) سلام كميد:” أن منصة البث الموسيقي الرائدة في العالم العربي تعارض الاستخدام التعسّفي لأصوات الفنانين بهدف صناعة محتوى”. وتضيف أنهم في الشركة يبذلون ما في وسعهم لإزالة تلك الأغاني المركّبة. إلا أن كميد تلفت في المقابل إلى “زاوية أخرى تنظر من خلالها (أنغامي) إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في الموسيقىّ، شارحةً أن المنصة تبحث دائماً عن طرق ووسائل تتيح أمام الفنانين استخدام أصواتهم مع الذكاء الاصطناعي لابتكار أغانٍ خاصة بهم، «الأمر الذي يدفع بالإنتاج الموسيقي وصناعة المحتوى إلى الأمام”.

ترند بلاستيكية

يضع جان ماري رياشي موجة الموسيقى والذكاء الاصطناعي في خانة (الترند البلاستيكية). لا يخشى من أن تتحوّل إلى العرف السائد، غير أنه لا يخفي قلقه من تعاطي شركات الإنتاج معها؛ “قد تفضّل شركات الإنتاج الـAI  على الأعمال التي نتعب شهوراً في إعدادها. يغريهم ما هو أسرع وأقل كلفةً”، يقول رياشي. الأولوية بالنسبة إليه هي لتصويب الأمور وعدم الانبهار بأمرٍ “لا شيء مبهراً فيه ولا يخترع البارود، بل يرتكز إلى داتا جمعها الإنسان على مرّ السنوات”، وفق تعبيره. ويعلّق رياشي:” الموسيقى في هذه المقاطع الصوتية والفيديوهات الرائجة ليست جميلة، وهي مجرّدة من الإحساس والذَوق، أما الأصوات فمصطنعة وrobotic.” وفي حديث حذّر الفنان العالمي ستينغ من “معركة ستدور خلال السنوات المقبلة بين الذكاء الاصطناعي والمدافعين عن رأس المال البشري”. إلا أن الملحّن والمغنّي البريطاني سرعان ما أوضح أن أدوات تلك التقنية الحديثة مفيدة، شرط أن يقودها البشر بالشكل الصحيح. يتلاقى رأي ستينغ مع انطباع رياشي الذي يقول:” أنا كموسيقي صارت لديّ أداة جديدة وسريعة بين يديّ ولا يمكنني نكران وجودها. فعلى سبيل المثال، وبعد يوم متعب من العمل في الاستوديو، لا مانع من استشارة ChatGPT في اقتراح كلام أغنية أو مجموعة من الإيقاعات”. لكن وفق رياشي، فإن هذا لا يعني استنساخ الأفكار، بل تحويلها بشكل فنّيّ. يشدّد رياشي على ضرورة التمييز بين الذكاء الاصطناعي بيَد المؤلّفين والمنتجين الموسيقيين المحترفين، وفي هذه الحال يكون أداةً جيّدة، لكنه يتحوّل إلى أداة سيّئة وهدّامة عندما يقع في يد الطارئين على المهنة والذين لا موهبة لديهم، وفق تعبيره.

ق.ح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى