تكنولوجيا

التعلم الإلكتروني الذاتي

بين الحرية والمسؤولية

في زمن تسارع التحولات الرقمية، وظهور منصات تعليمية لا حصر لها، برز التعلم الإلكتروني الذاتي كأحد أبرز أنماط التعليم البديلة التي تحرر الفرد من القيود التقليدية للمؤسسات التربوية. وتمنحه فرصة الاستكشاف الحر للمعرفة حسب اهتماماته وسرعته الخاصة.

لكن هذا الشكل من التعليم لا يخلو من التحديات، ويثير تساؤلات عديدة حول فاعليته. ومدى قدرته على تعويض التعليم النظامي، خاصة في المجتمعات التي تعاني من فجوة رقمية أو تفاوت معرفي.


ما هو التعلم الإلكتروني الذاتي؟


التعلم الإلكتروني الذاتي هو عملية اكتساب المعرفة أو المهارات من خلال الموارد الرقمية، دون إشراف مباشر أو إلزام زمني من مؤسسة تعليمية رسمية. يعتمد هذا النمط من التعلم على حافز المتعلم الذاتي، ورغبته في التقدّم والتعلم من تلقاء نفسه، مستفيدًا من محتويات منصات التعليم الرقمي، أو المحاضرات المصورة، أو المقالات التخصصية، أو التمارين التفاعلية.

يتجاوز التعلّم الذاتي مجرّد مشاهدة الدروس، فهو يتطلب تخطيطاً، وتحديداً للأهداف، ومتابعة ذاتية، وتقييماً دوريًا للنتائج، مما يجعله أسلوبًا تعليمياً قائماً على الاستقلالية والوعي الذاتي.

لماذا يعد خيارا جاذبا اليوم؟


هناك عدة عوامل تجعل من التعلم الإلكتروني الذاتي خيارًا مثاليًا لفئة واسعة من الأفراد، خاصة في عصرنا الرقمي:

  1. المرونة الزمنية والمكانية، حيث يمكن للمتعلم أن يختار الوقت والمكان المناسبين له، دون أن يكون مقيدًا بجدول محدد أو مكان ثابت.
  2. تنوع المصادر، إذ يمكن للفرد أن يتنقل بين دروس مختلفة، من مدرسين متنوعين، وفي مجالات متقاطعة، بما يمنحه أفقًا معرفيًا أوسع مما قد توفره مؤسسة تعليمية واحدة.
  3. الاستجابة للاحتياجات الفردية، حيث يستطيع كل متعلم أن يسلك الطريق الذي يناسبه، ويتقدّم بالسرعة التي تريحه، ويختار الصيغ التعليمية التي تتماشى مع نمط تعلّمه.

بين الحماس والانقطاع: التحديات النفسية للتعلم الذاتي


رغم جاذبيته، إلا أن التعلم الذاتي الإلكتروني لا يخلو من العقبات، أبرزها الجانب النفسي المرتبط بالانضباط الذاتي. فقد يبدأ الكثيرون مسيرتهم بحماسة كبيرة، لكن سرعان ما يفتر حماسهم ويصيبهم الملل أو التأجيل المستمر. مما يؤدي إلى انقطاعهم قبل إتمام أي مسار تعليمي.

كما أن غياب التفاعل البشري المباشر يمكن أن يخلق شعورا بالعزلة. ويقلل من الحافز، خاصة عند مواجهة صعوبات تحتاج إلى نقاش أو تبادل أفكار مع آخرين.

الصدق مع الذات: مفتاح النجاح في التعلم الذاتي


التعلم الذاتي لا يمكن أن ينجح دون قدر كبير من الصدق مع النفس. فالمتعلم مطالب بتحديد أهدافه بوضوح، ومعرفة الأسباب الحقيقية التي تدفعه إلى اختيار هذا المسار. بدل أن ينخرط في دورات كثيرة دون خطة واضحة أو متابعة جدية.

كما أن اختيار المصادر يجب أن يكون دقيقا، قائما على الجودة والموثوقية. لا على الانبهار بالعناوين الجذابة، أمثلة كثيرة في الواقع تعكس هذه المفارقة: أفراد يبدؤون عشرات الدورات، دون أن ينهوا واحدة منها. لمجرد أن الفكرة بدت جذابة في لحظة معينة، أو أن المنصة كانت مشهورة.</span>

منصات عربية ومبادرات محلية


في السنوات الأخيرة، ظهرت مبادرات عربية رائدة في مجال التعلم الذاتي الإلكتروني، مثل منصة “رواق” التي تقدم مساقات باللغة العربية في مجالات شتى، ومنصة “إدراك” التي تُعنى بتوفير محتوى تعليمي عالي الجودة من أساتذة جامعات عربية وأجنبية.</span>

هذه المبادرات ساهمت في تقريب المعرفة من الشباب العربي، وأثبتت أن التعلّم الذاتي ليس حكرًا على من يتقنون لغات أجنبية. أو يملكون اشتراكات في المنصات العالمية، إلا أن الوصول إلى هذه الموارد ما زال محدودا في بعض البيئات. إما بسبب ضعف البنية التحتية للأنترنت، أو غياب ثقافة التعلم الذاتي من الأساس. وهو ما يدعو إلى تسليط الضوء على أهمية التوعية بهذه المنصات، وتدريب الأفراد على كيفية الاستفادة منها.</span>

المعلم الجديد: من ناقل إلى ميسّر


مع الانتشار الواسع للتعلّم الذاتي، تغيّرت طبيعة دور المعلّم التقليدي. لم يعد دوره يقتصر على إلقاء المعلومات، بل أصبح ميسرا للتعلم، وموجها للطلبة في اختيار المصادر المناسبة. ومساعدا لهم على بناء خطط تعلم شخصية، تقودهم إلى الاستقلال المعرفي.</span>

بمعنى آخر، لم يعد المعلم “مالك المعرفة”، بل أصبح “مرافقًا” في رحلة البحث عنها، وهي رؤية حديثة للعملية التعليمية يجب أن تُدمج تدريجيًا في المناهج والتكوينات الأكاديمية.</span>

هل يُغني التعلم الذاتي عن التعليم النظامي؟


هذا السؤال يطرح نفسه بقوة في ظل التحولات الجارية. فهل يكفي أن يتعلّم الفرد بنفسه ليكون مؤهلاً لسوق العمل أو لمتابعة مساره الأكاديمي؟

الجواب يعتمد على السياق. في بعض المجالات التطبيقية، مثل التصميم أو البرمجة أو التسويق الرقمي، يمكن أن يكتسب المتعلّم الذاتي مهارات قوية تؤهله للعمل دون شهادة رسمية. شرط أن يثبت كفاءته، لكن في مجالات أخرى، كالهندسة أو الطب أو القانون، يبقى التعليم النظامي ضروريًا نظرًا لحاجة التكوين إلى إشراف، وتجريب، وتدريب ميداني منظم.</span&amp;amp;gt;

التعلم الذاتي ليس بديلا مطلقا، بل مكمّل ضروري. يساعد على تعزيز الفهم، وتجديد المعارف، ومواكبة المستجدات في أي مجال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى