تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي في قلب الجغرافيا السياسية: أبرز مخرجاتVivaTech” 2025″

تحوّلت العاصمة الفرنسية باريس، على مدار يومين، إلى مركز عالمي نابض بالابتكار، باستضافتها معرض فيفاتيك 2025، الذي بات يشكّل إحدى أبرز المنصات الأوروبية لمناقشة مستقبل التكنولوجيا. وقد طغى الذكاء الاصطناعي على أجواء النقاشات، كاشفًا عن تحوّله من مجرد أداة علمية واقتصادية إلى ركيزة أساسية في موازين القوة والسيادة الدولية.

 

مراكز البيانات من أجل السيادة الرقمية

 في إعلان لافت، كشف الرئيس التنفيذي لشركة “إنفيديا“، جنسن هوانغ، عن خطة استراتيجية لإنشاء مئتي مركز بيانات ضخم في القارة الأوروبية، بهدف الاستجابة للطلب المتزايد على الحوسبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. وقد أعلن عن شراكات مع شركات فرنسية رائدة مثل “ميسترال للذكاء الاصطناعي”، بهدف استخدام شرائح “بلاكويل” المتطورة، التي توفّر قدرة فائقة على معالجة البيانات.

وستُوزّع هذه المراكز بين فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، فنلندا، والمملكة المتحدة، في خطوة تُعدّ بمثابة إعلان أوروبي نحو الاستقلال التكنولوجي، بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية أو الصينية، وسط مطالب متزايدة بسنّ أطر تنظيمية تضمن حماية الخصوصية وتعزز مفهوم السيادة الوطنية الرقمية.

لم تقتصر ملامح التسييرالجيوسياسي على إعلانات الشركات الكبرى، بل عبّر عنها بوضوح مسؤولون أوروبيون خلال مداخلاتهم، حيث بات يُنظر إلى البيانات والخوارزميات على أنها أدوات سيادية، لا تقل أهمية عن الجيوش أو الصناعات الثقيلة.

وقد شهد المعرض مشاركة أكثر من 50 دولة عبر أجنحة رسمية، بما في ذلك مشاركات أولى من دول مثل السعودية، نيجيريا، ألبانيا، ولبنان، ما يعكس تحوّل “الجغرافيا الرقمية” إلى ساحة تنافس عالمية تتجاوز القوى التقليدية.

 

الشركات الناشئة: أوروبا تعيد صياغة الابتكار

 خصص معرض فيفاتيك مساحة واسعة للشركات الناشئة، حيث شاركت نحو 2500 شركة قدّمت حلولًا في مجالات الذكاء الاصطناعي الصحي، والروبوتات الاجتماعية، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة. وقد أظهرت دراسة استقصائية داخل المعرض أن 85 بالمائة من هذه الشركات تخطط لزيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي خلال العام الجاري.

كما أُطلقت مبادرات لدعم الابتكار المحلي من خلال إنشاء صناديق تمويل خاصة بالأقاليم، وتأسيس حاضنات أعمال في المدن الصغيرة، في إطار ما يُعرف بسياسة “التكنولوجيا الموزعة”، الهادفة إلى كسر مركزية الابتكار وإتاحته على نطاق أوسع داخل المجتمعات.

في كلمته خلال المعرض، وصف هوانغ الذكاء الاصطناعي بأنه “المُعادل الأعظم”  في العالم، مؤكّدًا قدرته على تمكين الدول الصغيرة والناشئة من تحقيق قفزات نوعية في الابتكار. لكنه في الوقت ذاته، أطلق تحذيرًا صريحًا من خطر تأخر أوروبا في الاستثمار في البنية التحتية والتنظيم القانوني، مشيرًا إلى أن “السيادة التكنولوجية لا تُمنح، بل تُنتزع”.

لم يكن معرض فيفاتيك هذا العام مجرد منصة لاستعراض الابتكارات أو عرض الروبوتات، بل تحوّل إلى منبر لصياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي كقضية جيوسياسية، لقد أكدت التصريحات والمبادرات أن السيادة الرقمية لم تعد ترفًا، بل ضرورة وجودية وأمنية، وأن ملامح القوة العالمية الجديدة ستُرسم وفق من يتحكم في الخوارزميات ومراكز البيانات، لا في عدد الجنود أو حجم الأساطيل.

ومع إسدال الستار على فعاليات المعرض، بدا واضحًا أن أوروبا قررت ألا تبقى في موقع المستهلك، بل تسعى لتكون شريكًا فاعلًا في رسم خريطة التوازن التكنولوجي العالمي.

إعداد :ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى