
أعدته: ميمي قلان
تعتبر من الكفاءات الجزائرية الشابة، والتي ماتزال تسعى وراء التحصيل العلمي (بحوثا وتجاربا، تدريسا ودراسة)، من أجل المساهمة في تطوير المنظومة الصحية في الجزائر وتوفير علاجات للبشرية ككل، عبر الاستغلال الأمثل لأحدث التجهيزات وآخر الابتكارات في مجال علاج تأخر الإنجاب والعقم.
حيث لا تتوقف البروفيسور “ستي نضار”، عن إلقاء المحاضرات وإدارة المؤتمر بالولايات الجزائرية وفي الخارج، خاصة مصر وبريطانيا، كونهما السباقتان في التكفل بهذا المشكل الصحي الذي ما يزال حديث العهد في الجزائر، حيث اعتبرت البروفيسور “نضار” وهي تتحدث إلى جريدة “البديل”، أن الإعلام يقوم بدور مهم في تنوير الرأي العام وتبديد بعض الأفكار والمعتقدات الراسخة في المجتمع، والتي تعيق الوعي المجتمعي في ظل الثورة العلمية في مجال الصحة.
المشاركة في المؤتمرات واعتماد آخر الابتكارات العلاجية… سر النجاح
وعن الأسباب الحقيقية التي جعلت تخصص علاج تأخر الإنجاب والعقم يحقق نتائج إيجابية، فقد أكدت البروفيسور “نضار” أن الطبيب ملزم بالمشاركة في الملتقيات، الندوات والمؤتمرات العلمية والمحاضرات التي تنظم داخل وخارج الوطن، فهي تفتح باب المعرفة على مصراعيه أمام الطبيب، ليتعرف على آخر التقنيات العلاجية، مذكرة أهمية مشاركتها في المؤتمرات الخاصة بهذا المجال بدولة مصر الشقيقة، باعتبارها من الدول العربية المتقدمة في علاج تأخر الإنجاب والعقم، منذ الثمانينات وكذا المملكة البريطانية التي شاهدت أول تلقيح مجهري في التاريخ، مشيرة إلى التنسيق مع جامعات هاتين الدولتين على غرار برمنغهام.
تأخر الإنجاب والعقم يعود لأسباب نفسية أكثر من العضوية
وعن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء انتشار تأخر الإنجاب والعقم، فقد أوردت البروفيسور “نضار” المتخصصة في المجال، أن أسبابه نفسية أكثر منها عضوية وذلك لتأثر العقل بمحيطه وما يسمعه من كلام، خاصة بين حديثي الزواج.
فمرض تأخر الإنجاب والعقم هو ليس مرضا عضويا بقدر ما هو مرض نفسي، بل هو موت بطيء، أي أن الشخص الذي يعاني من هذا المرض يموت يوميا، لأن الزوجين يعيشان مأساة حقيقة، ناهيك عن الضغط الذي يتعرضان له من طرف المجتمع. ما يعتبر عنصرا فعالا في تأخر الإنجاب، لأن هرمونات الإنجاب ناتجة عن المخ، أي ضغط خارجي يؤثر على نفس على الهرمونات. هرمونات الإنجاب تأتي من العقل وأي ضغط خارجي يسبب خلل في إفرازات الهرمونات وقد يعيقها سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل، الذي يعطيه تفكك معلومة وراثية تغير حالة المني الخاصة به.
بطانة الرحم المهاجرة للمرأة والنظام الغذائي والألبسة الرجالية سبب في تأخر الإنجاب والعقم
أما فيما يخص الأمراض العضوية التي تساهم في تأخر الإنجاب، فقد أوردت البروفيسور “نضار”، أن هناك مشكلا شائعا عند الإناث يتمثل في تكيس المبايض وبطانة الرحم المهاجرة.
مشيرة إلى أن تكيس المبايض في تزايد، والذي له علاقة مباشرة مع السمنة، ويرجع ذلك حسبها إلى تناول السكريات بكثرة عدم ممارسة الرياضة، وهو ما يؤدي إلى إنشاء غلاف حول المبايض وتعيق وتخلق مقاومة للأنسولين وتؤخر عملية التبويض، كما هناك مشكل “بطانة الرحم المهاجرة”، التي كانت في السابق مرضا غير معروف، أما اليوم فأصبحت مرضا سهل الكشف عنه ويمكن متابعته وعلاجه.
موضحة أن اليوم توجد فتيات في عمر 18 و20 سنة تعاني من مشكل بطانة الرحم المهاجرة، وأول أعراض الإصابة ببطانه الرحم المهاجرة هي الآلام القوية المصاحبة للدورة الشهرية، في السابق كانت الفتاه تُنصَح بشرب منقوع القرفة للتخلص من الآلام، أما اليوم أصبحت تذهب إلى الطبيب للكشف عن الأسباب التي تقف وراء الآلام التي تعاني منها، وهو ما يعني أنها تتجنب الإصابة بمرض خطير وهو “بطانة الرحم المهاجرة”، الذي يمكن أن يعرضها إلى عدم الحمل أو تأخر في الإنجاب بعد زواجها.
كما يوجد سبب آخر يتعلق بالنظام الغذائي في عصرنا الحالي، الذي أصبح سببا مباشرا في أمراض تأخر الإنجاب والعقم، على غرار الأكل السريع والسكريات.
وبالنسبة للرجل، فقد أوضحت ذات البروفيسور، أنه في سنوات ماضية كان 70 بالمائة من تأخر الإنجاب راجع للمرأة و30 بالمائة سببه الرجل، واليوم النسب متقاربة، بحيث أن هناك العوامل الخارجية، مما تؤثر على نوعية النطاف المكونة لديه، على غرار الأكل، التدخين، المشروبات الكحولية، الممنوعات والمهلوسات. مؤكدة أن الأهم من هذا، هو تعامل الرجل مع عوامل خارجية مثلا جلوسه الطويل أمام الحاسوب الذي يؤثر على الحالة الجسدية بفعل بروز الدوالي في الرجلين، أيضا نوعية الملابس مثل الملابس الضيقة التي تشوه الجهاز التناسلي للرجل، هذا ما يساهم في تأخر الإنجاب وحتى العقم، وفي حال حدوث الحمل، فإن الجنين يكون يعاني من تشوهات.
التلقيح المجهري… الحل الأمثل لتأخر الإنجاب
وفي عملية البحث عن حلول ناجعة لتأخر الإنجاب والعقم، فقد أكدت البروفيسور المتخصصة “نضار”، أن عملية “التلقيح المجهري”، أفضل الحلول في ظل توفر التجهيزات الطبية والعلاجات المتطورة التي أصبحت تتوفر بمراكز العلاج بالجزائر، والتي تسهل على الأزواج العلاج وتخفف عنهم تكاليف العلاج الباهظة التي كانوا يصرفونها في الخارج وكثيرا ما فشلت.
مردفة أن التلقيح المجهري يشهد تطورات يومية، بعدما كان في الماضي، هناك اهتمام أكبر بأطفال الأنابيب، حيث توضع البويضة مع النطفة للتلاقح، بعد أن يتم تكوين الجنين يعاد وضعه في رحم المرأة، كما توصلت الأجهزة الطبية الحديثة إلى المساهمة في معرفة مدى سلامة الجنين من خلال تلقيح البويضة مع النطفة، هناك أمراض وراثية وأخرى جينية تؤدي إلى تشوه الجنين، مما يؤدي إلى التخلص من البويضة والنطفة قبل تكوينهما وإعادة التجربة مرة أخرى.
وعن سبب عدم نجاح “التلقيح المجهري”، في كثير من الأحيان سببه هو المريض نفسه، لأن موضوع تأخر الإنجاب والعقم هو موضوع حديث بالنسبة لمجتمعنا الجزائري، وأحيانا المرأة تكون متقبلة للعلاج دون الذهاب إلى التلقيح، مثل انسداد قنوات فالوب، التي تحتاج إلى تلقيح مجهري، هذا الأخير الذي يعتبر علاجا حديثا ودخيلا على العائلات الجزائرية، فالبعض من النساء تظن أنه بإمكانهن تأجيل هذا الحل، بينما هناك البعض من المرضى يرفضونه كحل ويعتبرونه حرام.
في وقت هناك نساء يرفض أزواجهن القيام بعملية التلقيح المجهري لغاية بلوغهن سن معين، وهذا ما يجعل نسبه نجاحهن في الحمل قليلة، وذلك لجهلهم بخصوص تلقيح المجهري الذي له علاقة مباشرة بالسن، فكلما تقدم عمر المرأة كلما قلّت نسبة التفاؤل بإمكانية حدوث الحمل، فعندما يكون عمرها 25 سنة وتعاني من انسداد قنوات فالوب، تكون لديها نسبه تلقيح 60 بالمائة تنجح، المرأة نفسها عندما تبلغ 35 سنة تنقص نسبة نجاح التلقيح تصل بين 35 و40 بالمائة، وحين تبلغ من العمر 40 سنه فما فوق، فإن نسبة نجاح التلقيح تتهاوى إلى أقل من 5 بالمائة. معناه حتى التلقيح المجهري ليس حلا معجزة، فعلى المرأة أن تعلم أن نسبة نجاح التلقيح المجهري يكون حتى سن الـ 25، وبتقدم العمر تنقص هذه الآمال حتى أن نوعية البويضات تنخفض من حيث الجودة.
المرافقة النفسية ضرورية لإنجاح التلقيح المجهري
وفي حالة الخضوع إلى عملية “التلقيح المجهري”، فإن المرافقة النفسية من طرف أخصائيين يصبح ضروريا في حياه الزوجين وحتى في التلقيح الاصطناعي أو ما يعرف بأطفال الأنابيب، على مستوى المراكز الخاصة بالتوليد وبعلاج العقم وتأخر الإنجاب، من أجل التكفل نفسيا بالزوجين لمساعدتهما على تخطي هذه المرحلة الحساسة.
حيث ذكرت البروفيسور “نضار”، أنه إذا تعلق الأمر بما يعرف تلقيح الاصطناعي أو أطفال الأنابيب حتى يقتنع الزوج، حتى خلال المرحلة التي تكون المرأة تأخذ فيها أدوية، لابد أن تخضع إلى مرافقة نفسية لأنه ليس من السهل تناول الدواء يوميا، ناهيك عن أخذ اللقاح عبر الوخز بالإبر. كذلك مرحلة الانتظار لسحب البويضة من رحم المرأة، لأنها ليست بالأمر البسيط، كذلك بالنسبة للتلقيح المجهري، ففي أحسن الحالات وأفضل المراكز العلاجية في العالم، 60 بالمائة تكون حالات ناجحة بالنسبة للمرأة صغيرة السن، وتبقى 40 بالمائة نسبة فشل.
لا يمكن للذكاء الاصطناعي تعويض الطبيب، لأن العلاقة مع المريض مشاعر إنسانية
وفيما يخص إمكانية الاعتماد على “الذكاء الاصطناعي”، في القيام بدور الطبيب مع المريض، فقد أكدت البروفيسور “نضار”، أنه لن يستطيع تعويض الطبيب، لأن من يعالج المريض يجب أن يكون إنسانا، لأن التعامل يعتمد على المشاعر والأحاسيس، وهو ما يتوفر عليه البشر وتفتقده التكنولوجيا والآلة، حتى فيما يخص المعلومات التي تدرج للذكاء الاصطناعي، ليست بنفس تأثير والفهم بالنسبة للإنسان.
فرغم أن التكنولوجيا مهمة ومتطورة جدا، إلا أنها خالية من المشاعر، هذه الأخيرة التي خصها الله تعالى لعباده دون غيرهم. لكن هذا لا ينفي ـ حسبهاـ أن لها دورا مهما في تقديم خدمات طبية للطبيب حتى يستغلها بعلاج المريض. كذلك في مجال اختيار النطفة أو البويضة. وعلى سبيل المثال، يوجد جهاز يسمى “الحضانة الذكية”، التي يوضع الجنين على مستواها ليكبر، لمدة أسبوع، وذلك لإخضاعها لفحوصات لمعرفة مدى صلاحيتها.
من هي البروفيسور “ستي نضار”؟
تعتبر الدكتور “ستي نضار” بروفيسور مختصة في أمراض النساء والتوليد، خريجة جامعة وهران في 2003، عملت بالعيادة العمومية المتخصصة في طب الأطفال والأمومة “نوار فضيلة” المعروفة بـ “سنتان”، بوسط مدينة وهران، تحصلت هناك على لقب “أستاذة محاضرة”.
في 2016 تنقلت إلى ولاية الشلف، أين التحقت بعيادة خاصة، متخصصة في طب الأطفال والأمومة “عيادة البرتقال”، تحت إشراف البروفيسور “الشيخ راجح”، وكانت تجربة مهمة، سمحت لها باكتساب الخبرة وتقنيات الممارسة الميدانية لطب النساء. في 2019 قامت بالتخصص بالتنسيق مع جامعة الجزائر في أمراض النساء، أمراض العقم والإنجاب.
في 2022 تخصصت كاستشارية في أمراض العقم بجامعة قصر العين في مصر الأميرة فاطمة مع جامعة برمنغهام في بريطانيا، وفي 2023 تخصصت في البيولوجيا في مخبر شهادة التخصص أمراض العقم والنساء، نالت العديد من الشهادات العلمية التي تثبت نجاحها في تخصص طبي مازال حديثا بالجزائر، ويمكنها تقديم الكثير فيه سواء لزملائها أو الطلبة.