الثـقــافــة

الأيقونة الأدبية الجزائرية، أحلام مستغانمي

بين خلود الكلمات وثقل العالم الافتراضي

أحلام مستغانمي، الأيقونة الأدبية الجزائرية، تناولت تأثيرات منصات التواصل الاجتماعي على حياتها وإبداعها الأدبي بتفصيل بالغ وحساسية. أوضحت كيف أصبحت هذه الوسائل طريقاً للتواصل المباشر مع قرائها، لكنها في الوقت ذاته سلبتها شيئاً من العزلة الهادئة التي تحتاجها الكاتبة لكي تغوص في أعماق نفسها وتكتب بنفس طويل ومركّز، كما فعلت في أعمالها الأولى مثل ذاكرة الجسد.

عبرت مستغانمي عن محبة حقيقية لجمهورها، وقالت إن ذلك التواصل المباشر مع القراء منحها إحساسًا بالخلود في قلوبهم، حيث تُحبهم بصدق دون أي مقابل. غير أنها لم تخفِ أيضاً الجانب السلبي الذي تشعر به أحياناً في هذا العالم الافتراضي، والذي جعل الكتابة أكثر تحدياً من ذي قبل، مشيرةً إلى أنه استنزف جزءاً من راحتها النفسية، وأثّر على قدرتها في العزلة عن العالم الخارجي اللازمة للإبداع. في الماضي، كما توضح، كانت الكتابة بمثابة فرصة للتأمل العميق، بينما اليوم، يحاصرها الإنترنت ويشدها من العالم الداخلي إلى عالم مليء بالضجيج والتشتت.

أما بخصوص الخصوصية، فتناولت مستغانمي الموضوع بمزيج من المرارة والطرافة، حيث أشارت إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي غيرت قواعد العلاقة بين الكاتب والقارئ، التي كانت قديماً علاقة تقتصر على الكتاب فقط. اليوم، تلاحقها أعين القراء وتتسلل إلى حياتها الشخصية، وكأنهم يتطلعون للتأكد من أن حياتها تتطابق مع كلماتها وأفكارها، وقالت إنها تفتقد الوقت الذي كان فيه الكاتب يحتفظ بمسافة مع قارئه، فلا يسأل عن تفاصيل حياته الخاصة أو أوضاعه المادية، بل كان يكتفي بالنظر إلى العمل الأدبي نفسه. واستشهدت برواية “البؤساء” وفيكتور هوغو، وكيف أن أحداً من قرائه لم يكن معنيًا بحياته الشخصية أو ثروته، بل فقط بما قدمه في صفحات روايته.

وأشارت مستغانمي إلى تحديات أخرى، مثل نسبة أقوال إليها لم تقلها أو تحريف بعض عبارات كتبتها، وأشهرها واقعة نسبة أحد مقولاتها للأديب الإنجليزي وليام شكسبير حول “أزمة المثقفين”، مستنكرةً هذا الخلط وسوء الفهم الذي يحدث بسبب اعتماد البعض على مصادر غير موثوقة عبر الإنترنت. وضربت مثالًا على شائعات أخرى كخبر “زواجها خمس مرات”، الذي انتشر بسبب صورة لها مع ابنها، مشيرة إلى أن بعض المعلومات المغلوطة تلاحقها كأنها حقائق، وتخلق لها أعباء إضافية لم تكن تتوقعها ككاتبة.

وصفت مستغانمي هذا “القرب الافتراضي” بأنه سيف ذو حدين. فمن جهة، أصبحت تعرف جمهورها عن كثب، إذ يعبرون لها عن مشاعرهم، ويستشيرونها في أمور حياتهم، حتى أنها تعتبر نفسها “مقدمة إسعافات أولية” لبعض من يستنجدون بها في لحظات ضعفهم، وتشعر أن هذا القرب هو مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون تواصلًا عاديًا، وأن كسب ثقة القراء يتطلب الحذر والتفكير الدقيق في ما تنشره، لاسيما أن تلك الثقة قد تُفقد في لحظة واحدة. وقالت إنها أحياناً تشعر بالعبء النفسي لهذا التواصل المباشر، لكنها تدرك أن عطاءها لجمهورها يجب أن يكون صادقاً وحقيقياً.

على الرغم من أن الكثير من الكتّاب والمشاهير يستغلون وسائل التواصل لكسب متابعين وعائدات مالية، فإن مستغانمي عبّرت عن عدم اهتمامها بالمكاسب المادية على حساب قيمها الأدبية. في حديثها في معرض الشارقة الدولي للكتاب قالت

بوضوح: “الكاتب الحقيقي يختار حساب التاريخ لا الحساب المصرفي”. إذ ترى أن المال قد يفسد قيمة الأدب إذا اختلط به، ووصفت نفسها بأنها تخاف التاريخ، لأنها على يقين بأن الكتابة الصادقة والمخلصة هي وحدها ما سيبقى، وأن التركيز على المكاسب السريعة سيُفقدها مصداقيتها واحترامها لذاتها.

إلهام. ط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى