يشهد العالم المالي تحديات متزايدة في مواجهة الاحتيال المالي، الذي بات يهدد استقرار القطاع المصرفي وثقة العملاء على حد سواء، فقد كشفت التقارير عن خسائر هائلة تكبدتها البنوك والمؤسسات المالية في عام 2024، ما يبرز تعقيد الظاهرة واعتماد المحتالين على أساليب مبتكرة وأدوات تقنية متطورة لتنفيذ عملياتهم.
الأرقام الأخيرة تُظهر أن خسائر الاحتيال المالي تتجاوز مئات المليارات من الدولارات، مع تصدر الاحتيال في المدفوعات قائمة الجرائم المالية، ما يعكس الفجوة القائمة بين سرعة الابتكار التقني والإجراءات الوقائية المتبعة. هذه الفجوة تسلط الضوء على زاوية مهمة: ضرورة تبني نهج جديد يعزز التكامل بين البنوك والعملاء وسلطات إنفاذ القانون.
التطور التقني والذكاء الاصطناعي
مع اعتماد المحتالين على تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، أصبحت عمليات الاحتيال أكثر تعقيدًا وفعالية، مما صعب كشفها في الوقت المناسب، من أبرز أساليب الاحتيال التي برزت مؤخرا هي تلك التي تعتمد على “الهندسة الاجتماعية”، حيث يتم استغلال نقاط الضعف النفسية لدى الضحايا لإقناعهم بتحويل الأموال طوعا. هذا النوع من الاحتيال يمثل تحولا نوعيا، لأنه لا يستند إلى اختراق تقني بقدر ما يعتمد على التلاعب بالعقل والثقة.
مسؤولية مشتركة وحلول تكاملية
زاوية التركيز هنا تتمحور حول المسؤولية المشتركة بين مختلف الأطراف لمواجهة الاحتيال المالي، إذ لا يمكن تحميل البنوك وحدها العبء الكامل لتطوير أنظمة الأمان ومراقبة الأنشطة المشبوهة. يتطلب الأمر تعاونا متعدد المستويات، يشمل العملاء من خلال التوعية واليقظة، والجهات التنظيمية التي ينبغي أن تدعم البنوك بسياسات عادلة تعزز من قدرة القطاع المصرفي على التصدي لهذه الجرائم.
إحدى الحلول المقترحة هي تعزيز التعاون الدولي لملاحقة المحتالين واستعادة الأصول المسروقة، مع بناء شبكات معلومات تشاركية تتيح تبادل التحديثات حول الأنماط الجديدة من الاحتيال. على الجانب الآخر، يمكن للعملاء أن يلعبوا دورًا مهمًا في تقليل مخاطر الاحتيال من خلال تثقيفهم بكيفية حماية بياناتهم المصرفية وعدم الانجرار وراء العروض المشبوهة.
المؤسسات المالية بدأت بالفعل في تبني إجراءات جديدة مثل تأخير عمليات الدفع للتحقق من مصداقيتها، وإضافة سقوف يومية للمعاملات. لكن هذه الحلول لا تكفي وحدها إذا لم يصاحبها استثمار أكبر في أدوات التحليل المتقدم لرصد الأنشطة المشبوهة بشكل استباقي.
يبقى التحدي الأكبر في تعزيز الثقة بين المؤسسات المصرفية والعملاء، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال الشفافية في معالجة قضايا الاحتيال وتقديم الدعم للضحايا، دون الإضرار بالاستقرار المالي للبنوك. من هنا، فإن معالجة الاحتيال المالي تتطلب استراتيجية متوازنة، تحفّز التعاون بدلاً من فرض الضغوط، وتجمع بين التقنيات الحديثة وإجراءات وقائية مدروسة، لضمان حماية أموال العملاء وتعزيز الأمن المالي على المدى الطويل.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله