تكنولوجيا

التشويش الخوارزمي.. ظاهرة صامتة تربك المستخدم وتغيّر مسار المحتوى الرقمي

التشويش الخوارزمي .. تزداد كمية البيانات التي تنتجها المنصات الرقمية بشكل غير مسبوق نتيجة الاعتماد المتصاعد على الخوارزميات التي تنظّم المحتوى وتقترح ما يجب على المستخدم مشاهدته أو قراءته.

 

ورغم أن هذه الأنظمة صُممت لتسهيل الوصول إلى المعلومات فإن كثرة ما تولده من محتوى قد تتحول إلى مصدر تشويش يضع المستخدم أمام سيل لا ينتهي من التوصيات فيصعب عليه التمييز بين ما هو مهم وما هو زائد.

 

فيض المحتوى.. عندما يصبح الذكاء الآلي عبئًا يوميًا

الخوارزميات تعمل على تحليل سلوك المستخدم لتحديد ما يناسب اهتماماته وتظهر له محتوى متتابعًا دون توقف، إلا أن هذا الأسلوب يؤدي غالبًا إلى تضخّم كبير في كمية المواد المعروضة بحيث يجد المستخدم نفسه داخل دائرة متواصلة من المقاطع والنصوص والصور، ومع استمرار هذا الفيض يفقد المستخدم القدرة على اختيار ما يحتاجه فعلاً لأنه يتعرض لوابل من المعلومات يولد حالة من التشويش الذهني ويقلل التركيز ويضيع الوقت، وهذا ما أشارت إليه دراسات في سلوك الاستخدام الرقمي تؤكد أن كثرة المحتوى غير المنظم تضعف القدرة على اتخاذ القرار.

 

تأثيرات مباشرة على المتصفح.. ضغط نفسي وتشتت معرفي

تتسبب ظاهرة التشويش الخوارزمي في عدة آثار تظهر تدريجيًا على المستخدم، إذ تشير بيانات منشورة في دراسات عالمية إلى أن الازدحام المعلوماتي المستمر يجعل الدماغ يتعامل مع محتوى يفوق طاقته على الاستيعاب مما يؤدي إلى إرهاق ذهني وشعور متكرر بعدم القدرة على إنهاء المهام، ويزداد الأمر صعوبة عندما تعتمد المنصات على أسلوب العرض المتتابع الذي يواصل بث المحتوى تلقائيًا فيُدفع المستخدم إلى استهلاك أكبر مما ينوي مما يسبب فقدان السيطرة على الوقت، ومن جانب آخر فإن كثرة التوصيات تُغيّب المحتوى المتخصص أو الحقيقي وسط مواد سطحية أو متشابهة مما يفقر التجربة المعرفية ويقلل جودة ما يتلقاه الفرد.

 

مسؤولية المنصات.. وضبط المحتوى ضرورة وليس خيارًا

تدرك المنصات الكبرى أن تضخّم المحتوى يولد تشويشًا قد يدفع المستخدم للابتعاد عن خدماتها ولهذا بدأت بعض الشركات باتخاذ خطوات للحد من هذه الظاهرة مثل تقليل عدد التوصيات العشوائية وتقديم أدوات لإدارة ما يظهر على الشاشة، وتشير تقارير تقنية إلى أن بعض المنصات بدأت بمنح المستخدم قدرة أكبر على التحكم في نوعية المحتوى الذي يريد أن يراه مع إمكانية إخفاء التوصيات غير المرغوبة، كما تعمل فرق متخصصة على تحسين آليات العرض بحيث تصبح أقرب إلى احتياجات المستخدم وأقل ازدحامًا، ورغم ذلك ما زالت المشكلة قائمة لأن الخوارزميات تعتمد أساسًا على تكبير زمن التصفح وهو ما يتعارض مع هدف المستخدم الذي يسعى إلى تجربة مفيدة وغير مرهقة.

في المحصلة فإن التشويش الناتج عن الكثرة المفرطة في البيانات التي تولدها الخوارزميات أصبح أحد أبرز التحديات في العصر الرقمي لأنه يضع المستخدم في مواجهة تدفق معلوماتي لا يهدأ ويؤثر في قدرته على التركيز وجودة ما يتلقاه، ومع استمرار توسع المنصات وتنوع أدوات الذكاء الآلي ستزداد الحاجة إلى تطوير أنظمة أكثر توازنًا تمنح المستخدم محتوى أقل كمية وأكثر جودة مما يضمن تجربة رقمية صحية تحفظ الوقت وتدعم المعرفة بدل أن تستهلكها.

بن عبد الله ياقوت زهرة القدس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى