المجتمع

الإدمان على الهاتف النقال لدى الأطفال

 المختصون يؤكدون أنه يساهم في تعطيل جهازهم النفسي

أصبح الهاتف النقال مثل موضة، يطالب به الأطفال دون العشر السنوات، أما المراهقون فامتلاكهم إياه صار حتميا، هكذا فرض العصر الرقمي على الأهل مزيداً من التعقيدات في التربية، أبرزها عدم القدرة على الرفض. من هنا، تسمع أن معظم الأطفال والمراهقين باتوا يمتلكون هواتفهم النقالة الخاصة بهم.

فالسؤال الذي يتبادر إلى ذهنك مباشرة أكثر من بديهي: “لماذا يحتاج طفل دون العاشرة من عمره أو مراهق إلى هاتف خاص، وخصوصاً أن الهواتف الأرضية والخلوية تُحيط به من جميع الجهات؟”… قليلٌ من البحث يغنيك عن الكثير منه، فالنتيجة واضحة كعين الشمس وقد تخطت الفرضية، لقد انتصر الخلوي على مبادئ الأهل، معادلةٌ فرضت نفسها ببساطة على مجتمع القرن الحادي والعشرين الاستهلاكي، كأن الرفض اختفى من مصطلحات الأهل وبات صعب الاستخدام بعدما تفوق الأطفال في حججهم.

 

ابنتها المصرة.. تفاجئها على امتلاك الهاتف…

الطفلة “نريمان”، ابنة الـ09 سنوات ستمتلك هاتفها الخاص في عيد ميلادها، بالنسبة إليها سيحول هذا الهاتف دون تحكّم والدتها فيه مما يزعجها أن تضطر إلى مكالمة صديقتها بواسطة والدتها. مهلاً، فإنها ليست مراهقة تريد الاستقلال عن أهلها بل مجرد طفلة، لا تزال عاجزة عن الاستحمام بمفردها، ورغم أن والدتها تبدو منزعجة، تفاجئها ابنتها المصرّة على امتلاك هاتف، بل وتُفاجئها أكثر الاستقلالية التي بدأت تنشدها، هي التي لا تزال تتلعثم بكلماتها، لم تكن مستعدة لهذا الصراع في هذا الوقت المبكر، لكنه حصل. تحكي والدتها عن هوس نريمان بالهاتف، وخصوصاً بعدما أعطتها هاتفها القديم من دون خطّ للعب به، فتقول في هذا الصدد:” تداريه كثيرا وتحرص على شحن بطاريته يومياً، وتلتقط يومياً العديد من الصور وأفلام الفيديو، وتطلب مني نشرها على موقع الفايسبوك. حتى إنها أرادت خلق حساب خاص لها على الموقع وزيادة سنوات عمرها لتصبح في الثالثة عشرة، لأن الموقع لا يسمح لمن هم دون هذا العمر بإنشاء حساب، حتى شقيقتها التي لم تبلغ الست سنوات بعد، بدأت تشير إلى رغبتها في امتلاك – آي فون-، رغم أنها لا تعرف اسمه، يكفيها أن تحرّك الشاشة بإصبعها.

يبدو قياس حالة والدة نريمان اجتماعياً أفضل بكثير، بعدما حطمت السيدة فاطمة الأرقام القياسية عندما جلبت هاتفاً لابنها وهو في الـ07 من عمره، تبرّر أن ظرفها يختلف عن الآخرين، لم تجلب له الهاتف للتباهي أو التفاخر، فهي مطلّقة وطليقها يعيش في فرنسا وقد أدت المشاكل الكثيرة إلى انقطاع التواصل بينهما، فارتأت أن تشتري هاتفاً لابنها حتى لا تضطر إلى أن تكون واسطة بين الأب والابن، علماً بأن الأب لم يتصل بابنه على هاتفه حتى اليوم.

