
في خطوة تقنية جديدة قد تعيد تشكيل طريقة تفاعل المستخدمين مع مشكلاتهم داخل التطبيقات الرقمية.بدأت منصة المراسلة الشهيرة “واتساب” اعتماد أسلوب مختلف لتقديم خدمات الدعم الفني. حيث أطلقت أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي “الدعم الفني الذكي ” من أجل التعامل مع طلبات المساعدة. وقد أصبح بالإمكان الآن للمستخدم أن يحظى بردود فورية داخل التطبيق نفسه. دون الحاجة إلى المرور عبر النماذج التقليدية التي طالما أثارت استياء الكثيرين بسبب بطئها وتعقيدها أحيانًا.
تأتي هذه الخاصية ضمن سياسة عامة تنتهجها شركة “ميتا” المالكة للتطبيق. في محاولة منها لتقليل التدخل البشري المباشر. واستبداله ببرامج تحليلية قادرة على تقديم استجابات مرنة ودقيقة. وذلك في وقت تتجه فيه أغلب شركات التقنية إلى حلول سريعة تقلل من التكاليف، وتمنح المستخدم تجربة تفاعلية مبنية على الحدس والتلقائية. وتستفيد من قوة الحوسبة في تحليل الأسئلة وتقديم إجابات تستند إلى مستندات الدعم الرسمية.
ما يميز هذه الخدمة الجديدة، هو الطريقة البسيطة التي تمكن المستخدم من الوصول إليها، إذ يكفي أن يتجه إلى قسم المساعدة داخل إعدادات التطبيق. ليظهر له خيار “تواصل معنا”، ومن خلاله يتم فتح محادثة فورية مع مساعد افتراضي. يجري الحوار بلغة واضحة ومرتبة، ويتفاعل مع ما يكتبه المستخدم من خلال استنتاج المشكلة، ثم عرض الحلول الممكنة واحدة تلو الأخرى. مما يجعل التجربة أكثر سلاسة مقارنة بالطرائق القديمة التي كانت تتطلب تعبئة بيانات وإرفاق صور أو لقطات شاشة.
الدعم الفني الذكي :من التفاعل البشري إلى التفاعل التلقائي
في حال فشل المساعد الافتراضي في إيجاد حل مناسب. لا يترك المستخدم في حيرة. بل يطلب منه تزويد المحادثة بمزيد من التفاصيل، ليحال طلبه مباشرة إلى أحد موظفي الدعم البشري.
حيث يعد هذا الدمج بين التفاعل التلقائي والتدخل البشري إحدى أهم سمات الأتمتة المتوازنة. إذ لا تلغى البشرية بالكامل، ولكنها تظل حاضرة عند الحاجة، ما يعزز الثقة بين المستخدم والنظام. ويقلل من الإحباط الذي قد ينتج عن الاعتماد الكامل على البرمجيات.
وقد أثارت هذه الميزة تفاعلا لافتا بين المستخدمين، خاصة أولئك الذين ظهر لهم النظام الجديد في نسخته التجريبية عبر بعض الأجهزة. إذ أشار بعضهم إلى أنه تلقى الدعم في دقائق معدودة، دون الحاجة إلى الخروج من التطبيق أو الانتظار لأيام كما كان يحدث سابقًا. وهو ما يطرح تساؤلات مهمة حول مدى اعتماد “واتساب” على هذا النموذج في المستقبل القريب. وهل سيصبح بديلاً كاملاً عن التفاعل التقليدي، أم سيظل محصورًا في الشكاوى التقنية البسيطة.
المختصون في هذا المجال يرون أن هذه الخطوة تعد تطورًا طبيعيًا في سياق التحول الرقمي الذي يشهده العالم. حيث تسعى الشركات إلى تطوير أساليب أسرع وأكثر كفاءة لتلبية احتياجات المستخدمين. خاصة في عالم يتسارع إيقاعه يومًا بعد يوم، وقد تكون هذه التقنية مقدمة لاعتماد نماذج أعمق في المستقبل. تتجاوز حدود الدعم الفني، لتشمل حتى الاستشارات التقنية والتوصيات الشخصية المدروسة.
خدمة واعدة أم تهديد خفي؟
ورغم التفاؤل الذي أبداه البعض تجاه هذه الخاصية، إلا أن هناك من أبدى حذره من الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في التعامل مع المستخدمين. إذ يخشى بعض الخبراء من أن تتسبب هذه الخطوات في تغييب الجانب الإنساني. وإضعاف فرص العمل المرتبطة بخدمة العملاء. ناهيك عن المخاوف المتعلقة بالخصوصية وتحليل البيانات الشخصية من خلال حوارات تجرى مع آلات تحليلية قد تخزن وتُفكك ما يكتب لها.
من جهة أخرى، يعتقد أنصار هذه التقنية أن المسألة لا تتعلق بالإلغاء بل بإعادة توزيع الأدوار، حيث يمكن للعنصر البشري أن يركز على الحالات الأكثر تعقيدًا. بينما يتولى النظام الآلي المشكلات المتكررة التي لا تحتاج إلى تدخل مباشر، وهو ما يجعل العمل أكثر كفاءة. ويجنب فرق الدعم الإنهاك الناتج عن تكرار نفس الأسئلة يومًا بعد يوم.
إن إدماج الذكاء الاصطناعي في خدمات الدعم الفني، خاصة داخل تطبيق واسع الانتشار مثل “واتساب”، يمثل انعكاسًا حقيقيًا لطبيعة التحولات الجارية في صلب الثقافة الرقمية. ويطرح على المجتمع أسئلة جوهرية حول العلاقة بين الإنسان والتقنية. وحدود الاعتماد على البرامج الذكية، فبين من يرى فيها إنقاذًا للوقت، ومن يرى فيها خطرًا صامتًا، تبقى الحقيقة أن هذا المسار لن يتوقف. وأن مستقبل التفاعل بين التطبيقات والمستخدمين سيكون أكثر فورية، وأقل اعتمادًا على الأيدي العاملة التقليدي.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله