الرقمنة والذكاء الاصطناعي في قطاع العدالة يوفران آفاقًا كبيرة للتحديث وتحقيق المزيد من كفاءة الأداء القضائي”
حاورها: رامـي الـحـاج
تعتبر الأستاذة والمحامية “هند بن ميلود” من بين المحاميات المتمرسات في تخصص (الرقمنة والذكاء الاصطناعي) في قطاع العدالة، بل بشكل خاص اهتمت أكثر بالأمن السيبراني الذي يعتبر هاجس كل الدول في الوقت الراهن، لما يشكل من تهديد على المن القومي لها. كما عملت الأستاذة جاهدة على شرح وتقديم رؤيتها القانونية والعلمية في كيفية من حماية البيانات والمعطيات وحتى المصارف في ظل التحولات التكنولوجية الراهنة من الهجمات السيبرانية. واهتمت أيضا بالميكانيزمات والآليات القانونية التي من شأنها مواجهة المخاطر السيبرانية – بشكل فعال وإيجابي.
في هذا الحوار المفيد والمثمر مع الأستاذة “هند بن ميلود”، نستعرض حملة من الانشغالات الجوهرية المطروحة على قطاع العدالة بما يتعلق علاقته بالرقمنة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، كما تقدم رؤيتها الموضوعية والقانونية والعلمية لهذه المسائل على ضوء تجربتها واختصاصها وفراستها.
هل ممكن الحديث عن مسيرتك المهنية؟
في عام 1992، قمت بتأسيس مكتب محاماة متخصص في قانون الشركات الأعمال، حيث يتميز بخبرة في قانون التكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني والجرائم السيبرانية. المكتب متكون من المحامين الشباب والمتعاونين الديناميكيين، الذين يقدمون المشورة والمساعدة القانونية للشركات والأفراد على حد سواء في الجزائر وحتى دوليا، كما أن المكتب تدعم الشركات العالمية في تأسيسها في الجزائر إلى جانب أنها تغطي مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك القانون التجاري، المصرفي، الضريبي، البحري، البيئي، الصحي، وتكنولوجيا المعلومات والملكية الفكرية. والمكتب أيضا، رائدة الامتياز في الجزائر، حيث أسس الجمعية الجزائرية من الامتياز لقد كنت نشطًة في تطوير ريادة الأعمال ونائبة رئيس إنجاز الجزائر ورئيسة NAPEO الجزائر. وفي مارس 2023، تم انتخابي رئيسة لمركز أبحاث CARE، بعد أن كان نائبا للرئيس.
التخصص في القانون الرقمي فرض نفسه على قطاع العدالة، كيف تقيمين التجربة؟
في الواقع، تحركت الجزائر مبكرًا جدًا نحو الرقمية، بدءًا من عام 1998، من خلال النص المتعلق باستغلال الانترنت والقانون عدد 03-2000 المؤرخ في 08/05/2000 القواعد القانونية المتعلقة بالبريد والاتصالات. في عام 2005
لقد أحدث إثباتا على الدعم الإلكتروني، المادة 323 ثالثًا من القانون المدني، ثورة نظام الإثبات الإلكتروني وعلى وجه الخصوص الاعتراف بالقيمة القانونية للبريد الإلكتروني كوسيلة شهادة.
ومع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أصبح الوصول إلى العدالة أكثر سهولة كما أن المنصات عبر الإنترنت ساهمت كثيرا في تسهيل استشارة القوانين ومراقبة الملفات وجلبها وبالتالي تقريب المواطنين من النظام القضائي أيضا.
إن المشهد الرقمي يتطور بسرعة، ومن الضروري أن ينعكس ذلك إيجابيا على اللوائح لمواكبة الديناميكية، كما أن تكييف الإطار التنظيمي يعني أن القوانين الحالية تتم مراجعتها وتحديثها بانتظام لتعكس الحقائق المتغيرة للعالم الرقمي، وهذا في حد ذاته يضمن أن يظل الإطار القانوني ملائمًا وفعالا في مواجهة التحديات والتحديات الفرص التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
يمثل التحرك نحو العدالة السيبرانية التقاطع بين القانون التكنولوجيا. وعليه، تسعى البلاد إلى جعل العدالة أسرع وأكثر الشفافية: مع استخدام الأدوات الرقمية لإدارة الملفات وتنظيم جلسات الاستماع وحتى اتخاذ القرارات القضائية، وهذا من شأنه تحسين كفاءة النظام وضمان العدالة والنزاهة والوصول للجميع.
إن تبسيط وتسهيل حياة المواطنين سيتم من خلال رقمنة قطاع العدالة، ولكن أيضا في جميع القطاعات الأخرى، على سبيل المثال إعداد منصات عبر الإنترنت لتمكين دفع الغرامات بسهولة، دون التنقل الغير مجدي والوقوف في الطوابير، بحيث أن النصوص التشريعية عبر الإنترنت تضمن لكل مواطن حق الوصول إلى القوانين المعمول بها، من أجل معرفة وفهم أفضل للإطار القانوني وبكل بساطة لحقوقهم.
وبعيداً عن النظام القضائي، أن الجزائر تقوم تعمل بتحديث إداراتها بالكامل، تهدف الإدارة الإلكترونية إلى استخدامها التقنيات الرقمية لجعل الخدمة العامة أكثر شفافية وأكثر سهولة في الوصول إلى النتيجة، وهي إزالة الطابع المادي من الإجراءات وتحسين التواصل بين الإدارة والمواطنين.
لمواجهة التحديات الرقمنة، أصبح من الضروري تعزيز قدراتنا الاستراتيجية الوطنية وأن تكون لدينا الإستباقية. وهذا ينطوي على التدريب المتواصل للمهنيين القانونيين، والاستثمار في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتوعية الجميع بفوائد العدالة السيبرانية، ومن خلال تعظيم الفرص مع مواجهة التحديات، يمكن للجزائر أن تضع نظام العدالة السيبرانية الخاص بها في طليعة العصر رقمي.
هل أصبح هذا الاختصاص يستهوي الجيل الجديد من المحامين؟
هناك المزيد والمزيد من التدريب على التكنولوجيا الرقمية وعلى وجه الخصوص الاقتصاد الرقمي، لكن القليل من المحامين يتخصصون في هذا المجال الذي يظل قبل كل شيء تقنيا.
في رأيك، إلى متى يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تقوية الأمن السيبراني؟
في الواقع اليوم، هذه ليست مساهمة بسيطة، ولكن يجب على الذكاء الاصطناعي أن يعمل على تعزيز حماية الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي هو بالفعل عنصرا أساسيا في تعزيز الأمن السيبراني، وهو مدعو للقيام بدور النمو بشكل ملحوظ وبارز خلال العقود القادمة، بحيث كل العوامل تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيستمر في كونه الدعامة الأساسية في هذا المجال على الأقل من 10 إلى 20 سنوات المقبلة، ولربما أبعد من ذلك.
إن الهجمات السيبرانية تصبح أكثر وأشد تعقيدا مع التقنيات المتقدمة والمتطورة (APT)، مثل هجمات برامج الفدية والتصيد الاحتيالي المستهدف والتهديدات المستمرة المتقدمة (APT). وعليه ومن منظور أنظمة الأمن السيبراني أصبح من الضروري أن يتطور الذكاء الاصطناعي باستمرار، بسبب قدرته الكبيرة على تحليل كميات هائلة من البيانات في وقت قياسي وحقيقي، وهو أيضا أحد الحلول الوحيدة القادرة على مواكبة هذا التطور، ولأن مجرمو الإنترنت يستخدمون أيضًا الذكاء الاصطناعي لارتكاب جرائمهم، فيجب أيضا محاربتهم بنفس السلاح، من خلال الكشف السريع الجرائم والانتهاكات ومنع، على سبيل المثال، بعض الدول من استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض الحرب مثل إسرائيل. ويجب على الدول حتماً أاستخدام هذه التكنولوجيا بهدف حماية الفضاء الإلكتروني الخاص بهم والحفاظ على السلام ولتسهيل حياة مواطنيها.
5) كيف ترين آفاق الرقمنة والذكاء الاصطناعي في قطاع العدالة بشكل عام؟
إن الرقمنة والذكاء الاصطناعي في قطاع العدالة يوفران آفاقًا كبيرة للتحديث وتحقيق المزيد كفاءة الأداء القضائي، وعلى وجه الخصوص تحسين الوصول إلى العدالة، مثل:
(01)- رقمنة الوثائق والمنصات على الخط والشبكات في قطاع العدالة في جميع أنحاء الوطن.
(02)- تحسين عمليات صنع القرار من خلال التحليل التنبئي والقانونية وأنظمة المساعدة للقضاة بالإضافة على تقليل التكاليف والتأخير.
إن تحسين الوصول إلى العدالة له تأثير كبير من خلال المنصات الرقمية والملفات الرقمية:
” لتخيل قاعة محكمة حيث يكون الوصول إلى المعلومات فوريًا، حيث يتم رقمنة كل ملف وكل شهادة وكل دليل ويمكن الوصول إليها بنقرة واحدة. وفي هذه الرؤية للعدالة الحديثة، أصبح الوصول إلى الوثائق والمعلومات حقيقة واقعة للجميع، حتى بالنسبة لأولئك الذين هم بعيدون.
لنأخذ حالة مواطن في منطقة ريفية يرغب في الحصول علي نصائح قانونية، بفضل البوابات الرقمية تطبيقات العدالة عبر الإنترنت، يمكنه الآن التشاور والحصول على المعلومات القانونية، ومتابعة مدى تقدم ملفه والتواصل الاتصال مع محامي دون الحاجة للسفر إليه. إنه يوفر له وقتا ثمينا ويستفيد من خدمة سريعة وغير مكلفة.
إن استخدام تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي سيساعدان حتما في تحسين قرارات المحكمة وإصدار الأحكام بشكل أكبر منسقة وثابتة، وقبل كل شيء متوافقة مع القانون. يستطيع الذكاء الاصطناعي ذلك بفضل قدرته لتحليل ملايين البيانات (نصوص القوانين، السوابق القضائية). أن يكون محرك بحث يمكنه المساعدة في تحقيق العدالة التنبؤية من خلاله.
وأخيرًا، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في منع الأخطاء والفساد من خلال إرساء نظام للشفافية والنزاهة.