 

تحتاج إلى الهاتف كي تحكي مع صديقاتها…

أما السيدة “نسرين” فهي على عكس السيدة “فاطمة” لا تلجأ كثيراً إلى التبرير، فابنها ذو الـ 10 سنوات يحمل هاتفاً هو أيضاً وقد اضطرت الأم إلى إلغاء خدمة الخلوي  من الهاتف الأرضي، فكان الهاتف النقال بديلاً للاطمئنان الدائم على ابنها، وخصوصاً أنها تعمل، ربما لأنّ هذا الشقّ لا يلغي ضعف الأهل الغريزي أمام تحقيق رغبات أطفالهم، وظلت أم نريمان تُمارس صرامتها من خلال رفضها القاطع شراء – بلاك بيري- نزولاً لطلب ابنها، ولكن إلى متى؟… أما الطفلة نصيرة وجدت حلاً سهلاً تفادت من خلاله الصدام مع أهلها، استفادت من الأعياد وجمعت مبلغاً كافياً من المال لشراء هاتف خلوي، لبى أخوها طلبها واصطحبها لشراء الهاتف لكونها الأصغر في البيت، ولأنها تحتاج إلى الهاتف كي تحكي مع صديقاتها والأحاديث التي يتناولونها تتمحور حول أمور عادية. وتلجأ إليه أكثر للتواصل مع أخواتها من غرفة إلى أخرى، أما شقيقتها ليست راضية كلياً عن موضوع الهاتف، لكنها ترى أنه يصعب قول لا للجيل الجديد الذي انفلت على التكنولوجيا، وحين تمازحها سائلة:” ماذا ستفعلين بالهاتف؟”،،. تجيبها:” جميع صديقاتي بتن يملكن بلاك بيري”.

 

العامل الاجتماعي يدفع الأولاد إلى التماهي مع أصدقائهم…

قد يلجأ علماء النفس إلى تأليف كتب جديدة لإعادة تفسير عمر المراهقة بعدما بات الطفل يطالب باستقلاليته باكراً، لكن المعالجة النفسية “سهيلة”، تشرح أن الاستقلالية لدى الأطفال لا تكمن في امتلاك هواتف، بل في الاعتماد على أنفسهم في الدراسة وارتداء الملابس، كما تلفت إلى أن جيل اليوم لم يعد يتحمل الضوابط وعلاقته مع السلطة مهزوزة.

تفسير ظاهرة الخلوي بسيط وتعزوه إلى العامل الاجتماعي الذي يدفع الأولاد إلى التماهي مع أصدقائهم. وتضيف في السياق نفسه: “إن الطفل دون العشر سنوات ليس بحاجة إلى وسيلة تواصل ما عدا اللغة واللعب، قبل ذلك يبدأ الطفل بإدراك أنه سيكون بعيداً عن أمه في بعض أوقات النهار يتعلق بأيّ لعبة يُطلق عليها بالفرنسية – دودو-، تساعده على خلق مسافة بينه وبين والدته، أما اليوم تحوّل الهاتف الخلوي إلى – دودو- جديد، ومع الوقت يتخلى الطفل عن –الدودو-، لكنه يدمن الهاتف وينعزل ثم يكتفي بالصور الخيالية التي يتعرف إليها عبر الفايسبوك، وشيئا فشيئا يبتعد عن اللغة المحكية، وبالتالي العفوية، وكذلك عندما يبدأ في استخدام الأحرف اللاتينية لدى كتابة الرسائل النصية عبر الهاتف ينسيه أحرف اللغة العربية”.

 

الهاتف تحوّل إلى موضة وتشبه بالآخر ليشعر الطفل بالأمان

لم تنته السلبيات بعد، إذ يغدو الهاتف بمثابة وسيلة للطفل ليبتعد بها عن أهله وينعزل بعد أن يصبح عالمه منوطاً بهذا الجهاز. وتقول من جهتها المختصة في علم النفس الأستاذة “دليلة”: “يجب على الأهل أن يشرحوا للطفل أن طريقة تربيتنا مختلفة، وإلا فسيطلب سيارة في الثالثة عشرة، ويسهر حتى الخامسة صباحاً في السابعة عشرة، ورغم أن الإحساس بالحرمان موجع، إلا أنه يجب على الطفل أن يدرك أنه لا يستطيع الحصول على كل شيء”… وخلافاً لما قالته المختصتين سهيلة ودليلة فإن الأستاذة رشيدة، أكثر تقبلاً للهاتف اجتماعياً ونفسياً وتستطرد قائلة:” الهاتف بات ضرورة للأهل للاطمئنان إلى أولادهم، كما هو حاجة للمراهقين لتوسيع دائرة صداقاتهم”،،، لكنها تتطرق إلى الشق الأخطر المتمثل في الضرر الصحي الذي يمثله الهاتف لدى الأطفال، فتضيف قائلة:” إذ يؤدي إلى تخريب الدماغ، حيث أن الهاتف النقال بات سبباً لحالات الانفصام، ليس هذا فقط بل يسهم أيضاً في تعطيل الجهاز النفسي لدى الأطفال، الذي لا يكون قد اكتمل بعد. يصبح لديهم خلل في السلوك الاجتماعي ويفقدون جرأة التواصل. يفقد الطفل لذة اكتشاف الآخر والعيش معه”… بالنسبة إلى من هم دون العاشرة تشرح السيدة أسماء، أستاذة في علم الاجتماع أن الهاتف تحوّل إلى موضة وتشبه بالآخر ليشعر الطفل بالأمان وقد انخرط في المجتمع، وعليه يجب على الأهل تفهم هذا الشعور، بل وتؤكد قائلة:” أن الطفل يريد الاستقلالية من خلال الهاتف، وخصوصاً أنّ هذه الاستقلالية تبدأ في الظهور في عمر ال03 سنوات”… ولكن هل يفقد الأهل سيطرتهم على أولادهم لدى شراء الهاتف لهم؟، تضيف المختصة بكل ثقة:” لا، ليس بالضرورة وخصوصاً أنه يجب عليهم مراقبة هواتف أطفالهم، شأنها شأن الإنترنت والتلفاز، بل أنّ منع الهاتف ضروري عند الأطفال يحب أن يكون من خلال شرح المشاكل الصحية الناجمة عنه، أما عند المراهق فلا بد من اعتماد سياسة التقنين”.

 

المنعٌ لا يلقى تجاوباً للذين ينجحون في تهريب الهاتف وإخفائه

تدعي معظم المدارس والإكماليات وحتى الثانويات منعها استخدام الهاتف النقال داخل أقسامها وساحاتها، بل إن أولياء التلاميذ يمضون على وثيقة تضم مجموعة من المواد معظمها ما يُحضرَ على التلميذ أثناء الدراسة، وهذه العريضة التي يقبل الأولياء باحترامها حرفيا ويُلزمون أبناءهم بتطبيقها حلال السنة الدراسية هي بمثابة نظام داخلي، لكن في حقيقة الأمر هذا المنعٌ لا يلقى تجاوباً لدى التلاميذ الذين ينجحون في تهريب الهاتف وإخفائه طوال الدوام الدراسي.

أحد التلامذة يخشى الحديث في الموضوع حتى لا تنتبه إدارة مدرسته إلى الأمر، في حين يستمتع التلاميذ بلعبة القط والفأر هذه. وفي السياق ذاته، تلفت المعالجة النفسية دليلة، إلى أن الإخفاء هو سمة المراهقين، وفي حين يؤكد بعض التلاميذ أنّ بعض المدارس تسمح لتلاميذاتها بجلب هواتفهم إلى المدرسة، شرط تسليمها للناظر واستعادتها عند انتهاء الدوام، في المقابل يقول أحد المدراء في السيد عبد القادر ينفي ذلك ويؤكد: “إن الإدارة تمنع الهاتف النقال داخل المدرسة، ما عدا بعض الحالات كسفر الوالدين مثلاً، حيث يُسمح للتلميذ بجلب هاتفه شرط تسليمه للإدارة، والسبب هو الخوف من فقدان الهاتف في المدرسة الذي قد تتبعه مشاكل عدة، والأهم ما يحويه الهاتف من ثقافة غير أخلاقية ناهيك عن استخدامه للغش”…  أما أحد الأساتذة  الطاهر يقول في السياق ذاته: “إنّ القانون الداخلي لا يمنع التلاميذ من تهريب الهاتف أحياناً، وهذا ما يدفع بإدارة المدرسة إلى اتخاذ إجراءات صارمة”… هذا وتؤكد إحدى المعلمات قائلة: “لقد وجدت أكثر من مرة بحوزة بعض تلاميذي الهاتف النقال لكن في حالة عجم التشغيل أي مغلق مما لا أستطيع مصادرته وتسليمه للإدارة، فالتلاميذ يعرفون جيدا القانون الداخلي للمدرسة لكنهم أذكياء ويملكون من الحيل ما يستطيعون الوقوع في المحظور”.. هكذا يكتشف الطفل الهاتف النقال في أشهره الأولى وأعوامه الأولى أيضا، يمسك ذلك الجهاز الغريب ويلعب به، جهازٌ يرافقه منذ بداية حياته حتى مماته.

دلال.ب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى