
لا زال الوضع في النيجر يسيطر على الأحداث الدولية بعد أزيد من شهر من الإنقلاب على الرئيس محمد بازوم، وما أسفره من تداعيات خطيرة جعلت منطقة الساحل على صفيح ساخن، فيما ظلت “إيكواس” تهدد بالتذخل عسكريا وفرنسا تؤزم الوضع سياسيا أما قادة الإنقلاب في النيجر لا يزالون متمسكين بموقفهم وفي حالة تأهب قصوى.
فى ظل هذا المشهد الذي يظل قابلا لكل الإحتمالات والسيناريوهات، أبدت الجزائر عن موقفها منذ بداية الأزمة وعن رفضها المطلق لإي تدخل عسكري في النيجر قد يشعل المنطقة كلها، كما أكدت عن رفضها اللامشروط على أن يكون مجالها الجوي مفتوحا لأي قوة أجنبية للتدخل عسكريا في النيجر وقد عبّرت ذلك صراحة لفرنسا. وعليه فإنّ الجزائر لم تدخّر أيّ جهد أو فرصة أو مناسبة لإبعاد شبح الحرب خلف حدودها الجنوبية الشاسعة،حتى تتفادى ما هو الأسوء (انفلات الأوضاع الأمنية بمنطقة الساحل الأفريقي)، مثلما وقع في أعقاب سقوط شمال مالي عام 2012 وقبلها السلطة المركزية في ليبيا عام 2011.
الديبلوماسية الجزائرية تتحرك على أكثر من صعيد
إنطلاقا من هذا الموقف الثابت للجزائر، وبتكليف من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قام أحمد عطاف، وزير الشؤون الخارجية ، بجولة دبلوماسية عاجلة نحو دول غرب أفريقيا، شملت نيجيريا وبنين وغانا، موازاة مع إيفاد أمين عام وزارة الخارجية لوناس مقرمان إلى النيجر. حبيث أكد السيد أحمد عطاف أنه تم الاتفاق، على ضرورة تنسيق الجهود المبذولة من قبل البلدين، بهدف تعزيز الزخم الدولي والإقليمي وتشجيع التفاف الجميع حول المسار السياسي والسلمي لحل الأزمة القائمة، لأن الرئيس عبد المجيد تبون قد وضع تصورا واضحا لحل الأزمة ودافع عنه بكل حزم وعزم.
كبح خيار التدخل العسكري الذي تفرضه المجموعة بالوكالة عن فرنسا
وعن خلفيات المسعى الجديد للجزائر باتجاه دول “إيكواس” تحديدا، يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر إدريس عطية، إن الجولة الدبلوماسية تستهدف كبح خيار التدخل العسكري الذي تسعى إلى فرضه المجموعة بالوكالة عن فرنسا، كون نيجيريا، وبنين وغانا الأكثر تحمسًا له”. وأوضح عطية أنّ الجزائر استكملت المرحلة الأولى بتأكيد موقفها الرافض بشدة للتدخل العسكري، وهو ما خلق تذبذبًا وتضاربًا في مواقف دول “إيكواس” بعد شهر من الانقلاب، خاصّة عقب إعلانها منع فرنسا من استعمال مجالها الجوي. وبحسب أستاذ العلاقات الدولية فإن “محتوى الوساطة الدبلوماسية التي تقودها الجزائر قائم على قطع الطريق أمام التدخل الخارجي”، معتبرا أنّ الجزائر تحمل برنامجًا واضحًا ودقيقًا لوساطتها الدبلوماسية، لتجنب التدخل العسكري، وتقليص المرحلة الانتقالية، والتوافق على مستقبل الرئيس محمد بازوم. ومن جانب آخر، يرى الخبير في شؤون الأمن والساحل الأفريقي أحمد ميزاب، أنّ الجزائر لا تلعب دور الوسيط، بل المحرك لبلورة تصور مشترك بين كل الأطراف، لتجنب أسوأ السيناريوهات والحيلولة دون انهيار معادلة الأمن والاستقرار في المنطقة. وأوضح ميزاب، أنّ المسار الجزائري مبني على 4 مرتكزات وهي: الاتفاق على أن الحل لن يكون إلا سياسيّا عن طريق الحوار، وأهمية العودة إلى المسار الدستوري غير المقيد، والحفاظ على مكسب الديمقراطية، مع تجنيب النيجر التدخل العسكري. ومن جهته، يعتقد المتخصص في الدراسات الإستراتيجية عامر مصباح، أن الحل الدبلوماسي الجزائري قائم عمليا على إقناع الحكومة الجديدة في النيجر والأطراف الإقليمية بخطورة تصعيد الأزمة الأمنية إلى نزاع إقليمي مسلح، مع الحرص على العودة إلى الديمقراطية والعمل بالدستور، وكذا أهمية الشراكة الإستراتيجية الإقليمية لمواجهة التهديدات المشتركة. وقال مصباح، إن هناك تطورات أمنية مساعدة على نجاح الدور الجزائري، يتقدمها الاختلاف الدولي حول فعالية الحل العسكري في أزمة النيجر، والتباين الإقليمي في وجهات النظر، موازاة مع تنامي اتجاه عام لدى الرأي المحلي مناهض للحرب، وأخيرا تنامي الأنشطة الإرهابية، تلك التي كانت في معظمها نتيجة للتدخلات العسكرية الخارجية. لكن الجهود الدبلوماسية للجزائر لا يمكن أن تثمر وفقا لمصباح، إلا عبر تقريب وجهات النظر بين الأطراف، بشكل “يقلص خيار الحرب ويدعم الحل السلمي، على افتراض أن ذلك يمثل الحل الأكثر ربحًا، الأقل كلفة، الأكثر أمنًا وضمانًا لعدم انهيار الأمن الإقليمي لهاوية الفوضى الشاملة”.
رهانات وتحديات
إنّ الجزائر تملك عدة أوراق رابحة، في تقدير هؤلاء الخبراء، للتوصل إلى تحقيق إجماع ولو نسبي للحل السياسي، رغم قرْع طبول الحرب في كل مكان، في ظل ضغوط خارجية تزداد كثافة بالدفع نحو الخيار العسكري. ويرى الخبير أحمد ميزاب أن بلاده تمتلك المصداقية والموثوقية، خاصة في المحيط الأفريقي، ولها تجارب ناجحة في تفكيك الألغام بالمنطقة، منها أزمة مالي والصراع الإريتري الإثيوبي وغيرها. كما أنّ الطرح الجزائري واقعي وعقلاني، من وجهة نظر المتحدث، فهو “يسمّي الأشياء بمسمياتها ويحقق الإجماع حيث الطرح والمعالجة وقد يشكل نقطة توافق”. نفس الرؤية يشاطره فيها المحلل إدريس عطية، معتبرا أن “الجزائر تقف على نفس المسافة بين الخصوم في النيجر، ومقاربتها تحظى بترحيب واسع من قبل المجلس العسكري”. ويؤكد عطيّة أن الجزائر تقترب من إجهاض التدخل العسكري، بعد تحييد بعض الأطراف الداعية للعملية، خاصة بعد إعلان مالي وبوركينافاسو وقوفهم إلى جانب النيجر. ويبرز المحلل أهمية موقف الاتحاد الأفريقي، مشيرا إلى تعليق عضوية النيجر وتجميد نشاطاتها في هياكله، مقابل تأييده لمقاربة الجزائر الدبلوماسية، إلى جانب دعم الولايات المتحدة الأمريكية. وربط أحمد ميزاب تحقيق خطوات متقدمة بمدى “حياد بعض الأطراف الخارجية التي تعتبر نفسها متضررة، وترى في نهج العمل العسكري والفوضى خيارًا إستراتيجيّا لاستعادة مناطق النفوذ”، في إشارة منه إلى الموقف الفرنسي.
أحمد الشامي