
على ضوء الاجتهادات التي برزت على الساحة المسرحية، أعمال تبحث عن كيفية استغلال الفضاء الركحي من طرف الممثل الواحد وقد اقترن بزوغ نواة هذه التجربة بانطلاقة عدة ملتقيات “للمسرح الفردي”، إلا أن هناك مبادرات أكدت حضورها السابق،قبل هذه التظاهرات،إذ لعبت دور الريادة لهذا النوع الجديد نسبيا على الممارسة المسرحية، والمغري حقا لولوج محتوى ميكانيزماته وفلسفته وكيفية إقناع المتلقي بأسلوبه الفريد.
إذا كانت تجربة “مسرح الممثل الواحد” التي يقول عنها الناقد الزبير ّ”بن بوشتي” قد أفرزت تراكما إبداعيا لا يستهان بكمه وكيفه فان الفراغ ألتوثيقي يشكل عقبة صعبة الاجتياز في وجه الباحث والمتتبع والمهتم الذي يود أن يطلع عما خلفته هذه التجارب من أصداء ، وما ضراوة الموقف الذي اتخذ ويتخذ اتجاه هذا اللون المسرحي دون إغفال أو غض الطرف عن بعض الكتابات التي واكبت مولد عدة أعمال ” مسرح الممثل الواحد ” والتي كانت تأتي عادة كتغطيات صحفية أو آراء نقدية لمختلف المبدعين والنقاد بصفتهم متتبعين أو مشاركين في بعض الملتقيات المسرحية والثقافية.
إن بواعث “مسرح الممثل الواحد” الذي انقشعت نواته خلال السبعينيات تترجم مدى وتحايل المسرحي الطليعي الطموح إلى تغيير جذري يوفر له ظروفا صحية لممارسة مسرحية تتمتع بحرية الرأي والتفكير والمعالجة، بإمكانيات مادية ومعنوية وفكرية تدعمه أثناء إبحاره الإبداعي الشاق ، وان هذا التمرد في جوهره لا يعكس إلا ذلك التطلع الذي يتوخى من خلال استماتة هذا المبدع المسرحي المهمش والمقموع تدليل أكل العقبات التي تحول دون مواصلته لرحلته الساعية لتخطي الظرف الحالي والمنعكس بكل سلبياته على الحركة الإبداعية والفكرية، هذا الانعكاس السلبي الذي وسع الهوة بين أحاسيس ومشاعر الناس وبين ميولاتهم ومواقفهم واحتياجاتهم الأمر الذي أدى إلى طغيان المبادرات الشخصية في تحقيق المطامح والغايات التي تستوجب بدورها التحليل والتشريح الجسدي للمجتمع والانغماس بالتالي في مكنوناته الباطنية، هذه البواعث المؤدية إلى ظهور “مسرح الممثل الواحد” قد ارتبطت بتفسيرين :
هناك من جعل مرد هذه البواعث الى الظروف السياسية والاقتصادية التي تجتازها البلاد، والتي أثرت بشكل أو بآخر في شتى الشرائح الاجتماعية والثقافية وبطبيعة الحال فان الجانب الثقافي بما فيه المسرح أضحى أكثر تضررا في بوثقة هذه الظروف التي أدت بالمبدع الى الاعتماد على مبادراته الخاصة ، مختزلا طاقات وإمكانات شتى في أدوات أقل تكلفة يتم التعامل معها من طرف مشخص واحد، الشيء الذي جعل الكثير من الأسماء تنجرف مع المد ألتياري لـ ” مسرح الممثل الواحد “.
أما البعض الآخر فقد أعاد هذا اللون الجديد الى أصوله ومراحله الأولى المتسمة بتوظيف ممثل واحد يقوم بكتابة وتشخيص العمل في اللحظة التي يقف أثناءها أمام جموع الناس ليكون بذلك إبداعا يكتنز التفاعل والتعبير التلقائي الصادق والمجرد من كل الأقنعة والأصباغ والخدع وقواعدها التي تجعل المتلقي يسبح في أجواء لا تمت لواقعه ولا لقضاياه بصلة كما لا يخفى عن أي متهم أو دارس فان مثل هذه السمات قد ميزت المسرح اليوناني أثر ولادته الأولى إذ كان يقتصر على الممثل الواحد الذي يعد المؤلف والمشخص لمسرحيته، مصحوبا بجماعة ” الكومبارس” كما يمكن لمس هذه الخصائص أيضا في موروثنا العربي الشعبي، كأشكال عرفت بـ ” الما قبل مسرحية”، هذه الأشكال التي يمكن استشفافها من الحلقة والمداح والسامر والحكواتي، لاعتمادها على شخص واحد يقوم بحكي الأحداث والوقائع ومحاكاة أبطالها بالكلمة والحركة والرقصة والأغنية وغيرها من التعابير الوجدانية التي يختزلها شخص (الحلايقي أو الراوي أو الحاكي ).
براهيم سلامي