تكنولوجيا

الانفجار الرقمي

مخاطر ومنافع الرقمنة.. إلى أين؟

يحظى الشرق الأوسط بالفعل بتغلغل رقمي كبير، فبالنسبة لعدد سكانه تتجاوز المنطقة المتوسط العالمي بالنسبة لعدد مستخدمي الإنترنت، هذا التقدم تقوده الإمارات وقطر والبحرين التي تتغلغل فيها الهواتف المحمولة بنسبة تزيد على 100 بالمائة مقارنة بعدد السكان، حيث يعود معظم نمو استخدام الإنترنت في الشرق الأوسط إلى منصات التواصل الاجتماعي، فقد زادت نسبة الاستخدام الإقليمية لمنصات التواصل الاجتماعي إلى ما يقارب 5  بالمائة حتى بحساب مناطق الصراع مثل سوريا واليمن والسودان. ووفقا لشركة ماكينزي آند كومباني الرائدة في مجال استشارات الأعمال فإن تدفق المعلومات بين الشرق الأوسط وباقي العالم زاد أيضا بمقدار 150 ضعفًا خلال العقد الماضي.

ويشير مؤشر الرقمنة الخاص بالشركة إلى أن الشرق الأوسط ما زال أمامه وقت لتحقيق الإمكانات الكاملة للتغلغل الرقمي خصوصا في قطاعي الأعمال والحوكمة، إذ توازي المدخلات الرقمية في اقتصادات الشرق الأوسط حوالي 4.1 بالمائة فقط من الناتج الإجمالي للمنطقة، أي ما يوازي 8.4 بالمائة فقط من الإمكانات الرقمية للمنطقة. في الوقت الذي تقدم فيه طفرة الرقمنة في الشرق الأوسط فرصا هائلة للقطاعين الخاص والعام إلا أنها تفتح الطريق أمام تهديدات وتحديات لنمو المنطقة وحكوماتها وأمنها في الوقت الذي تقدم فيه طفرة الرقمنة في الشرق الأوسط فرصا هائلة للقطاعين الخاص والعام إلا أنها تفتح الطريق أمام تهديدات وتحديات لنمو المنطقة وحكوماتها وأمنها

المخرجات الاقتصادية الرقمية 

وتهدف حكومات الشرق الأوسط بشكل واضح إلى الوصول إلى الحد الأقصى من المخرجات الاقتصادية الرقمية، فقد رُسمت برامج تحول اقتصادية في دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر ومصر والإمارات سعيا لتوسعة المدن الذكية والتجارة الإلكترونية وصناعة السيارات ذاتية القيادة. وتُقدّر جارتنر أن حكومات الشرق الأوسط ستنفق 11.6 مليار دولار على منتجات تكنولوجيا المعلومات وخدماتها في 2017. في الوقت الذي تقدم فيه طفرة الرقمنة في الشرق الأوسط فرصا هائلة للقطاعين الخاص والعام إلا أنها تفتح الطريق أمام تهديدات وتحديات لنمو المنطقة وحكوماتها وأمنها.

النمو الرقمي

بالنسبة لدول الشرق الأوسط الساعية للتحول إلى اقتصادات قائمة على المعرفة وتقديم الخدمات فإن تسريع الرقمنة أمر منطقي تماما، فالتجارة الإلكترونية هي مساحة أظهرت نموا رقميا من المرجح أن يزداد اتساعا على المدى القصير والمتوسط، ويمثل التوزيع عبر الإنترنت 2 بالمائة فقط من مجمل التوزيع في المنطقة، ونجاح “سوق” و”أمازون الشرق الأوسط” يجعل هذا السوق الرقمي جذابا بشكل فريد. بإمكان التجارة الإلكترونية أيضا توفير فرص وظيفية لرائدات الأعمال السيدات والشباب المهمشين الذين يتم استبعادهم غالبا من قوى العمل التقليدية في الشرق الأوسط. يمكن أن تصبح تطبيقات الخدمات الرقمية هي المهيمنة كذلك، فبإمكان الحوسبة السحابية والأجهزة التي تعمل عبر الإنترنت والطابعات ثلاثية الأبعاد خلق فرص للأعمال وتسيير العمليات الصناعية واسعة النطاق. يمس هذا الأمر بشكل خاص قطاعات الطاقة والإنشاء في الشرق الأوسط، حيث بالإمكان ميكنة 40 بالمائة من مهمات هذه القطاعات. وبإمكانها أيضا أن تخدم قطاعات الخدمات البنكية المزدهرة في البحرين وقطر والأردن، حيث بإمكان التطبيقات الرقمية تسيير المدفوعات وتحليل البيانات ومعاملات الزبائن. 

تكنولوجيا المعلومات 

هذه الآفاق دفعت بالفعل لاعبين كبار في مجال تكنولوجيا المعلومات مثل: “إس ايه بي، وآي بي إم، وأوراكل، وأمازون ايه دبليو إس” (SAP وIBM وOracle وAmazon AWS) إلى دخول سوق الخليج. وتُقدّر ماكينزي أن مكاسب الإنتاجية الرقمية بإمكانها أن تُحسّن من ميزانيات الشركات لأكثر من 50 بالمائة في خمس سنوات، والتي بإمكانها في النهاية زيادة النمو الاقتصادي للشرق الأوسط وذلك بتسريع تنويع أساساته الاقتصادية بعيدا عن النفط والغاز. لكن مع ذلك فإن هناك تحديات تواجه هذه الرقمنة، فرغم الطلب الاستهلاكي المتزايد على التطبيقات الرقمية فإن استثمارات تكنولوجيا المعلومات ما زالت تعتمد بشكل كبير على العوائد والثقة الاقتصادية المرتبطة بأسعار البترول المرتفعة. هذا الأمر يمس الخليج تحديدا، حيث أدى انخفاض سعر البترول في السنوات الأخيرة إلى إحجام القطاعين الخاص والعام عن الإنفاق على مشاريع تكنولوجيا المعلومات التي قد تدر أرباحا على المدى البعيد، نتيجة لذلك يصبح التقدم الإقليمي في عملية الرقمنة على المدى القصير غير مؤكد. بالإضافة إلى عدم اليقين هذا، هناك التركيب الخاص بمناخ الأعمال في الشرق الأوسط، فعلى خلاف الولايات المتحدة أو شرق آسيا، يفتقد الشرق الأوسط رأس المال المغامر الذي بإمكانه تمويل المشاريع التكنولوجية الناشئة وتحويلها إلى مشاريع كبيرة الحجم تدر أرباحا. تحوي المنطقة أيضا عددا هائلا من الأعمال المرتبطة بالدول أو التي تديرها العائلات، حيث تتركز ملكيتها في أيدي قليلة تحتكر أسهمها كلها، وهو ما قد يخيف رواد الأعمال المحليين من تأسيس شركات تنافس رقميا الثقافة الصناعية القائمة وعملياتها.

العوائق السياسية 

هناك أيضا عوائق سياسية، إذ تميل حكومات في الشرق الأوسط إلى عدم الثقة في أي طرف ثالث للحصول على بياناتها، وهو ما قلل من استخدام التطبيقات الرقمية التي تعتمد على الحوسبة السحابية والتخزين التابعين لطرف خارجي، وبما أن الحكومات هي المستثمر الأكبر في القطاع الخاص في المنطقة فقد انتقلت عدم الثقة هذه إلى القطاع الخاص أيضا. لدى الشرق الأوسط كذلك قوانين وضوابط مختلفة بخصوص الخصوصية وتبادل المعلومات، أحيانا حتى داخل البلد الواحدة اعتمادا على وجود مناطق التجارة الحرة أو المناطق الصناعية ومناطق الحكم الذاتي، وبإمكان هذا الأمر أن يتسبب في مشاكل قانونية لمستهلكي ومزودي التطبيقات الإلكترونية على السواء أثناء عملهم إقليميا أو خارج الإقليم، خصوصا مع الاتحاد الأوروبي الذي يمتلك منظومته الفريدة من قوانين المعلومات.

تأثير الرقمنة على قوة العمل

 المشكلة الرئيسة هي تأثير الرقمنة على قوة العمل في الشرق الأوسط، إذ تصل البطالة في المنطقة إلى 54 بالمائة والبطالة بين الشباب تقرب من 30 بالمائة، وتمتلك المنطقة أيضا نسبة مرتفعة من شباب الجيل الألفي، ويتوقع أن ينضم ما يقارب 100 مليون شاب إلى قوة العمل بحلول عام 2020، كل هذا بالإضافة إلى النقص في المواهب التكنولوجية، حيث قدرت سيسكو أن الشرق الأوسط عانى من عجز يقارب 100 ألف متخصص في مجال الشبكات في العام 2015 وهو ما يزيد بنسبة 50 بالمائة عن 2012.

الرقمنة تهديد كبير على قوة العمل

اتخذت الحكومات في الخليج والشام خطوات بالفعل لتطوير وتمويل التعليم الفني عاقدة أملها على تقليل بطالة الشباب والعجز في المواهب الرقمية على المدى المتوسط والبعيد، لكن مع ذلك فإن الرقمنة تشكل تهديدا على قوة العمل في المنطقة على المدى القصير. قد يتعرض العمال للفصل من الوظائف التي تمت ميكنتها بالكامل، والوظائف التي بالإمكان فقط ميكنة جزء منها قد يتعرض العاملين بها إلى تقليل رواتبهم. هذه التأثيرات قد تصيب بالتحديد قطاعي الطاقة والمقاولات في الخليج والذي يضم عددا كبيرا من العمال من الدول العربية غير الخليجية والذين يرسلون تحويلاتهم المالية إلى أوطانهم، كل هذا قد يضر بالدول التي تعتمد على تحويلات العاملين بالخارج مثل مصر والأردن، ويخلق نمطا جديدا لهجرة العمال، ويزيد من حاجة المنطقة لبرامج دعم حكومية إضافية. وإذا فشل قطاعي الأعمال والحكومة في الشرق الأوسط في تقديم تدريب مهني مناسب وشبكات أمان لهؤلاء العمال المتأثرين قد تؤدي تأثيرات الرقمنة على سوق العمل إلى خلق مصدر جديد للإحباط العام والاضطرابات في منطقة مضطربة بالفعل.

الحوكمة الرقمية

تقدم رقمنة القطاع العام فرصا ثمينة للشرق الأوسط، إذ يسعى عدد من دول المنطقة لإنشاء مبادرات الحكومات الذكية الرقمية لزيادة كفاءة المواهب والبنية التحتية المعلوماتية الحكومية وتقديم الخدمات العامة عبر الوسائل الرقمية. تشير ماكنزي إلى أن 6 بالمائة فقط من دول الشرق الأوسط تمتلك عناصر الحكومة الذكية الرقمية، في مقدمتها الإمارات العربية المتحدة التي تمتلك برامج دبي الذكية وأبو ظبي الذكية لتطوير البنية التحتية الذكية للمدينة وتقديم الخدمات العامة إلكترونيا. دول أخرى تمتلك نفس طموحا، حيث تهدف المملكة العربية السعودية لرفع ترتيبها في مؤشر الأمم المتحدة للحكومات الرقمية لتكون بين الدول الخمسة الأولى بحلول عام 2030، والأردن وعُمان وقطر والبحرين كلها لديها أهداف مشابهة لإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية لتقديم خدمات إلكترونية.

الحكومات الذكية

 وفوائد الحكومات الذكية في الشرق الأوسط واضحة وجلية، إذ تقيد أسعار النفط المنخفضة العديد من حكومات المنطقة بالإضافة إلى عائدات الضرائب المحدودة وزيادة الطلب العامة على برامج الدعم، الفساد والتزوير والتبذيرعلل شائعة أيضا، وهو ما يزيد من إرهاق الميزانيات العامة، حيث يمكن للرقمنة أن تحد من هذه المشكلات. ويمكن القول إن استخدام الدفع الرقمي بإمكانه ضمان صحة ومراقبة التحويلات المالية الحكومية الداخلية والخارجية، وكذلك استخدام برنامج حاسوب لميكنة عمليات الموارد البشرية للحكومة وتطوير تطبيقات هواتف محمولة لتقديم الخدمات الاجتماعية والمعلومات العامة للمواطنين بإمكانه أن يقلل من التكلفة الشخصية والعامة، حتى إن الوصول إلى المعلومات والخدمات من شأنه أن يزيد من رضا المواطنين والتفكير المتعقل تجاه الحكومات، وهو ما يدعم الاستقرار السياسي على المدى البعيد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى