
الذكاء الاصطناعي في السينما.. في خطوة غير مسبوقة تهدد بإعادة رسم ملامح صناعة السينما العالمية، أعلنت إحدى الشركات المتخصصة في تقنيات الذكاء الاصطناعي عن إنتاج أول فيلم رسوم متحركة طويل يعتمد اعتمادا شبه كامل على هذه التقنية، حيث يهدف المشروع إلى إثبات أن الذكاء الاصطناعي قادر على إنجاز أعمال فنية ضخمة بسرعة قياسية وتكلفة منخفضة، وهو ما قد يشكل نقطة تحول تاريخية في علاقة الفن السابع بالتكنولوجيا الحديثة.
تجربة جريئة قد تغيّر قواعد اللعبة
الفيلم المرتقب الذي يحمل عنوانا أوليا “كريترز”، يروي قصة مجموعة من كائنات الغابة التي تواجه اضطرابا كبيرا في قريتها نتيجة ظهور دخيل غامض، وقد استوحيت فكرته من رسومات أولية أنجزها المبدع تشاد نيلسون قبل 3 سنوات مستخدما أدوات توليد الصور، ثم تطورت الفكرة لاحقا لتصبح مشروعا سينمائيا متكاملا تتولى تنفيذه فرق إنتاج في لندن ولوس أنجلوس، على أن يتم عرضه العالمي الأول في مهرجان كان السينمائي العام المقبل إذا اكتملت جميع مراحل إنجازه بنجاح.
ويمثل هذا المشروع محاولة لإثبات أن تقنيات الذكاء الاصطناعي، قادرة على تقليص مدة إنتاج فيلم رسوم متحركة من 3 سنوات إلى 9 أشهر فقط، في حين أن ميزانيته المتوقعة لن تتجاوز 3 مليون دولار، وهو مبلغ يقل بكثير عن كلفة الأفلام المماثلة التي تنتجها استديوهات هوليوود الكبرى، الأمر الذي يفتح المجال أمام فاعلين جدد في مجال السينما كانوا في السابق عاجزين عن دخول هذا الميدان بسبب التكاليف الباهظة.
ولا يقتصر الأمر على توليد الصور فحسب، بل يشمل استخدام أدوات لغوية قادرة على صياغة حوارات وتطوير سيناريوهات، فيما يتولى ممثلون حقيقيون أداء أصوات الشخصيات، ما يجعل التجربة مزيجا بين الإبداع البشري والقدرات الحسابية للآلات، وهو ما يثير أسئلة كبرى حول طبيعة الفن، إذا أصبحت الآلة شريكا رئيسيا في صناعة الأفلام.
الذكاء الاصطناعي في السينما .. بين الحلم والمخاطر
المشروع يثير اهتماما واسعا لأنه يأتي في وقت بدأت فيه شركات الترفيه الكبرى مثل ديزني ونتفليكس تجريب أدوات الذكاء الاصطناعي في مراحل محدودة من أعمالها، غير أن الجديد هنا أن الفيلم يعتمد بشكل شامل على هذه التقنية منذ بدايته وحتى إنتاج نسخته النهائية، وهو ما يجعل منه اختبارا حقيقيا لمستقبل صناعة السينما في العالم.
غير أن هذه الخطوة لا تخلو من مخاطر، فقد عبّرت نقابات الممثلين والكتّاب عن قلقها الشديد من أن يؤدي الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي إلى تقليص فرص العمل البشرية، خاصة أن سرعة الإنتاج وتدني التكاليف يشكلان إغراء كبيرا لشركات السينما الباحثة عن أرباح أعلى، ومع ذلك فإن الأصوات المؤيدة ترى أن التقنية ستفتح الباب أمام مبدعين جدد كانوا يفتقرون إلى الإمكانات المادية للدخول في هذا المجال.
كما يواجه المشروع تحديات قانونية وأخلاقية مرتبطة بحقوق الملكية الفكرية، إذ رفعت بالفعل دعاوى قضائية ضد بعض الشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي بتهمة نسخ محتوى محمي، ومن المرجح أن تتواصل هذه المعارك القضائية في حال حقق الفيلم نجاحا واسعا، وهو ما قد يرسم حدودا جديدة للتعامل مع هذه التقنيات في المستقبل.
مستقبل صناعة السينما على المحك
يرى مراقبون أن نجاح التجربة سيؤدي إلى تغيير عميق في البنية الاقتصادية لصناعة السينما، حيث ستتراجع الكلفة وتختصر المدد الزمنية مما يدفع العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى دخول هذا الميدان، وقد يؤدي ذلك إلى منافسة شرسة مع الاستديوهات الكبرى التي اعتادت السيطرة على السوق بفضل مواردها الضخمة، لكن في المقابل سيزداد الضغط على العاملين في المجالات الإبداعية الذين يخشون من تراجع دورهم أو حتى استبدالهم بشكل تدريجي بالآلات.
ويشير خبراء إلى أن جمهور السينما نفسه سيكون عاملا حاسما في تحديد مصير هذه التجربة، فإذا أقبل المشاهدون على فيلم مصنوع بالذكاء الاصطناعي وأبدوا رضاهم عن جودته فسيشجع ذلك على إنتاج المزيد من الأفلام المماثلة، أما إذا نظر إليه الجمهور بعين الريبة أو شعر بأن اللمسة الإنسانية مفقودة فقد يواجه المشروع صعوبة في تحقيق الانتشار الواسع، وهنا تكمن المعضلة الأساسية بين الجاذبية التجارية والتجربة الفنية.
وبغض النظر عن نتيجة هذه المحاولة، فإن دخول الذكاء الاصطناعي إلى قلب صناعة السينما يعد إعلانا عن مرحلة جديدة تتجاوز حدود الخيال العلمي إلى الواقع العملي، فالأفلام القادمة لن تكون مجرد نتاج لخيال البشر بل أيضا لبرمجيات قادرة على الإبداع والتجريب، وهو ما يفتح الباب أمام أسئلة فلسفية عميقة حول معنى الفن ودور الفنان ومكانة الإنسان في عصر تتحول فيه الآلة إلى شريك في الإبداع.