
توجه الأنظار اليوم نحو المؤسسات الناشئة، التي ينتظر منها لعب دور فعال في خلق التنمية والقيمة المضافة للاقتصاد الوطني، خصوصا بعد الاهتمام الكبير الذي نالته من قبل رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي أكد على أهميتها في أكثر من مناسبة، وهو ما دفعه إلى إنشاء وزارة منتدبة مكلفة باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة.
وبحسب المتابعين للشأن الإقتصادي، تحتاج كل فكرة مشروع إلى حاضنة، توجهها نحو عالم الشغل والمنافسة، فتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وما يترتب عنها من توفير مناصب الشغل وتحسين مستوى معيشة السكان لن يتحقق إلا بوجود قطاع قوي وفعال من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة القادرة على مواكبة التطورات الاقتصادية ومجابهة العولمة وتأثيراتها السلبية، إضافة إلى المنافسة العالمية.
… الحاضنات ودورها في تثبيت المؤسسات بعالم الشغل
كما تحاول معظم الدول في العالم التقليل من المخاطر التي تواجه المؤسسات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، ورغم أن العديد يرون أن المشكل العويص والكبير الذي يواجه المؤسسات الناشئة والصغيرة والمتوسطة هو مشكل التمويل، إلا أن الدارسات الحديثة ترى أن المشكل الذي تعانيه معظم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في جل أراء المعمورة هو الاستمرارية، فهي تواجه مشاكل في بداية تأسيسها وخاصة السنوات الأولى، إضافة إلى عدم دراية المسيرين لهاته المؤسسات بمبادئ الإدارة والتسيير، وأيضا كيفية الحصول على الدعم المالي اللازم، يضاف إلى ذلك المشاكل التنظيمية والتسويقية للمؤسسات، ومن هنا ظهر ما يطلق عليه حاضنات الأعمال “LES INCUBATEURS” والتي بدأ الترويج لها في الولايات المتحدة الأمريكية في خمسينيات القرن الماضي، ثم ما لبثت أن انتشرت بشكل كبير في أوربا وباقي دول العالم، فحاضنات الأعمال أصبحت نموذجا في احتضان المؤسسات الصغيرة في بداية نشاطها وبالتالي التقليل من خطر عدم استمراريتها.
فضاءات وسيطة تسمح باحتواء أصحاب الأفكار
وفي هذا الصدد، قال الخبير الإقتصادي، عبد الرحمان هادف، أن الحاضنات صارت من بين الفضاءات الوسيطة التي تسمح باحتواء أصحاب الأفكار، وأصحاب المشاريع، خصوصا تلك التي تملك طابع الإبداع والابتكار، وبالتالي فمن خلال الأخذ على عاتقها هؤلاء الشباب المقاول، ستسمح لهم بالنشاط في إطار عمل منظم وتشاركي، وتسمح لهم بالاستفادة من التكوين فيما يتعلق بمبادئ تسيير المؤسسات ومبادئ العمل على المشاريع الاقتصادية، وفيما يتعلق بكل ما هو نشاط تجاريي. كما أكد المتحدث في تصريح للمغرب الأوسط، على الدور الكبير الذي تلعبه الحاضنات في دعم هذه الشريحة، فهي تمثل همزة وصل بين أصحاب المشاريع والمؤسسات الناشئة او المصغرة، وبين الشركات الكبرى، والمؤسسات التي تملك طلبيات خاصة، فالأمر اليوم يتعلق بجعل منظومة الصفقات أكثر شفافية ومرونة، حتى يتمكن أصحاب المشاريع من الاستفادة منها بصفة أسهل وسلسة وفعالة.
نموذج من نماذج العمل التشاركي
بالإضافة إلى هذا، أوضح عبد الرحمان هادف، أن الحاضنات تمثل اليوم نموذج من نماذج العمل التشاركي، من خلال وجود عدد كبير من أصحاب المشاريع في مكان واحد، هذا الأمر سيمكن من تطوير الشراكات بين الشباب المبدع حامل الأفكار، والحصول أيضا على الدعم اللازم، فالكثير من الحاضنات تمثل نقطة وصل بين أصحاب المشاريع ومصادر التمويل، وهو أمر تحتاجه المؤسسات الناشئة، لأن مصادر تمويلها غير المصادر الكلاسيكية “كالقروض البنوك، والمؤسسات الماليات”، بل هي تمول من خلال صناديق خاصة “كصندوق المخاطرة، وصندوق التمويل التشاركي”، وهنا يكون دور الحاضنة بمثابة دور ضامن في هذه السلسلة، وكذا دور تمكين انتقاء المشاريع ذات المصداقية التي بإمكان الممولين مرافقتها.
نموذج يسهل إطلاقه في كل مكان
وبخصوص مميزات الحاضنة، كشف الخبير الإقتصادي أن الحاضنة تمثل نموذج يسهل إطلاقه في كل مكان أو في إي بلدية بمختلف أرجاء الوطن، على عكس دور المقاولاتية التي كانت تسير بنظم إدارية وبيروقراطية، وتم تأطيرها من خلال قانون جديد يسمح بمنح علامة حاضنة، في حال قبولها من قبل لجنة خاصة تابعة للوزارة المنتدبة المكلفة باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، ومن هنا تستفيد المؤسسة من مزايا خاصة جبائية وشبه جبائية، ومرافقة من قبل الصندوق الوطني للمؤسسات الناشئة، على حسب المعايير المعمول بها، على غرار تهيئة الحاضنات، تقديم خدمات مكتبية وتقنية، التوصيل بخدمات الانترنيت والتكوين، كل هذه الأمور ستسمح للمؤسسة بالتطور. وفي ختام حديثه، قال الخبير الإقتصادي، عبد الرحمان هادف، أن الحاضنات جاءت كاستجابة لإنشغالات الشباب المبدع، من خلال مرافقة فعلية على الميدان وليس من خلال الخطابات والأوامر الفوقية والإدارية.
حاضنة جامعة المسيلة تعد سباقة في هذا المجال
بدوره كشف مدير حاضنة جامعة المسيلة، البروفيسور مير أحمد، أن توجه الحكومة أصبح صريحا نحو إنشاء الحاضنات، فبالرغم من تأخر وزارة التعليم العالي في إنشاء حاضنات على مستوى الجامعات، إلا أنهم تمكنوا من مرافقة الطلبة، منذ الوهلة الأولى لظهورها بالجامعة. وقال مير أحمد، أن جامعة المسيلة تملك أول حاضنة تأسست بجامعة على المستوى الوطني، حيث نالت المرتبة الأولى من حيث براءات الإختراع المسجلة على مستوى المعهد الوطني للملكية الصناعية، بـ 122 ملف براءة اختراع، تم استلام 8 كبراءة اختراع،، كما أنها حازت على 33 مشروع مبتكر حائز على وسم ” label”، وكذا 12 مؤسسة متخرجة، 8 منها متحصلة على وسم “مؤسسة ناشئة label”، واليوم تحتضن 37 مشروع مبتكر في مراحل جد متقدمة، و أكثر من 97 مشروع في مرحلة ما قبل الاحتضان.
مجال التطبيقات الذكية والمنصات الإلكترونية
وبخصوص أهم المجالات التي تنال اهتمام الطلبة، أكد المتحدث أن حاضنة جامعة المسيلة، كيفت توجهاتها مع ما اعتمدته وزارة التعليم العالي، على غرار ّالأمن الطاقوي، الأمن الغذائي، والأمن الصحي”، وبالتالي فإن أغلب المشاريع المحتضنة بالمسيلة تصب في مجال التكنولوجيا، الطاقات المتجددة، المجالات البيولوجية، والبيوتكنولوجي، وكذا في مجال التطبيقات الذكية والمنصات الإلكترونية، مشيرا إلى أن هذا الأمر لا ينفي احتضان باقي المجالات، في حال وجود مشاريع هامة لها جدوى اقتصادية. وحول نهاية دور الحاضنة في حياة المؤسسات الناشئة، كشف مدير حاضنة جامعة المسيلة، عن وجود فرق بين مسرع الأعمال والذي يحتضن الفكرة في فترة محددة بـ 3 الى 6 أشهر كأقصى تقدير، أي أنه يحتضن الأفكار الناضجة، على غرار التطبيقات الإلكترونية، بينما تعمل حاضنة الأعمال على احتضان الفكرة من ثلاثة أشهر إلى سنتين، على غرار مشاريع البيولوجي، والبيوتكنولوجي وغيرها. كما تطرق البروفيسور مير أحمد إلى أهم المشاكل التي تقابل الحاضنات وأصحاب المشاريع، والتي قسمها إلى قسمين، الأولى حددت بما قبل إنشاء صندوق تمويل المؤسسات الناشئة، الذي اعتمدته الدولة كأول صندوق استثماري برأس مال مخاطر، حيث عانى أصحاب الأفكار من مشاكل تمويل، فالمؤسسات الناشئة تملك نسب مخاطرة عالية، تدفع بالبنوك والمؤسسات المالية إلى تفادي تمويلها، ففي الولايات المتحدة مثلا يتم إنشاء 100 مؤسسة يوميا، تبقى منها 3 مؤسسات على قيد الحياة، وبالتالي فإن المشكل المالي كان يمثل عائقا قويا دون نجاح الافكار. في حين تتمثل القسم الثاني في مرحلة ما بعد إنشاء هذا الصندوق، حيث عانى أصحاب المشاريع من عدم تمكنهم من إعداد النماذج الأولية للمشاريع، وبالتالي فإن حاضنات الأعمال لا تملك ميزانية خاصة، مما يصعب تمويل كل المشاريع المحتضنة، على عكس ما هو معمول به في القطاع الخاص، كما تعاني الحاضنات الجامعية من غياب ترسيم الطاقم العلمي المشرف على إدارة الحاضنة، فهو طاقم علمي متطوع، والذي قد يصيبه الملل جراء المجهودات المقدمة من قبله.
نحو مضاعفة عدد الحاضنات
تطمح الحكومة، خلال السنة الجارية لمضاعفة عدد الحاضنات الذي يبلغ أكثر من أكثر من 40 حاضنة تحصلت على علامة label”” والعديد منها قيد الدراسة، خاصة بعد التقدم في وضع النظام البيئي الملائم والمشجع على إنشائها، لاسيما في الوسط الجامعي، الذي يعد البيئة الأكثر ملاءمة، والذي يحصي أزيد من 1.600 مخبر بحث و40.000 أستاذ جامعي باحث و2.200 باحثا دائما. كما تعمل الحكومة على مواصلة العمل لتحسين مناخ الأعمال وتبسيط إجراءات الفعل الاستثماري، من خلال تسريع وتيرة الرقمنة الشاملة للمعاملات الإدارية خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بتحسين نوعية الخدمات العمومية المقدمة، بالإضافة إلى تعزيز خدمات التصديق والتوقيع الإلكتروني.
ق.ح