
تسعى الجزائر إلى الاستفادة من النخبة المهاجرة، في مجالات الابتكار والذكاء الاصطناعي واقتصاد المعرفة، مع مد جسور علمية لتبادل الخبرات مع طلبة الجامعات الجزائرية.
ويعد “مراد بوعاش”، الباحث في “سيليكون فالي”، بولاية “كاليفورنيا” الأميركية، صاحب فكرة ندوة نظمت بالجزائر العاصمة، سميت بـ”المحاضرة عن بعد كونفيرونس” بمعية الباحثين” سوسن شدادي” و”محمد سنوسي”، وقد مثلت نموذجا جديدا من الندوات في الجزائر التي تهتم بالذكاء الاصطناعي، ويحمل “بوعاش” فلسفة تفيد بأن “كل بلد يطوره أبناؤه، سواء المتواجدين في الداخل أو بالخارج”، وهنا يقول لموقع “سكاي نيوز عربية: “أؤمن بأن الجزائريين هم الذين يطورون بلدهم، لذلك أنطلق في مهمتي مع أبناء بلدي لتطوير هذا التخصص، سواء مع النخبة المتواجدة بالخارج أو من هم في الجزائر ويملكون مهارات عالية”. “بوعاش” هو من بين أشهر الكفاءات الجزائرية المشهود لها في الخارج، في ميدان الذكاء الاصطناعي، وبدأ تجربته العلمية من الجامعة الجزائرية، ليفرض نفسه في أكبر مراكز البحث والجامعات العالمية،واشتغل المهندس في الذكاء الاصطناعي، مسؤولا للبرمجيات في عملاق الإنترنت “ياهو”، كما أطلق مشروع مركز للذكاء الاصطناعي بجامعة سكيكدة شرقي الجزائر، بالشراكة مع الجامعة وجمعية “اي تاك” لطلبة الإعلام الآلي، عرفت الندوات تجاوبا واسعا من الطلبة، بخصوص مواضيع الذكاء الاصطناعي والقيادة والريادة والمقاولاتية، بحضور 1500 طالب، يأتي هذا علاوة على الدورة التعليمية المجانية التي قام بها لمدة 9 أشهر، قبل سنتين، وتوجت بتوجه طلبة نحو إنجاز مشاريع ومؤسسات مصغرة على أرض الميدان. وفي هذا الشأن، تم تنظيم نسخة أولى من ندوة سميت بـ”المحاضرة”، خصصت للتبادل بين طلبة الجامعات الجزائرية والفاعلين الجزائريين المقيمين بالخارج في مجال التقنيات العالية والابتكار والذكاء الاصطناعي، على مدار 3 أيام، انتهت الخميس الماضي، وجمعت المحاضرة خبراء جزائريين من النخبة المتواجدة بالخارج، وترأس الندوة في اليوم الأول، وزيرا اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، والثقافة، وتمت معالجة عدة مواضيع مهمة متعلقة بالذكاء الاصطناعي والبحث العلمي وابتكار البيانات والمقاولاتية، بمشاركة خبراء جزائريين مقيمين في الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وأيرلندا والإمارات وقطر، وشرح” بوعاش” هذه الخطوة التي حظيت بحضور طلابي كبير، بقوله: “نريد استحداث نموذج جديد للمحاضرات التي يكون وراءها علماء جزائريون يعملون في كبرى المؤسسات العالمية، انطلاقا من الاستفادة من تجربتهم، ونركز على التخصصات التي تقع ضمن أولويات الجزائر، وهي الصحة، والأمن الغذائي، والطاقة، والطاقات المستدامة، والتعليم”، وأضاف: “خلقنا جسرا لمدة 3 أيام بين النخبة المتواجدة في الخارج والطلبة بالجامعة الجزائرية، وشهدنا تجاوبا كبيرا حيث بلغت تسجيلات الطلبة 10 آلاف مسجل، علاوة على المتابعات عبر مواقع على الإنترنت”.
