تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي في الجامعات الجزائرية

رافعة للبحث العلمي والتنمية الاقتصادية

تشهد الجزائر في الآونة الأخيرة حراكا فكريا وعلميا متزايدا حول أهمية إدماج التكنولوجيات الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، ضمن منظومة البحث العلمي، في محاولة جادة لربط الجامعة بالواقع المعيشي وتحقيق قفزة نوعية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.


وفي ظل الثورة الرقمية التي يعيشها العالم اليوم، يُجمع مختصون وأكاديميون جزائريون، على أن الوقت قد حان لاستثمار الكفاءات الوطنية وتوجيه البحث العلمي نحو مشاريع تنموية واقعية تخدم البلاد وتستجيب لتحديات العصر.

الجامعة الجزائرية بين الواقع والطموح


رغم ما تزخر به الجزائر من طاقات بشرية وأكاديمية عالية، إلا أن العلاقة بين الجامعة ومحيطها الاقتصادي والاجتماعي ما زالت تتسم بنوع من التباعد. إذ يشير العديد من المختصين إلى غياب مشاريع حقيقية تترجم نتائج البحث العلمي إلى حلول عملية تخدم التنمية المحلية. ويؤكد الدكتور “بلقاسم عدوان”، الباحث في مجال الطاقة، أن الذكاء الاصطناعي يمثل اليوم نقلة ذهنية كبرى، قادرة على مضاعفة القدرات البشرية، من خلال قدرته على معالجة كميات هائلة من البيانات في وقت وجيز، ما يفرض ضرورة تكييف مسارات البحث الجامعي مع هذه التحولات الجذرية.

نحو رؤية استراتيجية لتفعيل البحث العلمي


يشدد الدكتور “عدوان” على أهمية تأسيس مراكز دراسات متخصصة تعمل وفق رؤية علمية واضحة، بدل الاكتفاء بمبادرات فردية أو متفرقة. ويرى أن تطوير أداء الجامعات يتطلب جعلها محورا في الحركة العلمية العالمية، لا سيما من خلال الشراكة الفعلية مع المؤسسات الاقتصادية ومراكز البحث. ويضرب مثالا بمشروع “حديقة واد السمار”، الذي تم إنجازه على أرض كانت مخصصة لردم النفايات، بمشاركة فريق بحثي جامعي جزائري، ما جعله نموذجا يُحتذى به في التعاون بين الجامعة والمجتمع.

الاعتماد على الكفاءات الوطنية بدل الاستنجاد بالأجانب


واعتبر المتحدث أن نجاح هذا المشروع يؤكد أهمية الاعتماد على القدرات الجزائرية، دون الحاجة إلى خبرات أجنبية، مؤكدا أن الجزائر تملك من الكفاءات ما يكفي لتحقيق التطور، شريطة الاعتراف بها ومنحها الفرصة للإبداع والمساهمة في النهضة الوطنية. ويضيف أن بناء الثقة بين المؤسسات التعليمية والاقتصادية، يجب أن يبدأ بمشاريع صغيرة نموذجية تؤكد جدوى البحث العلمي المحلي.

وعي متزايد لدى الطلبة بالتكنولوجيا الحديثة


من جهته، يرى الدكتور “عبد المالك حسين”، أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة بشار، أن الجيل الجديد من الطلبة أظهر وعيا ملحوظا بأهمية استخدام الأدوات الرقمية الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، في إنجاز البحوث والمقالات العلمية. ويضيف أن هذه الأدوات تساهم في رفع جودة البحوث وسرعة إنجازها، لكنها لا تغني عن الإشراف العلمي الأكاديمي، إذ إن الذكاء الاصطناعي يظل مكملا للعقل البشري وليس بديلا عنه.

الذكاء الاصطناعي في خدمة العمارة والعلوم الإسلامية


ويشير الدكتور “عبد المالك” إلى تجربة المدرسة الوطنية العليا للعلوم الإسلامية، التي تجمع بين البحث العلمي في مجال العمارة والموروث الإسلامي، مع التركيز على توظيف الذكاء الاصطناعي في تحليل المعلومات والاستفادة من قواعد البيانات الضخمة، بما فيها الموسوعات الفقهية. كما أثنى على الجهود المبذولة لإحياء الوقف الإسلامي ضمن رؤية عصرية، معتبرا أن هذه الخطوة تحتاج إلى تجسيد ميداني من خلال مشاريع ملموسة.

تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في ترميم التراث وتصميم المدن الذكية


وفي السياق ذاته، تؤكد “داليا لعقاري”، طالبة دكتوراه بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم الإسلامية، أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة لا يمكن الاستغناء عنها في تخصّصات الهندسة المعمارية والتراث العمراني. وتشير إلى أن استخدام هذه التكنولوجيا يسهم في تحليل المعطيات الأثرية وترميم المدن القديمة المتضررة، كما يساعد في وضع تصورات دقيقة لتصميم المدن الذكية وتحليل أنماط النمو الحضري، مما يجعله دعامة رئيسية في مشاريع التنمية المستدامة.

خلاصات وتوصيات من ندوة علمية حول البحث العلمي


وقد شكلت الندوة العلمية الأخيرة التي نُظمت بـ”جامع الجزائر” تحت عنوان “دور البحث العلمي في نهضة المجتمع والتنمية”، محطة هامة لتجديد الدعوة إلى ترقية البحث العلمي في الجامعات الجزائرية، من خلال دعم مادي ومعنوي أكبر، وتحفيز الباحثين على الابتكار وربط بحوثهم باحتياجات المجتمع. وقد أجمع المشاركون على أن الذكاء الاصطناعي يشكل ركيزة لا غنى عنها في هذا المسار، إذا ما تم توجيه استخدامه ضمن رؤية وطنية شاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى