
عاد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أول أمس إلى ارض الوطن بعد أن قام بجولة إلى كل من قطر، الصين، وتركيا. هذه الزيارات المتتالية كانت نتائجها وفق طموحات رئيس الجمهورية والوفد المرافق له واستكمالا للعمل الجبار على مستوى الدبلوماسية الخارجية بل تتويجا للسياسة الحكيمة التي انتهجها الرئيس عبد المجيد تبون السنوات الثلاث الماضية ولعل قادم الأيام سيكون أكثر من كل التوقعات.
الجولة كانت ناجحة بكل المقاييس بشهادة الضالعين في الشؤون الجيوسياسية والخبراء المستشرفين على العلاقات الجزائرية مع هذه الدول الثلاث، بل وأكد الجميع أنه من رابع المستحيلات اليوم أن ينكر أي أحد كان الدور الريادي الذي تقوم به الجزائر إقليميا ودوليا الحصيلة مذهلة ولا يستطيع أحدا أن ينكر الحقيقة المشرقة، وهي أنّ الجزائر بل ورسخت أقدامها في كافة الأصعدة (الإقتصادية، السياسية، العسكرية، الإقليمية، الدولية وحتى في البحر المتوسط) وعليه يجب الإعتراف بأنّ الرئيس عبد المجيد تبون قدّم صورة ناصعة البياض للعالم كله بأنّ السيادة ليست منحة تمنح أو تهدى مجاملة كما تفعل بعض الدول وإنما هي استحقاق لما بذلته من جهود وتضحيات وثبات على مواقفها ومبادئها، وأيضا إنعكاس لما تقوم به على أرض الواقع على كل المستويات، فلا غرابة من أن يُقرّ كل الخبراء الإقتصاديين والسياسيين أنّ الجزائر أصبحت ضمن الكبار بناء على الدينامية المتسارعة لتحركاتها والتطورات المتتالية في تجسيد أهدافها المتوخاة وذلك في وقت قياسي لم يكمن يتصوره أحد، ولعل الزيارات الأخيرة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون غلى كل من إيطاليا والبرتغال ثم روسيا، قد أبانت عن الوجه الحقيقي للجزائر الجديدة والبحث عن البديل لتوطيد أقدام الجزائر إقليميا ودوليا. كما يجب الوقوف هنا إلى نقطة هامة. وهي أنّ هذه الجولة المراطونية أزاحت كل دولة كانت تحسب نفسها غلى وقت قريب أنها من الصدارة بمكان في أجندة الجزائر نظرا لعدة عوامل سابقة، ولكن أصبح من اليوم وصاعدا، المعيار الجزائري بعيدا عن المزايا الجيوسياسية، بل متعلقا بالأساس وأولا وأخيرا، بالمصلحة المتبادلة القائمة على المبادئ والإحترام.
قطر.. علاقات أخوية وتعاون مثالي
المباحثات التي أجراها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مع نظيره صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة، أكدت مرة أخرى على العلاقات الأخوية والثقة العميقة والتعاون الثنائي بين البلدين، بل ساهمت في تعزيز سبل التعاون في خمسة مجالات (الاقتصاد، التجارة، الصناعة، الطاقة والتكنولوجيا)، بالإضافة إلى المستجدات الإقليمية والدولية التي تبادلا حولها الرؤى والتي كانت في معظمها متطابقة ومتوافقة. وكانت الزيارة الأخيرة محطة أخرى من أجل استكمال الإتفاقيات المتنوعة التي قام بها رئيس الجمهورية إلى قطر فيفري 2022، ولعل المجالات الخمس الأخيرة ستعطي للعلاقات بين البلدين أفقا أكبر ومناخا أرحب لتجسيد كل المشاريع المتفق عليها واستكمال لبنات التعا ون الثنائي بين قطر والجزائر.
الصين.. فلسطين، البريكس والشريك الإستراتيجي
أصبحت الصين شريكا استراتيجيا يحتل أعلى المراتب في أجندة الجزائر وبعض الدول تحولت إلى شركاء ثانويين بل يمكن الإستغناء عنهم وإلغائهم عند الضرورة. هكذا أصبح موقف الجزائر صريحا، واضحا، ثابتا، صارما وحازما. إنّ المتأمل في الحوار الذي أجرته القناة التنلفزيونية الصينية (سي سي تي في) مع الرئيس عبد المجيد تبون، يدرك جيدا أنّ وكان رئيس الجمهورية وفي غمرة انشغاله بالقضايا الوطنية لم ينس أبدا ليذكر العالم بأن الجزائر ستعمل مع الصين للضغط في سبيل أن تكتسب فلسطين العضوية الكاملة داخل الأمم المتحدة، حيث قال أنه يسير على خطى الرؤساء الجزائريين الذين قالوا بأنّ لإستقلال الجزائر لن يكتمل إلا باستقلال فلسطين. هكذا هي المواقف الثابتة للجزائر غير قابلة للسمسرة والمواربة والتضليل والنفاق السياسوي، وهكذا لم ينسى الرئيس تبون في زخم القضايا الصعبة والمسائل المعقدة والملفات الشائكة، التذكير بأم القضايا والوقوف في سبيل قضية عادلة، فلا غرابة إن اكتسبت الجزائر من خلاتل رئيسها كل التقدير والإحترام من طرف الصين وقطر وتركيا وغيرها التي أدركت أن الجزائر الجديدة بديل لا خيار له في سياسة الرئيس عبد المجيد تبون، بل وأصبحت النموذج الناصع الذي يدافع بضراوة عن مصلحته الوطنية دون التفريط في المبادئ، ولا غرابة إن كان هذا التصريح المباشر قد أقلق الكثير وبشكل خاص المطبعون لأنها في كل مرة تكشف قبحهم وتخاذلهم وتأمرهم حتى على الجزائر.
الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون كان أيضا واضحا كالعشب والماء، في لقائه التلفزيوني مع القناة التلفزيونية الصينية (سي سي تي في)، حيث أكد أنّ الجزائر مصممة على الإنضمام للبريكس بعد اتخاذها لعدة إجراءات من شأنها تدعيم هذا المسعى وتعزيز هذا الطموح، وكشف أيضا أنّ الجزائر قد قامت بإيداع مليار ونصف مليار دولار في بنك البريكس، ويقول الضالعون بشأن الملف، أنّ الجزائر لم تتردد في ذلك إلا بعد حصولها على ضمانات وتأكيدات قوية بشأن انضمامها إلى البريكس. ولعل هذا ما يخيف الكثير من الدول التي بدأت ترى في الجزائر العملاق الإفريقي القادم من قريب جدا وليس من بعيد كما ظل يتوهم البعض. وهذه أيضا إشارة مباشرة لكل أصدقاء الجزائر بأنّ لإقتصادها قد تعافى تماما وخرجت من منطقة الركود بل أنها أصبحت تلبي الشروط المطلوبة للإنضمام إلى البريكس.
وحين نعود مرة أخرى إلى اللقاء التلفزيوني(سي سي تي في)، يستوقفنا بكل فخر واعتزاز، الرئيس عبد المجيد تبون مرة أخرى، حين صرّح وبجرأة جزائرية معهودة وعزم تليد وإرادة لا تلين، أنّ “الجزائر تقف بقوة ضد هيمنة أي دولة على دولة أخرى”، وهذه رسائل يعرفها الضالعون في السياسة الدولية وفهموا من خلالها أنّ الجزائر لن ترضخ أو تقبل في ظل الجزائر الجديدة، للسمسرة السياسية او تكون وكيلا لقوة إقليمية ما في المنطقة وليست بحاجة لصكوك الغفران حتى ترضى عنها أي قوة مهيمنة، بل أثنى على سياسة الصين واصفا إياها بالدولة القوية وتتعامل مع جميع الدول بمساواة دون التدخل في شؤون الآخرين. كما أنّ البيان المشترك بين الجزائر والصين تضمن أسلوبا جزائريا صارما ومتحديا الهيمنة الدولية، هذا يعني أنّ الجزائر لم تعُد تُبالي بغضب أي كانت، بل وتّدخر للغرب الكثير من المفاجآت ستكشف عنها الأيام المقبلة، وإنّ غدا لناظره قريب.
تركيا… الأهمية الإستراتيجية
الزيارة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى تركيا، كانت مهمة جدا واستراتيجية بالنسبة للرئيس طيب رجب أردوغان الذي عاد من جولة خليجية وُصفت بالمهمة جدا. إنّ العلاقات بين البلدين ليست وليدة اليوم بل تعود إلى أكثر من أربعة قرون، لكن اليوم وبشكل خاص منذ مجيئ الرئيس عبد المجيد تبون أخذ التعاون الثنائي بين البلدين أشواطا متقدمة وقفزات متسارعة على كافة الأصعدة، حيث اتسم بالدعم المتبادل والتعاون ذات الأهمية الإقليمية، وشهدت العلاقات الإقتصادية والتجارية نموا كبيرا ساهمت بشكل كبير في تدعيم العلاقات الثنائية وتوفير مناخ للتنمية الاقتصادية الحقيقية لكلا البلدين، حيث ولجت قطاعات البناء، الطاقة والتصنيع، العقود المشتركة ومنتديات الأعمال، ناهيك عن التعاون العسكري. كل هذه المؤشرات دفعت بالجزائر إلى اصطفاء تركيا بلا مراء، شريكا تجاريا واقتصاديا مهما للجزائر، ذو ثقة ومصداقية واحترام متبادل. كما أعرب رئيس الجمهورية ونظيره التركي، عن ارتياحهما لمستوى العلاقات بين البلدين لاسيما على الصعيد الاقتصادي حيث بلغت المبادلات التجارية بين البلدين 5 مليار دولار فيما بلغ حجم الاستثمارات التركية بالجزائر 6 مليار دولار، ويسعى الطرفان لرفعها إلى 10 مليار دولار على المدى المتوسط. ولتقوية الشراكة بين الجزائر وتركيا، واتفق الرئيسان على فتح مجال الاستثمار في ميادين جديدة وهو ما من شانه أن يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين. وخلال محادثاتهما، وجه الرئيسان وزيرا خارجية البلدين بعقد اجتماع في أقرب الآجال لتحديد الأولويات التي تم الاتفاق عليها وتحضير قمة تجمع بين الرئيسين قريبا من أجل تحديد البرنامج الجديد للتعاون بين البلدين الشقيقين. وفي الشأن الدولي تطرقا الرئيسان باهتمام إلى القضية الفلسطينية، واتفقا على تسريع مسار حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة. وخلال هذا اللقاء شكر الرئيس التركي أخاه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون نظير الدور الذي اضطلع به للحفاظ على نوعية العلاقات العربية التركية.
أحمد الشامي