رهانات الذكاء الاصطناعي
ويحظى الذكاء الاصطناعي باهتمام واسع في الوسط العلمي الجزائري، وفي هذا الإطار تم إنشاء مدرسة وطنية عليا للذكاء الاصطناعي، افتتحت في الموسم الجامعي 2021-2022، توفر هذه المدرسة تكوينا عالي المستوى للطلبة في مهارات الذكاء الاصطناعي، وتعد لبنة إضافية للمدارس العليا للإعلام الآلي في البلاد،ويهدف هذا الاهتمام بالابتكار وتطوير الذكاء الاصطناعي، بحسب خبراء، للاستفادة من ثماره في قطاعات أساسية متعلقة بالصحة والأمن الغذائي والتربية والطاقة والتنمية المستدامة.
وفي هذا السياق، أشار “بوعاش” إلى أن “سوق الذكاء الاصطناعي يبلغ 379 مليار دولار في العالم، 40 بالمئة من المبلغ متواجد في الولايات المتحدة، وما تبقى في الصين وباقي العالم”، وفي رده على سؤال عما يجب على الجزائر القيام به لإيجاد مكانة لها على خارطة الذكاء الاصطناعي في العالم، أكد المتحدث على “ضرورة تعميم الرقمنة لإخراج البيانات، فالرقمنة هي بمثابة الكهرباء الجديدة والبيانات هي نفط المستقبل”، ودعا إلى “توسيع نجاح” المؤسسات الجزائرية الناشئة، والعمل على تحويل هذه المؤسسات للاعتماد على نفسها في التمويل، وبالتالي تتجه لاستحداث الثروة ودعم الاقتصاد الوطني، ورأى “بوعاش” أن “مستقبل الذكاء الاصطناعي في الجزائر متواجد في الميدان الطاقي، بالنظر إلى إمكانيات البلد الكبيرة في الطاقة سواء الأحفورية أو المتجددة”، كما أكد على أن “البداية مع الاهتمام بالخبرات الجزائرية وتمويل هذه الاستراتيجية، للوصول إلى تطبيقات وحلول في ميدان الطاقة، تضع الجزائر على رأس القائمة، ثم التوجه إلى ميادين أخرى في المستقبل”.
استراتيجية الاستفادة من عقول المهاجرين
يمكن للجزائر أن تستفيد بشكل كبير من عقولها المهاجرة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذا تم توجيه الجهود بشكل صحيح وتطوير استراتيجية فعالة، يمكن أن يكون للمهاجرين الجزائريين دور هام في تعزيز التطور التكنولوجي والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، إليك بعض الطرق التي يمكن أن تتبعها الجزائر للاستفادة من عقول مهاجريها في مجال الذكاء الاصطناعي: تطوير برامج تعليمية وتدريبية: يمكن للحكومة الجزائرية تطوير برامج تعليمية وتدريبية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوجيهها للمهاجرين الجزائريين الذين يعملون في هذا المجال. يمكن أن تتضمن هذه البرامج ورش عمل ودورات تدريبية لتعلم أحدث التقنيات والأدوات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، إنشاء مراكز بحثية وتطوير: يمكن للحكومة الجزائرية الاستثمار في إنشاء مراكز بحثية وتطوير متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتشجيع المهاجرين الجزائريين المتخصصين في هذا المجال على المشاركة في الأبحاث والابتكارات، تشجيع الاستثمار: يمكن للحكومة الجزائرية تقديم حوافز وتسهيلات للمهاجرين الجزائريين المهتمين بالاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي في البلاد. يمكن أن تشمل هذه الحوافز إعفاءات ضريبية ودعم مالي للمشاريع الابتكارية، التعاون الدولي: يمكن للجزائر أن تبني شراكات وتعاون مع الدول والمؤسسات الدولية المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، واستخدام شبكات المهاجرين الجزائريين للوصول إلى الخبرات والموارد الضرورية، توفير بيئة داعمة: يجب على الحكومة الجزائرية توفير بيئة داعمة ومشجعة للابتكار وريادة الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي، وتقديم الدعم اللازم للمهاجرين الجزائريين الذين يرغبون في تطوير مشاريعهم الخاصة. باختصار، يمكن للجزائر أن تستفيد بشكل كبير من عقول مهاجريها في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال اتخاذ إجراءات محددة تشجع على التعاون والاستثمار في هذا المجال، وتوفير البيئة المناسبة للابتكار والنمو.
دور العلماء الجزائريين في الخارج في تطوير البلاد
قبول العلماء الجزائريين المقيمين في الخارج لمساعدة الدولة الجزائرية يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية في البلاد وفي الدول التي يعيشون فيها، إضافة إلى التحفيزات والفرص التي توفرها الحكومة الجزائرية، إذا كانت الحكومة الجزائرية تتبنى سياسة فعالة للاستفادة من الخبرات والمهارات العلمية والتكنولوجية للعلماء الجزائريين في الخارج، وتقدم لهم الدعم اللازم والمحفزات للمساهمة في تطوير البلاد، فمن الممكن أن يكون هناك استجابة إيجابية من قبل العلماء، من المهم أيضًا أن توفر الحكومة الجزائرية الظروف المناسبة للعلماء الجزائريين في الخارج، مثل البيئة البحثية المناسبة، والتمويل، والتسهيلات الإدارية، والتقنية اللازمة لتسهيل التعاون والمساهمة في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية في البلاد، بشكل عام، إذا كانت الحكومة تظهر استعدادًا جديًا للاستفادة من الخبرات والمهارات العلمية للعلماء الجزائريين في الخارج، وتقدم لهم الدعم اللازم وتوفر البيئة المناسبة، فمن الممكن أن يكون هناك استجابة إيجابية من جانب العلماء.
رئيس الجمهورية يرسخ دعمه لتطور الذكاء الاصطناعي في الجزائر
في خطوة تعكس التزامه بتعزيز التقدم التكنولوجي والابتكار في البلاد، أكد رئيس الجمهورية الجزائرية “عبد المجيد تبون” على أهمية دعم تطوير التكنولوجيا وتعزيز القدرات في مجال الذكاء الاصطناعي. يأتي هذا التأكيد ضمن رؤيته الشاملة لتحقيق التقدم والاستدامة في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال التكنولوجي الحيوي للذكاء الاصطناعي،تجسدت هذه الدعم بمجموعة من المبادرات والخطوات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية.
بما في ذلك تعزيز البنية التحتية التكنولوجية وتوفير الدعم والتمويل للشركات والمبتكرين في مجال الذكاء الاصطناعي،كما أشار الرئيس تبون إلى ضرورة بناء القدرات وتطوير المهارات اللازمة لاستخدام التكنولوجيا بفعالية وتحقيق النجاح في هذا المجال المتطور،علاوة على ذلك، أطلقت الحكومة الجزائرية مبادرات لتعزيز البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، وتشجيع التعاون بين القطاع الأكاديمي والصناعي لتطوير حلول مبتكرة تستفيد من فوائد التكنولوجيا الحديثة. وقد شهدت هذه المبادرات استجابة إيجابية من قبل المجتمع الأكاديمي ورجال الأعمال، مما يعكس الاهتمام المتزايد بقطاع التكنولوجيا والابتكار في البلاد،بالإضافة إلى ذلك، نظمت الحكومة الجزائرية فعاليات وندوات لتعزيز الوعي بأهمية الذكاء الاصطناعي وفوائده المحتملة في مختلف القطاعات، مما ساهم في تشجيع المزيد من الاستثمارات والابتكارات في هذا المجال الحيوي،تأتي هذه الجهود في سياق أوسع لتعزيز التحول الرقمي وبناء اقتصاد المعرفة في الجزائر، مما يعزز موقع البلاد كمركز رائد للابتكار التكنولوجي في المنطقة،ومع استمرار الدعم والاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، يمكن تحقيق المزيد من التقدم والازدهار في الجزائر، وتعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في الساحة الدولية للتكنولوجيا والابتكار.
إعداد: جلال يياوي