
يشهد العالم في الوقت الحالي تطورًا متسارعًا بفعل الثورة التكنولوجية والتحول الرقمي، وقد أثر هذا التحول بشكل ملحوظ على العديد من القطاعات، وخاصة التعليم العالي. فقد فرضت الجامعات نفسها أمام ضرورة تبني حلول تعليمية مبتكرة، تواكب هذا التغيير وتضمن توفير فرص تعليمية مرنة وشاملة. أصبح التعليم عن بُعد نموذجًا فعّالًا يعزز فرص التعلم، ويتجاوز قيود المكان والزمان، ما يوفر بيئة تعليمية تكاملية تسهم في تحقيق الأهداف الأكاديمية وتواجه تحديات العصر.
في هذا السياق، تسعى الجزائر إلى تحسين جودة التعليم العالي من خلال تبني تقنيات حديثة تواكب التطور في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فقد شرعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تجهيز المؤسسات الجامعية بتقنيات تعليمية متخصصة لدعم التعليم عن بُعد. يهدف هذا التوجه إلى تحسين نوعية التعليم وضمان استفادة المجتمع الأكاديمي من المزايا التي يقدمها هذا النمط، بما في ذلك مرونة الوصول إلى المحتوى التعليمي والتفاعل الرقمي.
ومع ذلك، لا يخلو هذا التحول من تحديات جمة، بالرغم من الجهود الحكومية المبذولة لتطوير المنصات التعليمية الرقمية، لا تزال هذه المنصات تعاني من مشكلات تقنية مستمرة، مما يؤثر بشكل كبير على جودة التعليم. من أبرز هذه المشكلات التوقفات المفاجئة للخوادم، والتي تؤدي إلى تعطيل الدروس الرقمية وتؤثر سلبًا على تجربة التعلم. في بعض الحالات، يعجز الطلاب والمعلمون عن تحميل المحتوى التعليمي بسهولة، مثل الصفحات والفيديوهات، مما يقلل من فعالية العملية التعليمية.
إضافة إلى ذلك، تعاني العديد من المنصات من نقص في التفاعل بين الطلاب والمعلمين، حيث تفتقر إلى الأدوات التفاعلية اللازمة مثل غرف النقاش أو الاختبارات التفاعلية. هذا يحد من فرص التفاعل الفعّال ويعوق مشاركة الطلاب بشكل كامل، مما يؤثر على جودة التعليم عن بُعد ويجعل العملية التعليمية أحادية الاتجاه. ورغم هذه التحديات، يمكن القول إن التعليم عن بُعد في الجزائر له العديد من الجوانب الإيجابية. فهو يتيح للطلاب في المناطق النائية أو المتباعدة جغرافيًا الوصول إلى المواد الدراسية بسهولة أكبر. كما يسهم في تحسين الشمولية التعليمية ويساعد الطلاب على إتمام دراستهم بمرونة أكبر، دون الحاجة إلى التنقل إلى الجامعات، وهو أمر ذو أهمية خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والجغرافية.
من جانب آخر، عزز التعليم عن بُعد أيضًا من تطوير المهارات الرقمية لدى الطلاب والمعلمين على حد سواء، حيث أصبح التفاعل عبر الإنترنت جزءًا من المهارات الأساسية التي يحتاجها الجميع في عصر التكنولوجيا. كما قدم التعليم عن بُعد مرونة في تنظيم أوقات الدراسة، مما ساعد الطلاب في تقليل الضغوط المرتبطة بالمواعيد النهائية والجدول الزمني التقليدي.
بالتالي، يعتبر التعليم عن بُعد في الجزائر خطوة هامة نحو تحديث النظام التعليمي وتوسيع نطاق الوصول إلى المعرفة. ورغم التحديات التي يواجهها، مثل عدم كفاءة بعض المنصات، إلا أنه يبقى خيارًا مستدامًا. في حال تحسين المنصات التكنولوجية وتدريب المعلمين على استخدامها، يمكن لهذا النظام أن يصبح وسيلة فعّالة لتحسين جودة التعليم في الجزائر بشكل عام.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله