
قبل الحديث عن الحاضر والمستقبل، لا بد من العودة قليلاً إلى الماضي، فهو أساس ما نعيشه اليوم في كافة مناحي الحياة. عندما نعود إلى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، نصطدم مباشرة مع ظاهرة العولمة التي استحوذت على حديث العالم في المجالات السياسية، الاقتصادية، الثقافية، والإعلامية.
مع مرور الوقت ودخول القرن الحادي والعشرين، وظهور التكنولوجيا الحديثة، وفي مقدمتها شبكة الإنترنت ومواقعها المختلفة، اشتد الحديث عن التفاعل والتأثير المتبادل بين الثقافات والدول، وتزايدت الحاجة إلى التعاون لمواجهة التحديات العالمية المشتركة،في هذا السياق، شهد العالم تحولًا جوهريًا بين عقدين تخللتهما بداية قرن جديد، ليتحول العالم هذه المرة نحو بوتقة “التحول الرقمي” والذكاء الاصطناعي. لم يكن الإعلام في منأى عن هذا التحول؛ فقد تسارعت الخطى وتحولت وسائل الإعلام تدريجيًا لتواكب هذا التغيير، محاولةً مجتهدةً مواكبة السرعة وتنوع المضمون واختلاف الجمهور،التغير الجذري في الإعلام لم يعد قارئ أو مشاهد الأمس هو نفسه اليوم، وبالتأكيد لن يكون هو نفسه في المستقبل. التكنولوجيا اليوم، كوسيلة نقل تتفوق سرعتها على سرعة الصوت والضوء، جعلت تبادل الأخبار والمعلومات يحدث في ومضة عين بفضل الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. هذه الشبكات أصبحت، رغم خطورتها، وسائل الإعلام البديلة لجيل تغذّى على كسر تابوهات أجيال سابقة،لذلك، فرض التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي تغييرًا في أساليب العمل والتواصل والتقارير والتغطيات، وتوفير الخدمات الإعلامية والترفيهية والتفاعلية. يمكن الآن للصحفيين إنتاج المحتوى بشكل أسرع وأسهل، ونشره على المنصات المختلفة بسرعة ودون تكلفة. في المقابل، يستطيع القارئ والمشاهد الوصول إلى المحتوى بسهولة، ومن أي مكان وفي أي زمان، بل التفاعل معه،التغييرات في التصميم والوظائف الإعلامية واكبت هذه التغيرات الموضوعية تعديلات شكلية في تصميم الصفحات والمواقع الإلكترونية والتطبيقات، لتتناسب مع عادات الاستخدام الحديثة. أصبح المستخدم هو الآمر الناهي فيما يتلقاه، حيث يملك من الرفاهية ما يتيح له اختيار المحتوى الذي يريد متابعته، وتخصيص تجربته الإعلامية بناءً على اهتماماته الخاصة،هذا الشكل الجديد في الإعلام التفاعلي، وما صاحبه من تطور أدوات الذكاء الاصطناعي، وضع وسائل الإعلام في مواجهة خيارين: إما التطوير ومواكبة التغيير، أو الوقوف مكانها لتنهشها أنياب التكنولوجيا. لذلك، لا عجب في تحول العديد من المطبوعات المكتوبة إلى النشر الإلكتروني، وهو ما كشفه تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للصحفيين في 2020، والذي أظهر أن العديد من الصحف الورقية أغلقت أبوابها أو توقفت عن النشر بسبب تأثير التحول الرقمي،الوظائف الإعلامية بين التحول والبقاء هذا التحول الرقمي يؤثر بشكل كبير على الوظائف التقليدية في مجال الإعلام. إدخال التكنولوجيا وأدوات الذكاء الاصطناعي في الصناعة يؤدي إلى تغييرات في طرق العمل والمهارات المطلوبة. ظهرت وظائف جديدة مثل تصميم وإدارة المواقع الإلكترونية والتطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي، وصناع المحتوى بكافة أشكاله المكتوب والبصري والمسموع،لكن، ما مصير الوظائف التقليدية في الإعلام الكلاسيكي؟ بالتأكيد، ستتأثر هذه الوظائف وقد تتطور لتلائم متطلبات التحول الرقمي، مما يتطلب من العاملين في المجال اكتساب مهارات جديدة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتسويق الرقمي،دور المؤسسات الإعلامية في التحول الرقمي على المؤسسات الإعلامية تطوير مهارات موظفيها عبر التدريب واكتساب الخبرات الرقمية. يجب عليها أيضًا تطوير الأنظمة الرقمية لتحسين جودة الإنتاج والنشر، وزيادة الجذب والاهتمام بالمحتوى. التركيز على تلبية احتياجات الجمهور عن طريق تقديم المحتوى الرقمي الذي يرغبون به، والاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي، أصبح ضرورة لا غنى عنها لضمان البقاء والازدهار في عصر التحول الرقمي،في الختام، يمكن القول إن التحول الرقمي أعاد تشكيل صناعة الإعلام بطرق غير مسبوقة، متيحًا فرصًا جديدة ومؤثرًا بعمق على كل جانب من جوانب الإنتاج والتوزيع والاستهلاك الإعلامي. المؤسسات والأفراد الذين ينجحون في التكيف مع هذه التحولات سيكونون في وضع أفضل للاستفادة من الإمكانات الهائلة التي يقدمها العصر الرقمي.
بقلم:جلال يياوي.